سلمى والسيدة دَمْعَة

سلمى والسيدة دَمْعَة

تحبّ‭ ‬سلمى‭ ‬مساعدة‭ ‬أمّها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المنزل‭ ‬خاصّة‭ ‬طبخ‭ ‬الطعام‭ ‬وطهوه‭, ‬وتحضير‭ ‬ما‭ ‬لذّ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الحلويات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬يحبّ‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتها‭ ‬تناولها‭, ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يعكّر‭ ‬صفو‭ ‬حبّها‭ ‬للطبخ‭ ‬إلا‭ ‬طلب‭ ‬أمّها‭ ‬منها‭ ‬تقطيع‭ ‬البصل‭ ‬إلى‭ ‬شرائح‭ ‬صغيرة‭; ‬لِما‭ ‬يسبّبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حرقة‭ ‬في‭ ‬عينيها‭, ‬فتسيل‭ ‬دموعها‭. ‬وبما‭ ‬أنّ‭ ‬البصل‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الطبخات‭ ‬التي‭ ‬تعدّها‭ ‬أمها‭, ‬فسوف‭ ‬تهرب‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬تقشيره‭ ‬وتقطيعه‭ ‬متعلّلة‭ ‬بِمختلف‭ ‬العلل‭.‬

وفي‭ ‬إحدى‭ ‬مرّات‭ ‬تقطيع‭ ‬أم‭ ‬سلمى‭ ‬البصل‭, ‬جرحت‭ ‬السكين‭ ‬يدها‭, ‬فاضطرت‭ ‬سلمى‭ ‬مُرغمة‭ ‬إلى‭ ‬إكمال‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬أمّها‭ ‬دون‭ ‬تعلّل‭ ‬أو‭ ‬اعتراض‭; ‬لِتصبح‭ ‬بذلك‭ ‬أمام‭ ‬البصل‭ ‬وجهًا‭ ‬لِوجه‭.‬

حاولت‭ ‬سلمى‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تقطيعها‭ ‬البصل‭ ‬تجنّب‭ ‬ما‭ ‬يثيره‭ ‬من‭ ‬حرقة‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬ودموع‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭, ‬إذ‭ ‬انسابت‭ ‬الدموع‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬منها‭ - ‬على‭ ‬وجنتيها‭ ‬الورديّتين‭ ‬بِبطء‭; ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تمسك‭ ‬بِمنديل‭ ‬ورقيّ‭ ‬لِتمسح‭ ‬هذه‭ ‬الدموع‭, ‬معلنة‭ ‬كرهها‭ ‬للبصل‭ ‬الذي‭ ‬يسيل‭ ‬دموعها‭... ‬وإذا‭ ‬بها‭ ‬وهي‭ ‬تهمُّ‭ ‬بفعل‭ ‬ذلك‭, ‬تسمع‭ ‬صوتًا‭ ‬خافتًا‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬مذعورًا‭: ‬أرجوكِ‭ ‬يا‭ ‬سلمى‭ ‬لا‭ ‬تمسحي‭ ‬وجنتَيك‭ ‬الآن‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تقضي‭ ‬عليَّ‭ ‬أنا‭ ‬وإخوتي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬إليك‭... ‬أرجوكِ‭.‬

تلتف‭ ‬سلمى‭ ‬مفزوعةً‭ ‬حولها‭, ‬وهي‭ ‬تقول‭: ‬من‭ ‬يكلّمني؟ ‬

يجيبها‭ ‬الصوت‭ ‬الخافت‭: ‬أنا‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الدموع‭ ‬المُنسالة‭ ‬على‭ ‬وجنتَيكِ‭, ‬ولن‭ ‬تستطيعي‭ ‬رؤيتنا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬حملت‭ ‬إحدانا‭ ‬على‭ ‬إصبعك‭ ‬بِحرص‭ ‬وبِسرعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نجفّ‭.‬

قامت‭ ‬سلمى‭ ‬بِحمل‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الدمعات‭ ‬على‭ ‬أصبعها‭, ‬مُقرّبة‭ ‬إيّاها‭ ‬أمام‭ ‬عينَيها‭ ‬حتى‭ ‬تراها‭ ‬جيّدًا‭.‬

