القرصان ذو الأنف الخشبي

القرصان  ذو الأنف الخشبي

كان‭ ‬القرصان‭ ‬ذو‭ ‬الأنف‭ ‬الخشبي‭ ‬قرصانًا‭ ‬قويًّا‭ ‬ومخيفًا‭, ‬فقَد‭ ‬أنفَه‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬مركب‭ ‬إنجليزي‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬شحنة‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة‭. ‬وقد‭ ‬جدعَ‭ ‬أنفَه‭ ‬ضابط‭ ‬إنجليزي‭ ‬خاضَ‭ ‬ضده‭ ‬صراعًا‭ ‬عنيفًا‭, ‬لكنّ‭ ‬القرصانَ‭ ‬بقي‭ ‬مُتماسكًا‭ ‬شاهرًا‭ ‬سيفه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭, ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬القتال‭... ‬من‭ ‬دون‭ ‬أنف‭! ‬ورغم‭ ‬الألم‭ ‬الشديد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يُلقي‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬البحّارة‭ ‬الأعداء‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭.‬

أُعجبَ‭ ‬القراصنة‭ ‬الآخرون‭ ‬بِشجاعته‭ ‬وقوّته‭ ‬فاختاروه‭ ‬قائدًا‭ ‬لهم‭. ‬وبِفضل‭ ‬الذهب‭ ‬الذي‭ ‬غَنِمه‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضدّ‭ ‬السفينة‭ ‬الإنجليزية‭, ‬اشترى‭ ‬سفينة‭ ‬جميلة‭ ‬سمّاها الغليون‭ ‬الذهبي‭, ‬ولجأ‭ ‬إلى‭ ‬جرَّاح‭ ‬ماهر‭ ‬صنع‭ ‬له‭ ‬أنفًا‭ ‬من‭ ‬خشب‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬أصبح‭ ‬جميعُ‭ ‬القراصنة‭ ‬يلقّبونه‭ ‬بالقرصان‭ ‬ذي‭ ‬الأنف‭ ‬الخشبي‭.‬

لكنَّ‭ ‬المشكلةَ‭ ‬أنَّه‭ ‬فقَدَ‭ ‬تمامًا‭ ‬قدرتَه‭ ‬على‭ ‬الشمّ‭, ‬فكان‭ ‬يستبدّ‭ ‬به‭ ‬الغضبُ‭ ‬والحزنُ‭ ‬أحيانًا‭ ‬كثيرة‭, ‬ويسمعُه‭ ‬الآخرونَ‭ ‬يحُكُّ‭ ‬أنفَه‭ ‬الخشبيَّ‭ ‬بالسكين‭. ‬وعندما‭ ‬يزعجه‭ ‬الأنفُ‭ ‬ويصيبُه‭ ‬بِحساسيّة‭ ‬الجلد‭ ‬يصبحُ‭ ‬القرصانُ‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حالات‭ ‬غضبه‭ ‬فلا‭ ‬يجرُؤ‭ ‬أحدٌ‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭.‬

وكان‭ ‬الصبي مارتن‭‬  بحَّارًا‭ ‬مبتدئًا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬السَّفينة‭. ‬وذات‭ ‬مرّة‭ ‬خطرَتْ‭ ‬له‭ ‬فكرةٌ‭ ‬جيدة‭ ‬وطريفة‭, ‬فهو‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬أنفَ‭ ‬القائد‭! ‬يلازمه‭ ‬كظله‭. ‬سيشُمُّ‭ ‬بدلاً‭ ‬منه‭, ‬سيحدّثُه‭ ‬عن‭ ‬رائحة‭ ‬رذاذ‭ ‬المطر‭ ‬والسمك‭, ‬عن‭ ‬رائحة‭ ‬سُفن‭ ‬الخُصوم‭ ‬وهي‭ ‬تحترق‭, ‬وعن‭ ‬رائحةِ‭ ‬الرَّصاص‭ ‬الذي‭ ‬تقذفُه‭ ‬المَدافع‭. ‬وهكذا‭ ‬سيتخلَّصُ‭ ‬مارتن‭ ‬من‭ ‬الأعمالِ‭ ‬الشَّاقّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬كلَّ‭ ‬يومٍ‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬السَّفينة‭. ‬لن‭ ‬يُنظِّف‭ ‬بعدُ‭ ‬أرضيةَ‭ ‬السفينة‭, ‬لن‭ ‬يَحملَ‭ ‬البراميلَ‭ ‬الثقيلةَ‭, ‬ولن‭ ‬يضطرَّ‭, ‬بعد‭ ‬الآن‭, ‬لتنظيف‭ ‬قُدور‭ ‬الأكل‭..‬

انتهز ‭‬مارتن‭  ‬الفرصةً‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يحتفلون‭ ‬بالغنائم‭ ‬الوفيرة‭ ‬التي‭ ‬سَطوا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬سفينة‭ ‬إسبانية‭, ‬وكانَ‭ ‬القائدُ‭ ‬مبتهجًا‭ ‬رائقَ‭ ‬المزاج‭ ‬فحدَّثهُ‭ ‬عن‭ ‬فِكرته‭. ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أطلق‭ ‬القائدُ‭ ‬ذُو‭ ‬الأنف‭ ‬الخشبي‭ ‬ضحكةً‭ ‬مجلجلة‭ ‬وقهقهةً‭ ‬قويّة‭ ‬أخافت‭ ‬مارتن‭  ‬المسكينَ‭ ‬الذي‭ ‬تراجَع‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬فسقط‭ ‬في‭ ‬دلو‭ ‬ماء‭, ‬ممَّا‭ ‬جعل‭ ‬الجميعَ‭ ‬ينفجر‭ ‬بالضَّحك‭... ‬ثمَّ‭ ‬فجأة‭ ‬رفع‭ ‬القبطانُ‭ ‬القائدُ‭ ‬سيفَه‭, ‬فسكت‭ ‬الجميع‭ ‬وقال‭:‬

‭‬‮«‬إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الصبي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعوِّض‭ ‬أنفيَ‭ ‬الضائعَ‭. ‬حسنًا‭! ‬عندما‭ ‬فكّرت‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬وجدتُ‭ ‬أنّها‭ ‬ليست‭ ‬فكرةً‭ ‬سيئةً‭!... ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬سيكون‭ ‬الصبي‭ (‬مارتن‭) ‬بِمنزلة‭ ‬أنفٍ‭ ‬لي‭. ‬سيُخبرني‭ ‬عن‭ ‬كلِّ‭ ‬الروائح‭, ‬وهكذا‭ ‬سيتمّ‭ ‬إعفاؤُه‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬الأعمال‭ ‬الشاقّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭, ‬وأحذِّركم‭ ‬من‭ ‬الإساءة‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬الآن‮»‬‭.‬

منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬لمْ‭ ‬يغضب‭ ‬القائدُ‭ ‬قطُّ‭, ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يحُكُّ‭ ‬خشبَ‭ ‬أنفه‭ ‬بالسكين‭. ‬وكان‭ (‬مارتن‭) ‬يلازمُه‭ ‬ويرافقُه‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬مغامراته‭ ‬وأسفاره‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭. ‬رُبَّما‭ ‬أصبح‭ (‬مارتن‭) ‬بِدوره‭ ‬قرصانًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭, ‬لكنَّه‭ ‬سيكون‭ ‬قرصانًا‭ ‬بأنف‭! ‬ويا‭ ‬لَهُ‭ ‬من‭ ‬أنف‭!‬

 

رسوم‭: ‬عائشة‭ ‬علي