ما سرّ هدوء هادي؟
مَنْ كسر زجاج النافذة؟.. مَنْ دقّ جرس الباب وولّى هارباً؟.. مَنْ رسم على الجدران بالألوان هكذا؟مَنْ يُثير كلّ هذه الضوضاء في البناية؟كثيراً ما تسمع هذه الأسئلة تتردّد على ألسنة سكّان البناية التي يسكن فيها هادي, فهو الإجابة على كلّ ما سبق من الأسئلة وما سيأتي. كان دائماً وأبداً يثير المضايقات والضّوضاء والعبث في كلّ مكان يَحِلّ به, المدرسة, البيت, البناية التي يسكن فيها, مدرسته, بيوت أقاربه الذين يزورهم. اسمه هادي ولكنّه عدوّ الهدوء, فَبِسببه تنهال على أبيه كثير من الشكاوى من الجيران والأقارب ومن معلّمي مدرسته, وفي كلّ مرّة يردّ عليهم بأنه سيردعه عمّا يفعل. لقد حاول أبوه تقويمه بشتّى الوسائل الممكنة, حتى يكون اسمه مطابقاً لسلوكه... لكنه فشل.
وفجأة وعلى غير العادة, أقلع هادي عما كان يفعله. ظنّ الجميع أنه توقّف ليوم واحد أو يومين وبعدها سيعود إلى سابق عهده, ولكنّ الغريب أن الأمر استمر شهوراً. بل والأدهى من ذلك, أن بيته لم يعد كما في الماضي ملاذاً لضوضائه, وكذلك البناية. ما أثار تساؤل الجميع, الجيران و الأقارب والأصدقاء وزملاء الصف ومعلّميه, قائلين في دهشة: ما السرّ وراء تغيّر طباع هادي وهدوئه? هذا الهدوء الذي أصبح لغزاً حيّر الجميع. لقد ملّ أبو هادي من هذه التساؤلات التي توجّه إليه.
وفي يوم جاء إلى أبي هادي أحدُ أقاربه ليسأله, كيف استطاع أن يغيّر من سلوك هادي, حتى يستفيد منه في تقويم سلوك ابنه الذي لايختلف سلوكه عمّا كان عليه هادي. ابتسم أبو هادي قائلاً لقريبه: الجواب بسيط وليس صعباً, ابحث بداخل ابنك عما يحبّ, وحاولْ أن تنميَه ليشغل أوقات فراغه بشيء مفيد يعود بالنفع عليه وعلى مجتمعه.
قال القريب: ماذا تعني بقولك ابحث بداخل ابنك عما يحبّ؟
أجابه أبو هادي: أعني الهواية.
سأله القريب: وكيف أكتشف هواية ابني؟
أجابه أبو هادي: حاول أن تتقرّب إليه, لتلاحظ الشيء الذي يداوم على ممارسته.
سأله القريب: وكيف اكتشفت أنت هواية ابنك؟
أجابه أبو هادي: ستتعجّب إن قلت لك إنني اكتشفت هواية ابني من خلال معلّمي مدرسته, وشكاوى الجيران التي كانت معظمها تتركّز في أن هادي لم يترك أي حائط في مدرسته أوفي البناية التي نسكن فيها إلا وشوّهه برسوماته وألوانه, لقد مارست معه جميع أنواع العقاب, كالتوبيخ والتأنيب والحرمان من المصروف اليومي ومن الخروج إلى الشارع, وجميعها باءت بالفشل الذريع, إلى أن طرأت على ذهني فكرة : لما لا أوجّه حبّه للرسم على الجدران إلى ما ينفعه ويخدم به الآخرين ويشغله عن مضايقتهم ?. أحضرت لابني ألواناً ودفاتر رسم وكتباً تناسب سنّه ; تعلّمه كيفية تناسق الألوان ورسم المناظر الطبيعة , وسرعان ما أتقن ابني هادي الرسم, وتطوّر الأمر معه حتى تعلّم الرسم على الزجاج, والأجمل أنه أتقنه متّخِذاً إياه وسيلة لتقضية أوقات فراغه, ثمّ تحوّلت الوسيلة بعد ذلك إلى غاية, فأصبح يبيع إنتاجه من الرسم على الزجاج, ويشترك به في المعارض والمسابقات, حاصداً من وراء ذلك المال والجوائز وثناء الجميع. تعال معي إلى غرفته لأريك رسومات هادي التي جعلته اسماً على مسمّى.
شاهد القريب رسومات هادي بإعجاب شديد قائلاً لأبيه : إذن هذا هو السرّ وراء هدوء هادي!. عليَّ أنا أيضاً أن أبحث بداخل ابني عما يحبّ, حتى يتحوّل هدوؤه هو الآخر إلى سر.