قالت‭ ‬سلمى‭ ‬لِلدّمعة‭ ‬مذهولة‭: ‬ماذا‭ ‬تريدين‭ ‬منّي‭؟

قالت‭ ‬لها‭ ‬الدمعة‭: ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أجيبكِ‭ ‬أعرّفكِ‭ ‬أوّلًا‭ ‬بِنفسي‭: ‬أنا‭ ‬السيّدة‭ ‬دمعَة‭, ‬والدموع‭ ‬من‭ ‬السوائل‭ ‬التي‭ ‬ينتجها‭ ‬جسمك‭, ‬وأتكوّن‭ ‬أنا‭ ‬وإخوتي‭ ‬من‭ ‬هرمونات‭ ‬وبروتينات‭ ‬وأملاح‭ ‬وبعض‭ ‬الأنزيمات‭... ‬وأمّنا‭ ‬هي‭ ‬الغدّة‭ ‬الدمعيّة‭ ‬الرئيسيّة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬إنتاجنا‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬العلوي‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬عينَيك‭, ‬وهي‭ ‬بحجم‭ ‬وشكل‭ ‬حبّة‭ ‬اللوز‭. ‬لقد‭ ‬جئت‭ ‬إليك‭ ‬مع‭ ‬إخوتي‭ ‬عبر‭ ‬اثنتَي‭ ‬عشرة‭ ‬قناة‭ ‬دمعيّة‭; ‬لِنقول‭ ‬لكِ‭: ‬إنّك‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكرهي‭ ‬البصل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشكريه‭, ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬أيضًا‭.‬

تستعجب‭ ‬سلمى‭ ‬قائلة‭: ‬أشكره‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسبّبه‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬حرقة‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬وبكاء‭, ‬وأشكركنّ‭ ‬أنتنّ‭! ‬لِماذا‭؟‬

تجيبها‭ ‬الدمعة‭: ‬تشكرين‭ ‬البصل‭ ‬لأنه‭ ‬سبب‭ ‬خروجنا‭ ‬من‭ ‬عينيك‭, ‬وتشكريننا‭ ‬لِما‭ ‬نجلبه‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬عند‭ ‬البكاء‭.‬

تندهش‭ ‬سلمى‭ ‬ممّا‭ ‬تسمع‭, ‬قائلة‭: ‬ألِلبكاء‭ ‬فوائد‭?! ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلينا‭ ‬إلّا‭ ‬عند‭ ‬حدوث‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الحزن‭ ‬أو‭ ‬الألم‭.‬

تردّ‭ ‬عليها‭ ‬السيّدة‭ ‬دمعَة‭: ‬أتعلمين‭ ‬يا‭ ‬سلمى‭ ‬أنّنا‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬ترطيب‭ ‬أغشية‭ ‬العين‭ ‬ممّا‭ ‬يحسّن‭ ‬رؤيتها‭, ‬ويحفظ‭ ‬شفافيّة‭ ‬قرنيّتها‭; ‬لأنّ‭ ‬جفاف‭ ‬هذه‭ ‬الأغشية‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬ضبابية‭ ‬مؤقّتة‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬لدينا‭ ‬خصائص‭ ‬طبيعيّة‭ ‬مضادّة‭ ‬للجراثيم‭ ‬تمكّننا‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬البكتيريا‭ ‬الضارّة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬العين‭, ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭, ‬بل‭ ‬إنّنا‭ ‬أيضًا‭ ‬نساعد‭ ‬على‭ ‬تخلّص‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬التوتّر‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي‭ ‬والاكتئاب‭, ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬احتوائنا‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬كيميائية‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تسكين‭ ‬الألم‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تجفّ‭ ‬السيّدة‭ ‬دمعَة‭ ‬ودّعت‭ ‬سلمى‭ ‬ناصحةً‭ ‬إيّاها‭: ‬لا‭ ‬تهربي‭ ‬من‭ ‬تقشير‭ ‬البصل‭ ‬وتقطيعه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تحرمي‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفوائد‭.‬

وعدتها‭ ‬سلمى‭ ‬بذلك‭, ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬أصبحت‭ ‬سلمى‭ ‬والبصل‭ ‬صديقين‭, ‬فكلّما‭ ‬قامت‭ ‬بِتقشيره‭ ‬وسالت‭ ‬دموعها‭ ‬على‭ ‬وجنتَيها‭ ‬تتذكّر‭ ‬حوارها‭ ‬مع‭ ‬السيّدة‭ ‬دمعْة‭, ‬طبيب‭ ‬العيون‭ ‬الخفيّ‭ ‬الذي‭ ‬يجهل‭ ‬فضله‭ ‬الكثيرون‭. ‬

 

رسوم‭: ‬نهى‭ ‬الدخان