أصغر صانعة نسيج في العالم تحلم بدخول موسوعة الأرقام القياسيّة

أصغر صانعة نسيج في العالم تحلم بدخول موسوعة الأرقام القياسيّة

وكأنّما‭ ‬وُلِدت‭ ‬معها‭ ‬الموهبة‭, ‬ونما‭ ‬معها‭ ‬الإصرار‭ ‬كلّما‭ ‬كبرت‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى‭, ‬وتشّربت‭ ‬العزيمة‭ ‬مع‭ ‬كلِّ‭ ‬وجبة‭ ‬طعام‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭,  ‬وأنبتت‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬جميعها‭ ‬حلماً‭ ‬جميلاً‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬خيالها‭ ‬الصغير‭, ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬ضمن‭ ‬موسوعة‭ ‬جينس‭ ‬للأرقام‭ ‬القياسية‭.‬

المُتابع‭ ‬للطفلة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نداء‭ ‬عدوان‭, ‬وهي‭ ‬تنشغل‭ ‬في‭ ‬تشبيك‭ ‬خيوط‭ ‬الصوف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬النَّوْل‭ ‬القديمة‭,‬‭ ‬يلمح‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الجسد‭ ‬لديها‭ ‬أنها‭ ‬تمارس‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بحبٍّ‭ ‬وشغفِ‭ ‬كبيرين‭, ‬ويُخَيّل‭ ‬إليه‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تنسج‭, ‬وإنّما‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬قيثارة‭ ‬وَتَرِيَّه‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬القديم‭.‬

حبُّ‭ ‬الفولكلور‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بدعة‭ ‬لدى‭ ‬نداء‭, ‬وإنّما‭ ‬تعرَّفت‭ ‬عليه‭ ‬وأحبّته‭ ‬وتعلّقت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬والدها‭, ‬راقص‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبيّة‭ ‬محمد‭ ‬عدوان‭, ‬الذي‭ ‬زرع‭ ‬فيها‭ ‬حبَّ‭ ‬الوطن‭, ‬وعشقَ‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬ثقافته‭ ‬وفنّه‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭.‬

فقط‭ ‬عمرها‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭, ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬لتتعلَّم‭ ‬مهارة‭ ‬نسيج‭ ‬الصوف‭ ‬على‭ ‬النَّوْل‭ ‬التراثي‭. ‬مهارة‭ ‬علّمها‭ ‬لها‭ ‬والدها‭,‬‭ ‬ولكنّها‭ ‬أثبتت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬موهبتها‭ ‬فيها‭, ‬ونمَّت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الساعات‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬تمضيها‭ ‬خلف‭ ‬النَّوْل‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬أغراضها‭ ‬الشخصيّة‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭.‬

وعن‭ ‬بداية‭ ‬تعلّمها‭ ‬يقول‭ ‬والدها‭: ‬‮«‬‭ ‬منذ‭ ‬كانت‭ ‬نداء‭ ‬بعمر‭ ‬الثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬عليها‭ ‬دقّه‭ ‬ملاحظتها‭ ‬لي‭ ‬ولأخويها‭ ‬ونحن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬النَّوْل‭ , ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬أبدت‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭, ‬كنت‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬صغيرة‭, ‬فأعطيتها‭ ‬فكرة‭ ‬عامة‭ ,‬‭ ‬لكنّها‭ ‬وبعد‭ ‬مغادرتنا‭ ‬بدأت‭ ‬محاولاتها‭, ‬وعندما‭ ‬عدنا‭ ‬دهشنا‭ ‬جميعاً‭ ‬ممّا‭ ‬قامت‭ ‬بإنجازه‭, ‬فقد‭ ‬فاجأتنا‭ ‬بسرعة‭ ‬تعلّمها‭ ‬وإتقانها‭ ‬الشديد‭ ‬لنسج‭ ‬خيوط‭ ‬الصوف‮»‬‭.‬

في‭ ‬منزلها‭ ‬بِحَيّ‭ ‬تل‭ ‬السلطان‭, ‬بمدينة‭ ‬رفح‭, ‬أقصى‭ ‬جنوب‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭, ‬وبجانب‭ ‬أخويها‭ ‬إيهاب‭ ‬11‭ ‬عاماً‭ ‬وكمال‭ ‬9‭ ‬أعوام‭ ‬تعمل‭ ‬نداء‭ ‬بالنسيج‭, ‬وقد‭ ‬تعلّمت‭ ‬منهما‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬والأسرار‭, ‬واستطاعت‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬عرفوه‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭, ‬وهما‭ ‬لا‭ ‬يتركان‭ ‬فرصة‭ ‬لتعليمها‭ ‬شيئاً‭ ‬جديداً‭ ‬إلا‭ ‬وقدموه‭ ‬لها‭, ‬كما‭ ‬يقومان‭ ‬بقصّ‭ ‬عقد‭ ‬الصوف‭ ‬عنها‭ ‬لأنها‭ ‬تحتاج‭ ‬لبعض‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬الصغيرة‭ ‬تفتقدها‭ , ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬تعبيرهما‭.‬

