أتعلّم من والدي
كنت مع والدي في طريق عودتنا إلى البيت, وشاهدت شابًا يجلس على كرسيّ متحرّك, كان منزويًا على جانب الطريق, يمدّ يده في انكسار, ويطلب الإحسانَ من المارّة, وعندما اقتربنا منه لم يُعِره أبي أيّ اهتمام, ظننته لم يشاهده, فأخبرته عن الشاب المسكين, ولكنّ أبي هزّ رأسَه, ولم يتوقّف. احترت في أمر أبي, وفكّرت في السبب وراء تصرّفه هذا, قلت لنفسي.. ربّما ليس لديه ما يكفي من النقود, ولكن ذلك لم يكن صحيحًا, فقد توقَّفنا لشراء بعض الأشياء التي طلبَتها أمي, تملّكتني الحيْرة أكثر, رغبت في الاستفسار من أبي عن الأمر, ولكنّي شعرت بالحرج منه, وعندما اقتربنا من البيت ذهبنا إلى العم «ياسر», وهو شيخ كبير في السنّ, كان يفترش الأرض, ويضع أمامه بعض الأشياء البسيطة كي يبيعها, مثل الحلوى, والمناديل, والكبريت, وقد ابتاع منه والدي الكثيرَ من هذه الأشياء, ثم ودّعناه وهو يدعو لنا بالصّحة وطول العمر.
وفي البيت لم تفارقني صورة الشاب, كان عاجزاً مشلولاً, يستحِقّ الشفقة, فلماذا لم يهتم به والدي? شعرت بالضيق, وقررت أن أساعد الشاب بطريقتي, فأخرجتُ مِن حصّالتي كلّ النقود التي ادّخرتها, ثم استأذنت من والدتي في الخروج, وعندما سألتني قائلة:
-لقد عدتَ منذ قليل إلى البيت يا سامر, فإلى أين تذهب الآن؟
ترددتُ قليلا في إخبار أمي, ولكنّي لا أستطيع إخفاء الأمر عنها, فرويت لها ما حدث مِن أبي مع الشاب.
استمعتْ لي أمي بانتباه, ثم ابتسمتْ في هدوء قائلة:
-لا شكّ أنّ هناك تفسيرًا عند والدك.
ثم أخذتني مِن يدي إلى والدي في غرفته, وفُوجئت بكلام أبي, فعلِمتُ أن الأشياء ليست كما تبدو لنا دائمًا في ظاهرها.
قال أبي:
-أنا أعرف هذا الشاب يا سامر, ورأيته بالأمس يمشي على قدميه, إنه سليم البدن تمامًا, ولكنه يتسوّل الإحسان من الناس حتى لا يُجهِد نفسه في العمل, بينما العمّ «ياسر» شيخ تقدّمتْ به السن, وأعجزته عن العمل, لكنه يتعفّف عن مدّ يدِه للآخرين, ولذلك يا ولدي فأنا أشتري منه أشياءَ كثيرة ربما لا نحتاج إليها, ولكنه يحتاج إلى ثمنِها.
نظرتُ إلى أبي في احترام شديد, وطلبت منه أن يأذَن لي في الخروج.
قرّرت أن أذهب إلى العم «ياسر» لأشتري منه الحلوى الكثيرة كما فعلَ والدي الحبيب.
رسوم: د. محمد عبدالله