متحف الكويت الوطني سجل حضارة الكويت
أَحِبَّائي الصِّغَار, سَنَذهَبُ معاً بِاتِّجَاهِ الكُوَّيت, وَبِالضَّبطِ لنَزُورَ مُتْحفَهَا الوَطنِي, تُرَى مَا الذِّي سَيَحْكِيهِ لَنَا هَذَا المُتْحفُ عَن تَاريخِ وَحَضَارةِ الكُوَّيْت?
أَحِبَّائِي, هَذَا المُتحَف الجَذَّاب تَمَّ تَدشِينُهُ مِن طَرفِ الشَّيْخِ عَبْدِاللهِ الجَابِرِ الصُّبَاحِ فِي قَصرِهِ الشَّرقِي, لَكِن فِي سَنَة 1976م تَمَّ تَحويلُهُ إِلَى إِحْدَ البُيُوتِ الأَثرِيَّةِ القَدِيمَةِ يُدعَى بَيْتُ البَدْر (بَيتٌ تَارِيخِي تَمَّ تَأسِيسُهُ سَنَةَ 1837م) وَالذِّي زَادَ المُتْحَفَ غَوصاً فِي التَّاريخِ الكُوَّيتِي العَريقِ.
هَذَا المُتْحَفِ العَريقُ مَا يُمَيِّزهُ مَوْقِعُهُ الاسْترَاتِيجِي, فَهُوَ يُطِلُّ عَلىَ سَاحلِ الخَلِيجِ العَرَبِي, وَأَوَّل مَا يُدْهِشُكُم وَأَنْتُم تَقْتَربُونَ مِنهُ بُومُ المُهَلَّب الشِّراعِي (1) الذِّي يَقِفُ كَعِملاَقٍ يَحرُسُ السَّواحِلَ الكُوَيْتِيَّةَ, لقَد شُيِّدَ هَذَا البُومُ سَنَةَ 1937م عَلَى يَدِ الصُّنَّاعِ الكُوَيْتِيِينَ, كَانَ الهَدفُ مِنْهُ سَبْرُ أَغْوارِ البَحرِ الخَلِيجِي لاِسْتِخرَاجِ اللُّؤْلُؤِ.
عِندَمَا سَتَدخُلُونَ لِلْمُتَحفِ سَتَجدُونَهُ مُقَسَّما لقَاعَاتٍ عدة, كُل قَاعَةٍ يَفُوحُ مِنْهَا جَانِبٌ مِن عَبَقِ تَاريخِ الكُوَّيت, فَقَاعَةُ التُّراثِ الشَّعْبِي, تَحْتَوِي عَلَى مُجَسَّمَاتِ لأَشْخَاصٍ بِزَيٍّ كُوَيْتِي يُمَثِّلُونَ حِرفَهَا القَديمَةَ, التِّي كَانَت مَصدَرَ حَيَاةِ الشعبِ الكُوَيْتِي قَديماً, قَبلَ اكْتِشَافِ النِّفْطِ, كَالحِدَادَةِ وَالفِلاَحَةِ وَنَسْجِ الزَّرابِي وَصنْعِ المَراكِبِ الشِّراعِيَةِ, كَمَا لاَ تَخْلُو القَاعَة مِن مُجَسَّمَاتِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي المَقَاهِي الشَّعبِيَةِ لتَجاذُبِ أطْرافِ الحَديثِ, كَمَا تَعُجُّ القَاعَةُ أَيْضاً بِمُجَسَّماتِ النِّسَاءِ البَدَويَاتِ الكُوَّيْتِيَاتِ وَهُنَّ يَنْسُجْنَ الزَّرَابِي بِالنَّولِ (آلَةٌ تُسْتَخْدَمُ للنَّسْجِ), فِي جَوٍّ اجْتِمَاعِيٍّ يُعَبِّرُ عَنْ رُوحِ التَّضَامُنِ التِّي تَتَمَتَّعُ بهَا السَّاكنَةُ الكُوَيْتِيةُ مُنذُ القِدَمِ. هَذَا بِالإِضَافَةِ إِلَى أنَّ القَاعَةَ مَليئَةٌ بِالهَواتِفِ الثَّابِتَةِ القَديمَةِ وَالرَّادْيُو وَالجْرَامَافُون (آلةٌ مُوسِيقِيَّةٌ تَعمَلُ بِالأُسْطُوانَاتِ) والمَرْوَحِيَّاتِ الكْلاَسِيكِيَّةِ, التِّي كَانَ الكُوَيْتِي يَسْتَخْدِمُهَا لتَفَادِي الحَرارَةِ المُفْرِطَةِ التِّي يَعرِفُهَا المُناخُ الكُوَّيْتِي فِي فَتْرةِ الصَّيْفِ.
