عباقرة صغار
أطفال ويافعون بعِمر الزهور، فاقوا أقرانهم، وسبقوا زمانهم. تميّزوا بحدّة النظر، وعمق الإدراك. وبقدراتهم الخلّاقة، الخارقة للعادة، كان لهم مع النبوغ حكاية.
أنجوس لاتيمر ... أصغر عالِم تحنيط في العالم
أعتقد أن التحنيط أمر رائع حقًا! ففي حين لا تستطيع أن تفعل شيئًا من أجل حيوان ميت، يمكنك بالتحنيط أن تحوّله من لا شيء إلى شيء يمكنك أن تفتخر بصنعه.
أنجوس لاتيمر، طفل بريطاني يُعتبر أصغر عالِم تحنيط في العالَم، أحبّ الطبيعة ودفعه فضوله لاكتشاف ما فيها من كائنات حيّة. أما هوايته فهي حقًا مثيرة للاهتمام... التحنيط! نعم تحنيط جسد الحيوان بعد موته. يبلغ أنجوس من العمر (11) عامًا فقط، لكنّ قصة ولعه بالتحنيط تعود لزمن بعيد بالنسبة لِعمره الفتيّ!
نبوغ مبكر
لم يكن أنجوس طفلًا عاديًا, فقد كانت ميوله وأسئلته الكثيرة والدقيقة تنبئ عن نبوغه, فالطفل ابن الثالثة هو الوحيد من بين إخوته الذي يكثر من التردّد على ورشة أمه التي تعمل في مجال التحنيط*, ليراقب عملها باهتمام شديد, ويلقي عليها السؤال تلو الآخر, والأم تروي غليله بإجابات بسيطة تلائم عمره. وفيما كان أخوته منغمسين بممارسة هوايتهم في ملعب كرة القدم, كان الصغير يجد متعته في زيارة المتاحف برفقة والدته, كان يسرح بخياله فيحلم أنه يباشر عمله بالتحنيط, إلا أن حلمه لم يطلْ, إذ لم يكد يبلغ سنّ الخامسة حتى تمكن من تحنيط غراب بمساعدة والدته!
أتقن أنجوس القراءة, وبالاستعانة بمحركات البحث عبر الإنترنت, قرأ بعمق عن كل ما يمتّ للتحنيط بِصلة, قرأ عن كيفيته, وأدواته, وعلاقته بِعِلم التشريح. كما قرأ عن تاريخ هذا العلم, وعن المصريين القدماء الذين كانوا من أوائل الشعوب الذين قاموا بتحنيط ملوكهم الفراعنة.
هواية مثيرة!
حين بلغ الطفل سنّ السابعة, انتقل من هواية جمع الذباب والخنافس والحشرات, إلى إعادة ترميم العظام والهياكل, وأوّل هيكل عظمي قام بتجميعه على قطعة من الورق, كان لِقنفذ عثر على بقاياه في فناء المدرسة. ثم راح يلتقط ما يصادفه من حيوانات نافقة, وأوّل حيوان حمله معه إلى المنزل كان ثعلبًا ميتًا. لم يكن الصغير يخشى أن تتسخ يديه, فهو يحب العمل بنفسه, ويجد في ذلك متعة لا تعادلها متعة.
لقد أدرك بفطرته البسيطة أهمية التحنيط في حفظ أجساد الحيوانات التي يألفها الأطفال ويتألمون لفقدانها. ووجد في التحنيط ما يحافظ على هيئتها وهيكلها, ويبقيها بينهم لفترة طويلة. إلا أنه اكتشف مع تقدّم سِنِيّ عمره أهمية أخرى للتحنيط, سواء أكانت طبية أو تزيينيه.
الصغير المحترف
لدى أنجوس مجموعة كبيرة من الحيوانات الأليفة, وما لا يقل عن (75) مجموعة من الحيوانات المحنّطة, من مثل: الصقور والسناجب والأرانب والضفادع وغيرها, وهي من الإتقان بحيث تبدو لمن يراها كأنها حيّة, يحتفظ بها في غرفته الخاصة داخل أدراج من خشب الماهوجني*, مثلما تحفظها المتاحف, وهو يسعى لتحنيط حيوانات أكبر حجمًا. أما أشدّ المعجبين بعمله فهي والدته التي يستهويها رؤية الحيوانات المحنطة من خلال عيون طفل, وبأنامله.
أحلام ومستقبل واعد
يُطلق الجميع على أنجوس لقب (ديفيد أتينبورو الصغير), تيمّنًا بقدوته ديفيد, عالِم الطبيعة الشهير, وهو عازم على إنشاء قناته الخاصة على اليوتيوب, ليتمكن من الحديث عن حيواناته الأليفة.
واللطيف في الأمر أن الصغير يتمتّع بذوق راقٍ في اختيار ملابسه, فهو يحرص على انتقائها بنفسه, بألوان زاهية متناسقة, كتناسق ألوان الطبيعة التي تستهويه!
أنا ملتزم بما أفعله، وأعلم أنني بحاجة إلى دراسة الفنّ والعلوم من أجل القيام بذلك على أكمل وجه...
هدفي أن أصبح عالِمًا في عِلم الحشرات.
* التحنيط: هو عملية تعقيم وحفظ الجثة بعد الوفاة, بالاعتماد على عِلم التشريح, لتحافظ على مظهرها, باستخدام موادّ كيميائية تحميها من العفن والبلى, والتحنيط علم قديم, يعود لآلاف السنين قبل الميلاد, وتوجد متاحف الحيوانات المحنّطة في الكثير من دول العالم.
* خشب الماهونجي: واحد من أجوَد الأخشاب الباهظة الثمن, يمتاز بمتانته ومقاومته للرطوبة, والعفن, ويمكن لشجرته أن تنمو حتى (50) مترًا.