أَوَّلُ رَائِدِ فَضَاءٍ عَرَبِيٍّ
عِنْدَمَا نَسْمَعُ كَلِمَةَ رَائِد فَضَاء, يَذهَبُ تَفْكِيرنَا لاَ شُعُورياً لِلْأسْمَاءِ الغَربِيَةِ المُتَقَدِّمَّةِ عِلمِياً وَصنَاعِياً, لأنَّنَا لَمْ نَتعَوَّد عَلىَ سَماعِ أسْمَاءَ عَرَبِيَّةٍ فِي هَذَا المَجَالِ.
لِهَذَا يَا صِغَارِي, سَأُعَرِّفُكم بِشَخْصِيَةٍ عَرَبِيَّةٍ, كَانَتِ الأُولَى فِي العَالَمِ العَرَبِيِّ شَارَكت ضِمْنَ فَريقٍ فَضَائِيٍّ فِي غَزْوِ الفَضَاءِ.
هَذَا الرَّائدُ يُدْعَى الأَمِيرُ سُلْطَان بِن سَلمَان بِن عَبْدالعَزِيز آلْ سَعُود, مِن مَوالُونْيُو 1956م يَعْمَلُ طَيَّاراً عَسْكَرياً وَمَدَنِياً بِالسَّعُودِيَة. لَكِن كَيْفَ شَاءَت الأَقْدَارُ أَنْ يَكونَ هَذَا الأَميرُ السَّعُودِي أَوَّل رَائِدِ فَضَاء عَرَبِي?
خِلاَلَ بِدَايَةِ ثَمَانِينِيَاتِ القرن الماضي قَرَّرت جَامِعَةُ الدُّوَلِ العَرَبِيَةِ (مُنَظَّمةٌ إِقْلِيمِيَةٌ عَربِيَةٌ تَضمُّ دُوَلاً مِن آسْيَا وَإِفْرِيقِياً مَقَرُّهَا فِي القَاهِرَةِ), إِطْلاَقُ أَوَّل قَمَرٍ اصطناعي عَرَبِيٍّ فِي الفَضَاءِ أَطلَقُوا عَليْهِ عَرَبْسَات 1, وَبِالفِعلِ تَمَّ إِرْسَالُ هَذَا القَمَرِ رُفْقَةَ طَاقَمٍ أمْرِيكِيٍّ, وَمِن خِلاَلِهِ تَمَّ بَثُّ القَنَواتِ العَربِيَّةِ عَبْرَ «السَّاتِلِ».
لَكِن مع الأَسَفِ هَذَا القَمَر الاصْطِنَاعِي تَعَطَّلَ مرَّاتٍ عِدَّةَ وَتَوَقَّفَ عَنِ العَمَلِ, برُغْمَ هَذَا فَإنَّ جَامِعَةَ الدُّوَلِ العَربِيَّةِ لَم تُواجِهِ الأَمْرَ بِإحْبَاطٍ, بَلْ قَرَّرَت إرْسَالَ قَمَرٍ جَدِيدٍ أَطْلَقُوا عَليْهِ عَرَبسَاتB1, وَلَكِن هَذِهِ المَرَّةَ اتَّفَقُوا أَلاَ يُرْسِلُوا القَمَرَ مَعَ الطَّاقَمِ الأَمْرِيكِيِّ وَحدِهِ, بَلْ قَرَّرُوا أَنْ يُضِيفُوا لِلطَّاقَمِ رَائِداً عَرَبِيّاً أَطْلَقُوا عَلَى هَذَا الرَّائِدِ «اختصاصي حمولة».
وَجَّهَت جَامِعَةُ الدُّولِ العَربِيَةِ طَلَبَهَا لِوَكَالَةِ الفَضَاءِ نَاسَا (NASA), فَتَمَّ اخْتِيَار المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَةِ لتَخْتَارَ شَابّاً يَتَحَمَّل مَشَقَّةَ الصُّعُودِ لِلْفَضاءِ, وَبعْدَ الفُحُوص الطِّبِّيَةِ وَالتَّمارِينِ الرِّيَاضِيَةِ التِّي أُجْرِيَت عَلىَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الشُّبَّان السَّعُودِيِين, اسْتَقَرَّ رَأيُ «نَاسَا» عَلىَ الأَمِيرِ سُلْطَان بِن سَلْمَان, بَيْنَمَا الرَّائدُ عَبْدِالمُحْسِن بَسَّام تَمَّ اخْتِيَارُهُ نَائِباً عَنْهُ فِي حَالَةِ حَدَثَ لَهُ طَارِئٌ.
