لِنُحافِظ عَلى أعصَابنَا مِن الغَضبِ

لِنُحافِظ عَلى أعصَابنَا مِن الغَضبِ

عَادَ‭ ‬نَاصِرٌ‭ ‬لِلْبَيْتِ‭ ‬فَوَجَدَ‭ ‬أُمَّهُ‭ ‬غَاضِبَةً‭ ‬جِدًا‭, ‬اقْتَرَبَ‭ ‬مِنْهَا‭ ‬وَقَالَ‭ ‬لَهَا‭: ‬مَا‭ ‬لِي‭ ‬أَرَى‭ ‬عَلاَماتِ‭ ‬الغَضَبِ‭ ‬بَادِيَةً‭ ‬عَلَى‭ ‬وَجْهِكِ‭؟

ردَّت‭ ‬عَليْهِ‭ ‬بِغَضَبٍ‭ ‬شَدِيدٍ‭:  ‬تَبًّا‭ ‬لِهذَا‭ ‬الفُرنِ‭ ‬اللَّعِين‭!!... ‬لَقَدْ‭ ‬حَرَقَ‭ ‬الحَلْوى‭ ‬التي‭ ‬حَضَّرتُها‭ ‬لأَسْتَقْبِلَ‭ ‬بِهَا‭ ‬الضُّيوفَ‭ ‬مَسَاءً‭.‬

قَالَ‭ ‬لَهَا‭ ‬نَاصِرٌ‭: ‬لاَ‭ ‬تَنْفَعِليِ‭ ‬هَكَذَا‭ ‬يَا‭ ‬أُمّي‭!... ‬بِطَريقَتِكِ‭ ‬هَاتِهِ‭ ‬أنْتِ‭ ‬تضُرِّينَ‭ ‬جِهَازَكِ‭ ‬العَصَبِيّ‭.‬

فَسَأَلَتْهُ‭ ‬أُمُّهُ‭: ‬مَاذَا‭ ‬تَقْصِدُ‭ ‬بِالجِهَازِ‭ ‬العَصَبِيّ‭؟

الجِهَازُ‭ ‬العَصَبِيُّ‭ ‬هُوَ‭ ‬نِظَامٌ‭ ‬يَتَكَوَّنُ‭ ‬مِن‭ ‬ثَلاَثَةِ‭ ‬أَجْزَاءٍ‭ ‬وَهِيَ‭: ‬الجِهَازُ‭ ‬العَصَبِيُّ‭ ‬المَرْكَزِي‭, ‬وَيَتكَوَّنُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الدِّمَاغِ‭ ‬وَالنُّخَاعِ‭ ‬الشَّوْكِي‭, ‬وَدَوْرُهُمَا‭ ‬هُو‭ ‬التَّحَكُّمُ‭ ‬فِي‭ ‬الجِهَازِ‭ ‬العَصَبِيّ‭, ‬كَمَا‭ ‬يَقُومُ‭ ‬بِتَرتِيبِ‭ ‬وَظَائِفِهِ‭.‬

وَالدِّمَاغُ‭ ‬هُوَ‭ ‬المَركَزُ‭ ‬الَّذِي‭ ‬يُعْطِي‭ ‬الأَوَامِر‭ ‬لِلْجِهَازِ‭ ‬العَصَبِيّ‭ ‬ليَقُومَ‭ ‬بِرَدِّ‭ ‬الفِعْلِ‭, ‬ويَتَكَوَّنُ‭ ‬مِن‭ ‬ثَلاثَةِ‭ ‬أجْزَاءٍ‭: ‬المُخُّ‭ ‬وَالمُخَيْخُ‭ ‬وَجذْعُ‭ ‬الدِّمَاغِ‭. ‬أَمَّا‭ ‬ثَانِي‭ ‬جُزْء‭ ‬فِي‭ ‬الجِهَازِ‭ ‬العَصَبِي‭ ‬فَهُوَ‭ ‬الجِهازُ‭ ‬العَصَبِي‭ ‬المُحِيطِي‭, ‬وَهُوَ‭ ‬سَاعِي‭ ‬بَرِيد‭ ‬الجِهَاز‭ ‬العَصَبِي‭, ‬بِحَيْثُ‭ ‬يَكْمُنُ‭ ‬دَوْرهُ‭ ‬فِي‭ ‬حَمْلِ‭ ‬الإِشَارَاتِ‭ ‬والرَّسَائِل‭ ‬الَّتِي‭ ‬يُرْسِلُهَا‭ ‬لَهُ‭ ‬الدِّمَاغ‭, ‬وَذَلكَ‭ ‬بِسُرْعَةٍ‭ ‬تَفُوقُ‭ ‬الخَيَال‭, ‬لِيَقُومَ‭ ‬الجِسْمُ‭ ‬بِأَنْشِطَتِهِ‭.‬

