تصوير الماكرو
كانت بداياتي مع التصوير الرقمي بكاميرا تصوير صغيرة وغير احترافية, لكنها منحتني متعة لا توصف.
فقد كنت أنتظر ظهور الخيوط الأولى للنهار كي أنطلق للطبيعة خارج مدينتي الصغيرة - مدينة ابنسليمان - لأكتشف عالماً عجيباً وشائقاً عبر التصوير القريب أو (الماكرو).
كنت أقترب من النباتات وأحدّق ببصري إلى الأرض فأكتشف عالماً يعجّ بالحركة. أمّة من الكائنات الصغيرة تتحرك في هدوء وتعمل في صمت.
كنت مُعجَباً بهذا العالم الصغير. فراشات تزهو بألوانها, عناكب تنسج خيوطا بدقّة وتناسق هندسي متقن, ونحل يرتشف رحيق الأزهار لا يكلّ ولا يملّ, فأسارع إلى توجيه آلة التصوير الصغيرة نحوها ألتقط لها صوراً, وأتفنّن في إبراز جزئياتها, أحبس أنفاسي, وأقاوم اهتزاز يدي أثناء الضغط على الزر.
ولحسن الحظ فقد كنت أملك آنذاك- سنة 2006- آلة تصوير لديها وضع تصوير(الماكرو) جيدا, رغم أنها غير احترافية!
أمّا عندما أعود إلى المنزل لأرى الصور التي التقطتها على شاشة الحاسوب, فغالباً ما أُفاجَأ بأشياء جديدة لم أرَها أثناء التقاطي الصورة في الطبيعة, أكتشف تفاصيل غريبة وألواناً عجيبة وحشرات دخلت إطار الصورة دون أن أنتبه, فتبدأ مخيّلتي تنسج قصصاً وأحداثاً شائقة, فأدخل في حالة من الشرود وأتخيّل نفسي وقد صرت صغيراً في حجم هته الكائنات, أطوف في عالمها, وأقتحم بيوتها, وفي لحظة أنسج في خيالي فيلماً سينمائياً أكون أنا فيه المخرج والمصوّر والممثّل و... والمتفرّج الوحيد! لقد عشت ولا أزال طفولة ثانية بفضل هذه التجربة.
يحظى التصوير القريب أو (الماكرو) باهتمام المصوّرين المحترفين, وتخصّص له المجلات المتخصّصة حيّزاً مهماً في صفحاتها, بل ويدخل هذا الوضع كميزة يذكرها صنّاع آلة التصوير الفوتوغرافية ضمن إشهارهم لها. هذا بالنسبة لآلات التصوير العادية. أما الاحترافية فالأمر مختلف, فالعدسة التي تركّب في مقدمة آلة التصوير هي من يحدد جودة ودقة الصورة, وما إذا كان وضع (الماكرو) الاحترافي ممكناً. إذ لا يعتبر أصحاب الاختصاص كلّ الصور المقرّبة بأنها (ماكرو), إلا إذا كانت نسبة التكبير 1/1 فما فوق: أي أن يكون قياس صورة الشيء على الحسّاس الرقمي نفس قياس الشيء في الواقع أو أكثر. والمراد بهذا هو أن تكون الصورة مقرّبَة جداً جداً! وسأعزّز شرحي بالصور لاحقاً.
عزيزي القارئ.. لقد علّمني تصوير (الماكرو) أن أنتبه أين أضع قدمي, وأن أنحني إلى الأرض تواضعاً تارة, واحتراماً طوراً, لأكتشف عالم النباتات والحشرات, أتعلّم منها دروساً في الجدّ والاجتهاد والاستقامة والانضباط.
تصوير (الماكرو) هو تصوير الأشياء الصغيرة عن قرب, كالحشرات والنباتات والحليّ.
بل وحتى الأشياء التي تبدو تافهة, كالمسامير الصدئة وبنية الخشب القديم. ويهدف إلى كشف الجوانب الجميلة في هته المواضيع وإبراز ما لا نراه بالعين المجردة.