نداء‭ ‬الصغيرة‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تعي‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرها‭ ‬بدقه‭, ‬ولكن‭ ‬منتجاتها‭ ‬من‭ ‬الصوف‭ ‬المُحاك‭ ‬تتحدّث‭ ‬كثيراً‭ ‬عنها‭, ‬وعن‭ ‬حبّها‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭, ‬وتحوّله‭ ‬من‭ ‬هواية‭ ‬تمارسها‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬شغفها‭ ‬الخاص‭, ‬فهي‭ ‬تمضي‭ ‬وقتاً‭ ‬أطول‭ ‬مما‭ ‬يمضيه‭ ‬أخواها‭ ‬أو‭ ‬والدها‭, ‬الذين‭ ‬يقضون‭ ‬بقية‭ ‬وقتهم‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬فنون‭ ‬الدبكة‭ ‬الشعبية‭.‬

وتُعْتَبَر‭ ‬آلة‭ ‬النول‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬الأدوات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تُسْتَخْدَم‭ ‬في‭ ‬النسيج‭, ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬ملابس‭ ‬وأغطية‭, ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬بشكل‭ ‬مستطيل‭ ‬أو‭ ‬مربع‭ ‬تثبَّت‭ ‬المسامير‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬الأربع‭, ‬لتثبيت‭ ‬خيوط‭ ‬السداة‭ ‬فيها‭, ‬بحيث‭ ‬يبعد‭ ‬كلٌّ‭ ‬منهما‭ ‬2‭ ‬سم‭ ‬عن‭ ‬بعضه‭ ‬الآخر‭.‬

أشكال‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الجمال‭, ‬تبرز‭ ‬فيها‭ ‬الطفلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬ذوقاً‭ ‬رفيعاً‭,‬‭ ‬واختياراً‭ ‬دقيقاً‭ ‬للألوان‭, ‬لتخرج‭ ‬بمفروشات‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الروعة‭,‬‭ ‬مكّنتها‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬محليّة‭ ‬كمهرجان‭ ‬الجذور‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬للتراث‭ ‬الشعبي‭, ‬الذي‭ ‬نظّمته‭ ‬جمعيّة‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬الحرّ‭ ‬بمدينة‭ ‬خان‭ ‬يونس‭ ‬وسط‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

وباتت‭ ‬الطفلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬شغوفة‭ ‬جداً‭ ‬بفكرة‭ ‬دخولها‭ ‬موسوعة‭ ‬الأرقام‭ ‬القياسيّة‭ ‬‮«‬جينس‭ ‬‮«‬‭,‬باعتبارها‭ ‬أصغر‭ ‬صانعة‭ ‬نسيج‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬النَّوْل‭.‬

عدوان‭ ‬وعائلته‭, ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬للحفاظ‭ ‬عل‭ ‬التراث‭ ‬الشعبيّ‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬من‭ ‬الاندثار‭,‬‭ ‬فعمله‭ ‬في‭ ‬مهنه‭ ‬النسيج‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬له‭ ‬ولعائلته‭ ‬بعدما‭ ‬أُغلِقت‭ ‬كلّ‭ ‬الأبواب‭ ‬في‭ ‬طريقه‭, ‬لم‭ ‬تُثْنِه‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬هوايته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬رقصة‭ ‬الدبكة‭ ‬الشعبيّة‭, ‬والتي‭ ‬علّمها‭ ‬أيضاً‭ ‬لأبنائه‭, ‬ولم‭ ‬يمنعه‭ ‬ضيق‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المهرجانات‭ ‬والفعّاليّات‭ ‬الوطنيّة‭ ‬والشعبيّة‭ ‬والمعارض‭ ‬التراثيّة‭, ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صُلْب‭ ‬مهامّه‭ ‬كمواطن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يرسّخ‭ ‬تاريخ‭ ‬شعبه‭ ‬عبر‭ ‬عمله‭ ‬وهوايته‭ ‬معاً‭.‬