فَقَالَت‭ ‬لَهُ‭ ‬أُمُّهُ‭: ‬يَا‭ ‬سُبحَانَ‭ ‬اللهِ‭!... ‬أَتَقْصدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬جِهَازًا‭ ‬خَفِيًّا‭ ‬لَدَينَا‭ ‬يَنْقُلُ‭ ‬حَرَكَاتِنَا‭ ‬وَمِن‭ ‬خِلاَلِهَا‭ ‬نَقُومُ‭ ‬بِأَفْعَالنَا‭? ‬وَلَكن‭ ‬كَيْفَ‭ ‬يَتِمُّ‭ ‬ذَلكَ‭? ... ‬فَسِّرْ‭ ‬لِي‭ ‬أَكْثَر‭!‬

الجِهَازُ‭ ‬العَصَبِيُّ‭ ‬المُحِيطِي‭ ‬يَتَكوّن‭ ‬مِن‭ ‬اثْنَي‭ ‬عَشَرَ‭ ‬زَوْجًا‭ ‬مِنَ‭ ‬الأَعْصَابِ‭, ‬تَنْطَلِقُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الدِّمَاغِ‭, ‬وَتُسَمَّى‭ ‬بِالأَعْصابِ‭ ‬القحَفِيَّةِ‭, ‬هَذَا‭ ‬بِالإِضَافَةِ‭ ‬إِلى‭ ‬وَاحِدٍ‭ ‬وَثَلاثِينَ‭ ‬زَوْجًا‭ ‬مِنَ‭ ‬الأَعْصَابِ‭ ‬الَّتِي‭ ‬تَبْدأُ‭ ‬مِنَ‭ ‬النُّخَاعِ‭ ‬الشَّوْكِي‭, ‬وَتُسَمَّى‭ ‬بِالأَعْصابِ‭ ‬النُّخَاعِيَةِ‭, ‬تَنقُلُ‭ ‬الرَّسَائِلَ‭ ‬بِسُرْعَةٍ‭ ‬تَفُوقُ‭ ‬الخَيَالَ‭.‬

وتابع‭ ‬كلامه‭: ‬وَالأَعْصَابُ‭ ‬هِيَ‭ ‬عِبَارَة‭ ‬عَنْ‭ ‬خَلاَيَا‭ ‬عَصَبِيّة‭ ‬تَتَجَمَّع‭ ‬عَلىَ‭ ‬شَكْلِ‭ ‬أَحْبَال‭...‬

فَرَدَّت‭ ‬عَليْهِ‭ ‬وَالِدَتُهُ‭: ‬إنَّ‭ ‬هَذِه‭ ‬الأَعْصَاب‭ ‬تَلْعَبُ‭ ‬دَورَ‭ ‬أسْلاكِ‭ ‬الهَاتِفِ‭, ‬فَهِيَ‭ ‬بِدَوْرِهَا‭ ‬تَنْقُلُ‭ ‬الرَّسَائِل‭ ‬وَالإِشَارَات‭ ‬بِسُرْعَة‭ ‬فَائِقَةٍ‭... ‬ولَكِن‭ ‬مَا‭ ‬هُوَ‭ ‬الجُزْءُ‭ ‬الثَّالِثُ‭ ‬فِي‭ ‬الجِهَازِ‭ ‬العَصَبِي‭؟

أَجَابَ‭ ‬نَاصِر‭ ‬وَالِدَتَه‭: ‬الجُزْءُ‭ ‬الثَّالِثُ‭ ‬هُوَ‭ ‬الجِهَازُ‭ ‬العَصَبِيُّ‭ ‬التِّلْقَائِيُّ‭, ‬وَهُوَ‭ ‬جُزْءٌ‭ ‬خَاصٌّ‭ ‬مِنَ‭ ‬الجِهَازِ‭ ‬العَصَبِيِّ‭ ‬المُحِيطِي‭, ‬وَيَتَجَلَّى‭ ‬دَورُهُ‭ ‬فِي‭ ‬تَنظِيمِ‭ ‬جَمِيعِ‭ ‬الوَظَائِفِ‭ ‬التِّلْقَائِيَةِ‭ ‬فِي‭ ‬الجِسْمِ‭, ‬مِثْل‭ ‬التَّنَفُّسِ‭ ‬وَالهَضْمِ‭ ‬دُونَ‭ ‬تَحَكُّمٍ‭ ‬أَوْ‭ ‬تَدَخُلٍّ‭ ‬مِنَ‭ ‬الدِّمَاغِ‭.‬