تَوَجَّهَ الاِثْنَانِ فِي صَيْفِ سَنَة 1985م إِلىَ «كْلِيرْ لَيْكْ» CLEAR LAK القَريبَةِ مِنْ وِلاَيَةِ هْيوُسْتُنْ الأَمْرِيكِيَةِ, حَيْثُ يُوجَدُ مَرْكزُ الفَضَاءِ لِنْدُونْ بِي جُونْسُونْ, وَهُمَا مُتَحَمِّسَانِ لخَوْضِ التَّدْرِيبَاتِ الشَّاقَّةِ قَبْلَ انْطِلاقِ الرِّحْلَةِ الفَضَائِيَةِ.
مَرَّت أَسَابِيعَ عِدَّةُ مِنَ التَّدْرِيبَاتِ الشَّاقَّةِ صَبَاحَ مَسَاءَ, بَل كان جُزْءٌ مِن هَذِهِ التَّدرِيبَاتِ فِي شهر رَمَضَانِ. وَكانَتِ التَّدريبَاتُ مُنْقَسِمَةٌ بَيْنَ كَيْفِيَّة مُغَادَرةِ المَركَبَةِ الفَضَائِيَةِ إنْ وَقَعَ طَارئٌ, وَكَيْفِيَةِ تَشْغِيلِ بَعْضِ الأَجْهِزَةِ الضَّرُورِيَةِ فِي المَركَبَةِ.
وَأَخِيراً جَاءَ مَوعِدُ انْطِلاقُ المَركَبَةِ فِي 17 يُونْيُو 1985م, أَمَامَ المَلاَيِيِنِ مِنَ العَربِ الَّذينَ حَبَسُوا أَنْفَاسَهُم مِن خُطُورَةِ الرِّحْلَةِ التِّي تَحْمِلُ رَقْمَ 51 جي (51G), عَبْرَ المَكُّوكِ الفَضَائِيِّ دِيسْكُوفْرِي DISCOVREY .
دَخَل الرَّائدُ العَرَبِيُّ المَركَبَةِ, وسُرْعَانَ مَا سَمِعَ مُنَادياً يَقُولُ فِي عَدٍّ عَكْسِيٍّ بِالإنْجَلِيزِيةِ:
تِسعَة... ثَمَانِية... سَبعَة... سِتَّة... خَمْسَة... أرْبَعَة... ثَلاَثَة...إِثْنَان... وَاحِد... اشْتِعَاااااالْ... إِقْلاَااااعْ.
انْطَلَقَ المَكُّوكُ, مُخَلِّفاً وَرَاءَهُ سَحَابَةً ضَخْمَةً وَكَثِيفَةً مِنَ الدُّخَّانِ, وَكَأنهُ بُرْكَانٌ هَائِجٌ.
رأى الأمِيرُ سُلْطَان بن سلمان بِاندِهَاشٍ كَبِيرٍ كَيفَ اسْتَطاعَ عُلمَاءُ «نَاسَا» أن يحولوا دَاخِلَ المَركَبَةِ لِمَنزِلٍ وَمُخْتَبَرٍ عِلمِيٍّ كَبِيرٍ, فَرَأَى الأَرضَ بِشَكلِهَا البَيْضَوِيِّ وَهِيَ تَسْبَحُ فِي الفَضَاءِ الأَسْوَدِ الحَالِكِ عَبْرَ نَوافِذِ المَكُّوكِ.
وَبَعْدَ رِحْلَةٍ مَكُّوكِيَةٍ دَامَت سَبعَةَ أَيَّامٍ, عَادَ الأَمِيرُ سُلْطَان إلى سَطحِ الأَرْضِ ليَجِدَ أمَامَهُ حُشُوداً بَشَرِيَّةً تَسْتقْبِلُهُ, واعْتَبَرَ الأَمِيرُ أَنَّ الاِحْتفَالَ لاَ يَخُصُّهُ هُوَ, بَل هُوَ احْتِفَالٌ بِالأُمَّةِ العَربِيَّةِ جَمْعَاءَ, خُصُوصاً بَعْدَ نَجَاحِهِ فِي إِطلاَقِ القَمَرِ الاِصْطِنَاعِي العَرَبِي «عَرَبْسَات».
وَنَظراً لِشَجاعَتِهِ, حَصَلَ الأَميرُ سُلطَان عَلىَ العَدِيدِ مِنَ الأَوسِمَةِ وَالجَوائِزِ والشَّهَادَاتِ التَّقدِيرِيَةِ فِي عَدد مِنَ الدُّوَلِ العَربِيَّة مِن بَيْنِهَا نُوطْ الجَدَارَة مِنَ الدَّرجَةِ الأُولىَ بِالكُويْتِ سَنَةَ 1987م.