رشا وأمها الخنساء
عادت رشا إلى البيت وهي منقبضة وحالها تدل على الانزعاج من شيء ما. اقتربت منها والدتها وسألتها عن سبب تكديرها ومزاجها السيئ. قالت رشا وهي توشك أن تبكي: كنتُ مع صديقاتي في فترة الاستراحة المدرسية ورُحْنَ يتباهين بأسماء أمهاتهن, ولمّا وصل دوري إلى اسم أمي صرن يتضاحكن ويستهزئن.
التفتت إلى والدتها وسألتها بشيء من العتب:
-لماذا يا أمي تحملين هذا الاسم الذي لا معنى له ويجلب السخرية؟
هدّأت والدتها من انزعاجها وقادتها من يدها إلى الكنبة القريبة, وقالت لها بهدوء وهي تبتسم: ومن قال إن اسمي لا يحمل معنى? إن له معنى وله شهرة في تراثنا العربي والإسلامي.
استغربت رشا من كلام والدتها: وكيف?! هل تسخرين مني يا أمي? كيف يكون لاسمك معنى كبير وأنا لا أعرف ذلك؟
- لقد سمّاني أبي بالخنساء يا ابنتي, وهو لقب لأشهر شاعرات العرب.
انتبهت رشا واهتمّت بكلام والدتها, وصارت لديها رغبة وفضول لسماع المزيد: الخنساء يا ابنتي لقب لشاعرة الرثاء: تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد السلمية, وهي شاعرة عربية كبيرة ولدت في العصر الجاهلي سنة 575 للميلاد, ولُقِّبَتْ بالخنساء لخنس في أنفها «أي قصر الأنف وارتفاع أرنبتيه».
عدّلت رشا من جلستها, وراحت تستمع لكلام والدتها بانتباه ورغبة.
-نشأت الخنساء في بيت ع والدها وإخوانها بمحبة واحترام كبيرين, وكان أخواها معاوية وصخر يتمتعان بصفات الفروسية والشهامة والإقدام, واحترامهما وحنوّهما عليها, فعاشت في قومها بكبرياء وعزة, عزّزها شخصيتها الفذّة القيادية القوية التي طغت على رجال قبيلتها, بسبب حصافة قولها ورزانتها وشموخها.
- وهل أدركت شاعرتنا الخنساء الإسلام؟
- نعم وأسلمت في عام 8 للهجرة - 630 ميلادية, وشاركت مع أبنائها الأربعة في حرب القادسية في زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وظلّت صامدة مع أولادها حتى استشهدوا جميعاً.
- وبماذا تميّز شعرها? وهل تحفظين شيئاً منه يا أمي؟
الخنساء يا ابنتي عُدّتْ واحدة من المُجيدات في قول الشعر في زمن الجاهلية والإسلام, وشهد لها شعراء العرب بجودة شعرها وعظمته, فقد كانت إحدى المحكمات في سوق عكاظ الشعري الشهير, وقد تميّز وتخصّص شعرها بالرثاء; لأنها قالت أشهر شعر الرثاء; وبالذات رثاء أخيها صخر الذي عزم على أخذ ثأر أخيه معاوية, إلا أنه أصيب بطعنة بليغة في موقعة مشهورة بأعي ج
ألا تبكي
ألا تبكي الجميل
ألا تبكي
طويل النجاد رفيع العم
ساد عشيرت
إذا الق
إلى المجد مد إليه يدا
ولهذا سميت الخنساء بشاعرة الرثاء.
- ما أجود معاني هذه الأبيات يا أمي.
قالت الأم وهي تكفكف دمعة زهو من عين رشا: بعد أن استشهد أبناؤها في معركة القادسية أُصيبت بالعمى, فاعتزلت الحياة والناس حتى توفيت في عام 664 ميلادية.
ضمّت رشا والدتها بحنو وفخر وقالت: كم أنا فخورة بك وباسمك يا أمي.