فَقَاطَعتْه‭ ‬أُمُّهُ‭ ‬مُسْتَغْرِبَةً‭: ‬أَتَقْصِدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬الدِّمَاغَ‭ ‬لاَ‭ ‬يَتَدَخَّلُ‭ ‬فِي‭ ‬هَاتَيْنِ‭ ‬العَمَلِيَتَيْنِ‭؟! ‬

فَرَدَّ‭ ‬عَليْهَا‭ ‬نَاصِر‭: ‬أَجَل‭, ‬وَهَذَا‭ ‬مِن‭ ‬وَرائِهِ‭ ‬حِكْمَةٌ‭ ‬لِكَي‭ ‬يَبْقَى‭ ‬جِسمُ‭ ‬الإِنْسَانِ‭ ‬فِي‭ ‬حَالَةٍ‭ ‬مُستَقِرَّةٍ‭ ‬عَلىَ‭ ‬الدَّوامِ‭, ‬فَلَوْ‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّنَفُّسَ‭ ‬مَثَلًا‭ ‬يَمُرُّ‭ ‬عَبْرَ‭ ‬أَوامِرِ‭ ‬الدِّمَاغِ‭, ‬لَكَانَ‭ ‬جُلُّ‭ ‬البَشَرِ‭ ‬عِنْدَمَا‭ ‬يُصَابُ‭ ‬دِمَاغُهُم‭ ‬بِأَذَى‭ ‬فَقَدُوا‭ ‬الحَيَاةَ‭.‬

فَسَأَلَت‭ ‬الأُمُّ‭ ‬نَاصِراً‭: ‬عَلىَ‭ ‬ذِكْرِكَ‭ ‬إصَابَةُ‭ ‬المُخِّ‭ ‬بِأَذَى‭, ‬مَاهِيَ‭ ‬الأَمْراضُ‭ ‬التي‭ ‬مِنَ‭ ‬المُمْكِنِ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُصَابَ‭ ‬بِهَا‭ ‬جِهازُنَا‭ ‬العَصَبِيُّ‭؟

رَدَّ‭ ‬عَلَيْهَا‭: ‬هُنَاكَ‭ ‬العَدِيدُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الأَمْرَاضِ‭, ‬كَالعُصَاب‭ ‬وَالهِيسْتِيرْيَا‭ ‬وَالصَّرَع‭. ‬لَكِن‭ ‬أَخْطَرَهَا‭, ‬الاِكْتِئَابُ‭ ‬الذِّي‭ ‬يَدْخُلُ‭ ‬فِيهِ‭ ‬المَرِيضُ‭ ‬فِي‭ ‬حَالَةِ‭ ‬وَحْدَةٍ‭ ‬وَفُقْدانِ‭ ‬أمَل‭ ‬وَيَأْسٍ‭, ‬فَتَجِدُ‭ ‬الشَّخْصَ‭ ‬دَائِم‭ ‬العُبُوسِ‭ ‬وَغَالبًا‭ ‬مَا‭ ‬يُؤَدِّي‭ ‬هَذَا‭ ‬المَرضُ‭ ‬بِالشَّخْصِ‭ ‬للتَّفْكِيرِ‭ ‬فِي‭ ‬الاِنْتِحَارِ‭. ‬إِلَى‭ ‬جَانِبِ‭ ‬مَرَضٍ‭ ‬خَطِيرٍ‭ ‬أصْبَحَ‭ ‬مُنْتَشِرًا‭ ‬بِكَثْرةٍ‭ ‬فِي‭ ‬وَقْتِنَا‭ ‬الحَاضِر‭,‬ِ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬مَرضُ‭ ‬البَارْكِنْسُونْ‭ ‬أو‭ ‬مَرضُ‭ ‬الاِرْتِعَاشِ‭ (‬اكْتَشَفَهُ‭ ‬العَالِمُ‭ ‬جِيمْس‭ ‬بَارْكِنْسُونْ‭ ‬سَنَةَ‭ ‬1817م‭), ‬وَهُوَ‭ ‬مَرَضٌ‭ ‬يَفْقِدُ‭ ‬فِيهِ‭ ‬الإِنْسَانُ‭ ‬التَّحَكُّمَ‭ ‬بأَعْصابِهِ‭, ‬وَتَظهَرُ‭ ‬أعْرَاضُهُ‭ ‬عِنَدمَا‭ ‬يَبدَأُ‭ ‬الدِّمَاغُ‭ ‬بِفُقْدانِ‭ ‬مَادَّةٍ‭ ‬تُدعَى‭ ‬الدُّوبَامِينِ‭ ‬التِّي‭ ‬تَصِلُ‭ ‬الخَلاَيَا‭ ‬العَصبِيَّةَ‭ ‬بِبَقِيَّةِ‭ ‬خَلاَيَا‭ ‬الدِّمَاغِ‭, ‬وَإذَا‭ ‬تَطَوَّرَ‭ ‬هَذَا‭ ‬المَرضُ‭ ‬يَتَحَوَّلُ‭ ‬لِشَلَلٍ‭ ‬نِصْفِي‭, ‬وبَعْدَهَا‭ ‬يَفْقِدُ‭ ‬المُصَابُ‭ ‬حَيَاتَه‭.‬