أَمَّا فِي قَاعَةِ العِمَارَةِ, فَالمُدْهِشُ فِيهَا يَا أَحِبَّائِي تِلْكَ التُّحَفُ الجَميلَةُ التِّي تَمْلأُ القَاعَةَ, فَهُنَاكَ الأَبوابُ الخَشَبِيَةُ الضَّخمَةُ المَنُقوشَةُ بِفَنِّ الأَرابِيْسك الكُوَيْتِي, وَكُل بَابٍ يَحملُ رِتَاجاً (مِغلاَقُ البَابِ) حَدِيدِيًّا, هَذَا إِلىَ جَانبِ السَّوَارِي الخَشَبِيَّةِ المَنْقُوشَةِ التَّي كَانَت تَسْتَعمَلُ كَدَعَامَاتٍ لِلْأَبْوابِ لتَبقَى قَوِيَّةً ثَابِتَةً, كَمَا يُوجَدُ بِالقَاعَةِ أَنوَاعٌ مِنَ الحِجَارَةِ وَالطُّوبِ, كَانَ البَنَّاءُونَ الكُوَيْتِيُونَ ُيشَيِّدُونَ بِهِا المَبَانِي قَديمًا.
لَكِن لَيْسَ كُلُّ هَذَا مَا يُوجَدُ بِهَذَا المُتحَفَ النَّادِرِ, فهُناكَ قَاعةٌ خَاصَّةٌ بِالتُّحَفِ التِّي تَمَّ العُثُورُ عَليْهَا فِي جَزِيرَةِ فِيلْكَا (جَزيرَةٌ فِي السَّواحِلِ الكُوَيْتِيَّةِ تَبعُدُ عِشْرِينَ كِيلُومِتْراً عَن الكُويْت) وَالتِّي ذَكَرَهَا المُؤَرِّخُونَ اليُونَانِيون سَنَةَ 170 قَبْلَ المِيلاِد, هَذِهِ التُّحفُ تَعودُ إلى العُصُورِ البْرُونْزِيَّةِ وَحَضَارَةِ بِلادِ الرَّافِدَينِ وَحَضارَةِ السَّند (منطقة في بَاكِسْتَان), وَهِيَ تُحَفٌ عِبَارَةٌ عَن أَوانِ فَخَّاريَةٌ مَصنُوعَةٌ مِنَ حَجَرِ الأَسْتِيَاتِيت النَّادرِ.
أَمَّا الأَدواتُ البْرُونْزِيَة الضَّاربَةُ فِي التَّاريخِ, والموجودة إِلىَ جَانِبِ الأَوَانِي الفَخَّاريَةِ, فَقَد حَمَلتْهَا مَعَهَا القَوافِلُ التِّجَارِيَةُ المَارَّةُ عَبرَ الجَزِيرَةِ قَديماً, وَالتِّي كَانَت آهِلَةً بِالسُّكَّانِ لمَوْقِعِهَا الاسْترَاتِيجِي المهمِّ. وإِلىَ جَانِبِ هَذهِ التُّحفِ تُوجدُ تُحَفٌ أَكثَرَ نُدرَةً تَعُودُ لِلحَضَارَةِ اليُونَانِيَةِ الهِيلِينْسِيَة كَحَجَرِ إِيكَارُوس المَنقُوشِ بِكِتَابَاتٍ يُونَانِيَةٍ, تَدُلُّ عَلىَ العَلاقَاتِ الثَّقافِيَةِ القَديمَةِ التِّي كَانَت تَجمَعُ بِلاَدَ الرَّافِديْنِ بِالحَضَاراتِ العَريقَةِ القَديمَةِ.
أما القِسْمِ الخَاصِّ بِمَجمُوعَةِ الصُّبَاح لِلآثَارِ الإِسْلاَمِيةِ, فسَيُذهِلُكُم بِتُحَفِه التِّي تُؤَرِّخ بِمِدادٍ مِن ذَهَبٍ عَرَاقَةَ مِنْطقَةِ الكُوَّيت, فَأَوَّل مَا يُثِيرُ انْتِباهَكُم زُمُرُّدَةٌ مِن حَضَارَةِ الهِنْدِ تَزِنُ 234 قِيرَاطاً, وأُسْطُرْلاَبٍ عِراقِيٍّ يَعُودُ صُنعُهُ لسنة 928م, وَشَمْعَدَان (حَامِلٌ للشُّمُوعِ) مِنَ البْرُونْز مِنْ أَصْلٍ فَارِسِي يَذهَبُ أَغلَبُ ظَنِّ العُلَماءِ أنَّ صِنَاعَتَهُ تَعودُ لِحَوَالَي 1200 سَنَة.
وَأَخِيراً لَم يَتَبَقَّ لَنَا سِوَى زِيَارَة القُّبَّةِ السَّمَاوِيَةِ, هَذِهِ القُبَّة التِّي صُمِّمَت عَلىَ شَكْلِ كُرَةٍ أَرضِيَّةٍ, تَحْتَوِي فِي دَاخِلهَا عَلىَ طَابَقيْنِ, أحدهما يَحملُ أنْوَاع الأَدَواتِ الفَلَكِيَّةِ والمَخْطُوطَاتِ التِّي كَانَ العُلَماءُ المُسْلِمُونَ يستعملونها لرَصْدِ الأَفْلاَكِ السَّمَاوِيَّةِ, والآخَرُ عِبَارةٌ عَنْ قَاعَةٍ سِينِمَائِيَةٍ.