بلوتونيوم أسيموف
تنقلُ لك قراءةُ أعمال كاتب الخيال العلمي العظيم «إيزاك أسيموف» أفكارًا إيجابية واضحة حول قدرة العلوم والتكنولوجيا على حلّ مشاكل العالم; فلقد كان إسحاق أسيموف مهمومًا بتوصيل العلم إلى عامّة الناس, وكان يقولُ إن أهمية العلم تستدعي ألا نتركه حكرًا للعلماء وحدهم!
إيزاك أسيموف 2يناير 1920- 6 أبريل 1992 ترك وراءه ثروةً من المؤلَّفات, وبلغ عددُ كتبِه 500 كتاب في موضوعات متنوعة, وموجّهة لفئات عُمرية مختلفة, بدءًا من مرحلة ما قبل المدرسة, إلى أمّهات الكتب المرجعية الجامعية. كانت شهرةُ أسيموف قد قامت على قصص وروايات الخيال العلمي, إلا أن مؤلّفاته تفرّعت في مجالات أخرى, كعِلم الاجتماع, والتاريخ, والرياضيات, والكيمياء, والفلَك, بل لقد كتبَ ألغازًا, ودراسات دينية.
يحكي إيزاك أسيموف عن طريقته في الكتابة في مقال يتّسمُ بالطرافة, عنوانه: من أين أستقي أفكاري ؟ يقول: «... إنني أفكّر وأفكّر وأفكّر, حتى يخطر ببالي شيء. ومع ذلك, يحدثُ, أحيانًا, أن تأتيني الفكرةُ من الخارج. ففي يناير 1971, شاركتُ في مؤتمر حول قصص الخيال العلمي, وكنتُ بين المستمعين حين كان اثنان من كتّاب هذه القصص المعروفين يناقشان أساليب كتابتها, فكان أحدُهم يرى – وأنا أشاطره الرأي – أن ردودَ الأفعال الإنسانية أهم من التفاصيل التقنية, حتى في مجال الخيال العلمي. قال ذلك الكاتب: إذا استطاع الكاتبُ نقلَ الدوافع الإنسانية على نحو مقنع, فلن يهمّ القارئ في شيء أن يبحث أمرَ عنصر البلوتونيوم-186! ولم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك حينها, إذ أنّ ذاكرة المتكلم قد خانته, فليس ثمة من نظائر البلوتونيوم ما يسمى بلوتونيوم-186, ولا يمكن – حسب قوانين الكيمياء – أن يكون. غير أن خاطرًا طرأ على بالي, وحدا بي إلى التفكير في كتابة قصة يكون فيها البلوتونيوم-186 موجودًا بالفعل, ويكون قد أتى إلى الأرض من عالَمٍ آخر... عالَم تختلف فيه الطبيعة عن نظيرتها في الأرض, وما إن يحلّ هذا العنصرُ بالأرض حتى يبدأ باستيعاب قوانينها ببطء, ويزيدُ عدم استقراره شيئًا فشيئًا. وإذا استطعنا الحصول على كمية غير محدودة من هذه المادة, نجلبها من ذلك العالَم الآخر السابح في الفضاء الكوني, فإننا سنحصل على مصدرٍ هائل للطاقة, لا يكاد يكلّفنا شيئًا. وتلبيةً لمتطلبات الحبكة الروائية, كان عليَّ أن أنسب إليها عيوبًا خطيرةً, تُعرّضُ كوكبَ الأرض كلّه, وربّما الكونَ برمّته, لخطرٍ ماحق. فهل سيكون الناسُ على استعداد لأن يتخلّوا عن مصدر مجاني للطاقة؟. وهكذا, بدأت الأفكارُ تنبثقُ شيئًا فشيئًا من مصطلح ليس له ما يناظره في الطبيعة (البلوتونيوم-186 , وانتهى بي الأمرُ إلى تأليف رواية بعنوان الآلهة أنفسهم, صدرت بالعام 1972.
حصل أسيموف على بكالوريوس العلوم من جامعة كولومبيا الأمريكية في العام 1939, ثم على درجة الماجستير في عام 1941, ثم درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم, متخصّصًا في الكيمياء, عام 1948, واشتغل بعد ذلك بتدريس الكيمياء الحيوية في جامعة بوسطن. وكان يقلقه بشدة غيابُ النهج العلمي للمعرفة بين عامّة الناس, فبالرغم من أن العلم قد أحدث ثورةً في مسار التاريخ, وجعل الكونَ كتابًا مفتوحًا, إلاَّ أنه يندر تطبيقُه في المجال الاجتماعي, ولم يترك في رؤى معظم البشر تجاه العالم غير أثرٍ ضئيل. وفي رأيه أن الغالبية العظمى من سكّان الأرض تعيشُ, من الناحية الشكلية, عالَمًا تُحدّده السلوكيات القبائلية للعصر البرونزي.
وقد كرَّسَ أسيموف حياته لتغيير هذا الوضع المُنذِر بالخطر.