فَقَالَت‭ ‬الأُمّ‭ ‬بِخَوفٍ‭: ‬يَا‭ ‬رَبِّي‭ ‬إنَّهُ‭ ‬أَمْرٌ‭ ‬خَطِيرٌ‭ ‬فِعلًا‭!!... ‬وَهَلْ‭ ‬هُنَاكَ‭ ‬سَبِيلٌ‭ ‬لِلْوِقَايَةِ‭ ‬مِن‭ ‬هَاتِهِ‭ ‬الأَمْرَاضِ‭؟

فَقَالَ‭ ‬لَهَا‭: ‬طَبْعًا‭, ‬وَذَلكَ‭ ‬أَنْ‭ ‬نَتَجَنَّبَ‭ ‬الاِنْفِعالَ‭ ‬عَلىَ‭ ‬أَبْسطِ‭ ‬الأَشْيَاءِ‭, ‬وَنَنَام‭ ‬السَّاعَاتِ‭ ‬الكَافِيَة‭, ‬مَا‭ ‬بَيْنَ‭ ‬ستّ‭ ‬إِلىَ‭ ‬ثَمَانِي‭ ‬سَاعَاتٍ‭ ‬بِاليَومِ‭, ‬وَنَبتَعِدَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الجُلُوسُ‭ ‬لِسَاعَاتٍ‭ ‬طَوِيلَةٍ‭ ‬أَمَامَ‭ ‬شَاشَاتِ‭ ‬التِّلْفازِ‭ ‬وَالكُمْبْيُوتِر‭ ‬خُصُوصًا‭ ‬بِالليْلِ‭, ‬وَنَبْتعِدَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الأَمَاكِنِ‭ ‬التِّي‭ ‬تَعجُّ‭ ‬بِالضَّجِيجِ‭, ‬وَبَيْنَ‭ ‬الفَيْنَةِ‭ ‬وَالأُخْرَى‭ ‬القِيَامِ‭ ‬بِنزهاتٍ‭ ‬لِلطَّبِيعَةِ‭ ‬الخَضْرَاءَ‭ ‬لِتَهْدِئةِ‭ ‬الأَعْصَابِ‭.‬

فَقَالَتِ‭ ‬الأُمُّ‭ ‬لاِبْنِهَا‭: ‬مِنَ‭ ‬الآنَ‭ ‬فَصَاعِدًا‭ ‬لَنْ‭ ‬أنْفَعلَ‭, ‬وَإِنْ‭ ‬كَانَت‭ ‬الحَلْوَى‭ ‬قَد‭ ‬حُرِقَت‭ ‬فَسَأَشْتَريهَا‭ ‬مِن‭ ‬مَخْبَزَةِ‭ ‬الحَلَوَانِي‭, ‬فَكُلُّ‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬يَعُوَّضُ‭ ‬إلاَّ‭ ‬صِحَّتُنَا‭.‬

 

رسوم‭: ‬عبدالله‭ ‬درقاوي