متحَفُ الطّاقةِ في إسطنبول
الطّاقةُ الكهربائيةُ, أيها الأصدقاءُ الأعزاء, من النِّعمِ الجليلةِ التي مكنَّت الإنسانَ من تيسير حياته اليومية, سواء في استخدامات التبريدِ أو التدفئةِ أو الإنارةِ, وغيرها كثير من الاستخداماتِ التي لا غنى عنها, وهي من الصناعات التي مرَّت عبر تاريخها في تطورات وصلت إلى مراحلَ متقدمةً في العقودِ الأخيرةِ من الألفيةِ السابقة.
ولكي نطلِعَكُم على جانبٍ من تاريخِ صناعةِ توليدِ الكهرباء, شدّت «العربي الصغير» الرحالَ إلى بلادِ التّركِ برفقةِ بعضِ الأصدقاءِ الصغارِ لزيارةِ إحدى محطّاتِ توليدِ الكهرباءِ التاريخيةِ في مدينةِ إسطنبول. المحطّةُ التي تُدعى محطة (سلاحتار آغا) قَدْ تحولَت إلى متحفٍ يكشفُ أسرارَ صناعةِ الكهرباء. ذهبنا في الصباحِ الباكرِ إلى خليجِ القرنِ الذهبي الذي يقعُ المتحفُ بمحاذاته, ولا نخفيكم أننا قَدْ تهنا قليلاً في البحثِ عن المتحفِ مع أننا كنّا نراوحُ حولَه, والسببُ يعودُ إلى أن المتحفَ يقعُ الآن في الحرمِ الجامعي لجامعةِ (إسطنبول بلجي).
كان الحرمُ الجامعي صاخباً بأصواتِ الطلابِ, أسرعنا الخطى إلى بوابةِ دخول الجامعة, كانت مباني الجامعة جميلةً, وقد مُنحت محطةُ الكهرباء هذه إلى جامعةِ (بلجي) التي عملَت على تطويرها وتجهيزها بما يلزمْ لتكونَ مفتوحةً للزائرين. ولا يتطلَّبُ الدخول إلى مرافقِ المحطةِ بما فيها المتحف أيةَ رسوم إضافية, فقط يتم تسليم إثبات رسمي لبوابة الدخول, ويتم استرجاعه حال الانتهاء من الجولة.
تحوّلت محطّةُ توليدِ الكهرباء منذ عام ٢٠٠٧ إلى مركزٍ ثقافي في خدمةِ الثقافة والفنون, إذ يضمُّ إلى جانبِ متحفِ الطّاقة, مكتبةً عامة ومسرحاً وقاعةً للحفلات الموسيقية, كما يقومُ بتنظيمِ العديدِ من الأنشطةِ الثقافيةِ والفنيّة.
يعودُ تاريخُ المحطةِ إلى بدايات القرنِ الماضي حيثُ بدأت عملها عام ١٩١٤, لتكون بذلك أول محطةِ توليدِ كهرباء في الدولةِ العثمانية السالفة, وكانت محطةُ (سلاحتار آغا) تعملُ على الفحمِ, غير أنها توقفت عن العملِ في العام ١٩٨٣ لعدم جدوى الإنتاجيةِ في ظلِّ ما شهدته التقانةُ الحديثة من تقدّم.
سألنا عن مبنى المتحفِ فدلّنا الطلابُ عليه, دخلنا إلى المتحفِ, المحطة الكهربائية سابقاً, فوجدنا في الطابقِ الأرضي منه صالةَ الألعابِ التعليمية, وتضمُّ مجموعةً من الألعابِ التفاعليةِ ذات الأغراضِ التعليميةِ حول أساسيات إنتاجِ الطّاقةِ الكهربائية, بإمكان الزائر الضغط على الأزرارِ وإدارةِ المقابض الخاصة بتلك الألعاب المختلفة لاستكشاف أسرار الطاقة, هنا تتحقّق متعةُ اللعبِ مع فائدةِ العلمِ, إذ تحتوي منطقةُ الألعابِ هذه على ٢٢ وحدةً تفاعليةً, تعلو كل واحدةٍ منها لوحةُ الإرشاداتِ, لتوضيحِ كيفية استخدامها والغايةِ التعليمية منها. يمكن للأطفال تجربة اللعب بمطلق الحرية مستمتعين بتوليدِ الطاقةِ الكهربائية وصناعةِ البطاريات واللعبِ مع المجالِ المغناطيسي. والأهم التعلّم من الآلات المعروضة التي تنمّي روحَ الاستكشافِ لدى أصدقائنا الأطفال, كما يُعَدُّ المتحفُ مقصداً للرحلاتِ المدرسيةِ التي تنظّمُها المدارسُ في مختلفِ أنحاء الجمهوريةِ التركية, وهي مفتوحةُ للأطفالِ السيّاحِ من كُلِّ البلدان.
وبعد أن انتهينا من اللعب, آثرنا الصعودَ إلى صالةِ المحركاتِ عبرَ السلّمِ الحديدي, مع وجودِ مصعدِ كهربائي كان في الأساسِ يُستخدَمُ لنقلِ الفحمِ بين طوابقِ المحطةِ الثلاثة, تحتوي الصالةُ على المعداتِ الأصليةِ التي كانتْ تعملُ في المحطةِ حيثُ يتمُّ عرضها للزوارِ, وتنقسمُ إلى ثلاثِ مجموعاتِ, فأما المجموعةُ الأولى فهي مجموعةُ التوربينات البخاريةِ وأما المجموعةُ الثانيةُ فمجموعة المولّداتِ الكهربائية, أما المجموعةُ الثالثةُ فتحتوي على معدّاتٍ أخرى لمحطةِ (سلاحتار آغا), والتي ماتزالُ تحافظُ على حالتها الأصلية.
واصلنا صعودَ السلّمِ إلى منصّةِ المتحفِ المعلّقةِ على ارتفاعِ ١٢ متر, حيثُ توفّرُ إطلالةً على القاعةِ الكبيرةِ بما تحتويه من آلاتٍ ومعداتٍ وأجهزةٍ مختلفةٍ, وتوصلُ المنصّةُ إلى غرفةِ التحكّمِ في الطابقِ العلوي التي حافظتْ على الشكلِ الأصلي لها, وكانتْ هذه الغرفةُ تمدُّ وتوزّعُ الكهرباءَ في مناطقَ مختلفةٍ من إسطنبول.
الجديرُ بالذكرِ أن هذا المتحفَ هو أولُ متحفٍ للآثارِ الصناعيةِ في إسطنبول, وَقَدْ حصلَ على جائزةِ أكاديميةِ المتاحفِ الأوربية.
أنهكنا التعبُ والمرحُ فرجعنا إلى مدخلِ المتحفِ لنستريحَ قليلاً في المقهى الأنيقِ الذي يقدمُ المشروباتِ الباردةَ والمنعشة, إلى جانبِ بيعِ التحفِ التذكاريةِ للمحطة.