متحف تاريخ الطب في بادوفا.. الطبّ كما لم تره من قبل
نحن الآن نسير في الأزقّة الضيقة التي تشتهر بها مدينة بادوفا الإيطالية, المدينة التي كان لها دور كبير في تطور كثير من العلوم الحديثة, وعلى رأسها العلوم الطبية.
وفي الرواق المحاذي للطريق الضيق, يوجد متحف فريد من نوعه وعظيم في أهميته والفائدة العلمية التي يقدمها لزواره. إنه متحف تاريخ الطب, الذي أنشئ في مدينة بادوفا الإيطالية العتيقة قبل سنوات قليلة, وتم تجديه في عام ٢٠١٥, حيث جرى افتتاحه في الخامس من يونيو من هذا العام, ويقع في مبنى تاريخي بأحد أزقة المدينة.
لم يكن اختيار موقع المتحف اعتباطيًا, إذ إن المبنى التاريخي القديم, الذي يعود إلى القرن الخامس عشر, كان يستخدم كأول مستشفى ويدعى مستشفى القديس فرانسيس الأكبر. وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر, كان هذا البناء يستقبل, لأول مرة, طلاب الطب لتعلّم الممارسات الطبية السريرية عمليًا. وبذلك يعدّ هذا المستشفى خطوة نحو الطريق العلمي الأكاديمي في تدريس العلوم الطبية.
ويروي المتحف تاريخ التطور الطبي عبر سنوات طويلة منذ القدم وحتى العلوم الطبية الحديثة بلغة مفهومة ومبسطة, بل وممتعة, وهي مع ذلك لغة علمية دقيقة, مع الاستعانة بالتقنيات الحديثة والألعاب التفاعلية التي يحبّها الأطفال. وتنظم المدارس في إيطاليا زيارات دورية للمتحف لتعريف الطلاب بتاريخ مهنة الطب وتحفيز من له رغبة في دراسته, لمواصلة المشوار من خلال بث الشغف فيهم. ويضيء المتحف جانبًا من المدرسة الطبية لبادوفا, خصوصًا أن جامعة بادوفا العريقة تشتهر عالميًا في مجال الطب.
يتكون المتحف من ثلاثة طوابق تنقل الزائر إلى رحلة علمية وتاريخية في جسم الإنسان. وللمتحف باحة داخلية وحجرات ثمانٍ; منقسمة على 3 أقسام. القسم الأول يحتوي على حجرتين, واحدة مخصصة لتاريخ المكان, أي مستشفى فرانسيس الكبير, والأخرى تسرد الدور الكبير لجامعة بادوفا بالثورة العلمية في الطب الحديث. وفي حجرات المتحف المفتوحة معارض تفاعلية وألعاب متعددة الوسائط وأفلام وثائقية تعرض لأعضاء جسم الإنسان والتطور الطبي في التعامل مع الأمراض التي تصيب الإنسان.
وهكذا, سيجد الزائر أربع حجرات مكرّسة لنشأة العلوم الطبية الحديثة وتطورها, وهي على النحو التالي: حجرة ل“علم التشريح”, وفيها يتم شرح البنية الداخلية لجسم الإنسان, والثانية تعرض لكيفية عمل هذا الجسد, أو كما يطلق عليه علميًّا «علم وظائف الأعضاء», والثالثة تجيب عن سؤال: كيف يمرض الجسد?, أي «علم الأمراض», أما الرابعة فحجرة مكرسة لكيفية علاج الأمراض, إضافة إلى حجرتين للمعدات الطبية القديمة والحديثة, وأخيرًا مسرح تشريحي به مجسّم لجسم بشري ضخم يتم من خلاله عرض تشريحي للجسد, مع شرح لوظائف الأعضاء.
يتوسط المجسم الزوايا المفتوحة المطلة عليه, ويبلغ طوله 8 أمتار, ويسميه الأطفال “الرجل العملاق”. وبينما يتجول الزوار في هذه الزوايا يجدون فيها أقسامًا مختلفة لكل قسم منها عرض لعضو من أعضاء الإنسان, الهيكل العظمي, والدماغ, والعين, والأذن, والقلب, والرئتان, والجهاز الهضمي, وطب النساء والتوليد, فضلًا عن المعروضات الحقيقية لمعدات طبية قديمة.
تلك هي المواضيع التي يستكشفها الزائر في هذه الزوايا. لا شك في أنها رحلة ذات فائدة عظيمة, وربما تستكمل المتعة عند الخروج من المتحف, حيث يجد الأطفال محلًّا لبيع الكتب العلمية والقصص الملهمة والألعاب ذات المقاصد العلمية ليجعلوا منها ذكرى مسلية لرحلة لا تُنسى.