عندما أسرعت العقارب

عندما أسرعت العقارب

تتوسّل نهال إلى عقرب الساعات، تحدّثه بهمس يلائم حركته: أرجوك تحرّك بسرعة، أودّ أن أكون بالرحلة الآن.
عقرب الساعات منزعج: لا، لا أستطيع، هذا خطر.
انفجرت نهال بالبكاء بعد أن رفض العقرب الإسراع ولو لِمرّة واحدة. 
عقرب الساعات: لا تبكي يا نهال، أنا عقرب ضخم لا أستطيع أن أسرع، حاولي مع عقرب الثواني، إنه أصغرنا وقد يستطيع تنفيذ طلبك، لأنه خفيف ونشيط، ويمكنه أن يسرع، بهذا سيجبر عقرب الدقائق على التحرّك أسرع، و الأخير سيعاونني لأتحرّك بسرعة أيضًا.
توجّهت نهال إلى عقرب الثواني، وقالت: أرجوك، تحرّك أسرع، لديّ مخطّطاتي للرحلة الجميلة.
عقرب الثواني: هذا أمر غير ممكن، هيا اشغلي وقتك بأشياء مفيدة، كالمطالعة والقراءة، ودعي التفكير بموعد الرحلة، فإنه سيأتي لامحالة.
نهال: لا أستطيع أن أفعل شيئًا آخر.
عقرب الثواني: وكذلك أنا لا أستطيع فعل ما تريدينه، لو أسرعت سيبدو شكلي مضحكًا.
نهال: لسرعتك فائدة لك ولي، أسرع لأجل نفسك، فسرعة الفعل مثمرة، و بها إنجاز أكبر.
عقرب الثواني: وما الجدوى من السرعة بلا دقّة؟ نحن عقارب الساعة قد تسبّب سرعتنا إخلالًا في الزمن الذي سيربك مواعيد إنجاز الأعمال.  
نهال: لا تقلق، إنها بضع ساعات، ولن يشعر أحد. ثِقْ بي.
عقرب الثواني: ماذا تقولين؟ كيف لن يشعر أحد بذلك؟! لعلّك لا تدركين خطورة التسبّب بإفساد إدارة وتنظيم الوقت، فلكل لحظة زمنية أهمية لدى مُنتظرها، فإن خصّص تلميذ ساعة استذكار، ومرّت كربع ساعة، فسيفوّت الكثير من المعلومات. وإن انقضت المدّة المخصّصة لِمنح الماء للنباتات بِلمح البصر، لَعطشت وجفّت. وإن فقد الطبيب الوقت المحدّد الكافي لإجراء عملية خطيرة، فقد يخسر المريض حقّه بالعلاج المناسب والعافية. وإن مرّ وقت العمل الرسمي بالدوائر الحكومية بِسرعة لخسرت البلدان الكثير من الإنجازات. 
نهال مصرّة على طلبها: حسنًا، تحرّك سريعًا حتى تأتي السادسة مساءً، وبعدها نم طويلاً.
أجابها عقرب الثواني وهو مستاء: عقارب الساعة لا تعرف النوم!
شعرت نهال باليأس من إمكانية استجابة عقرب الثواني لِطلبها، وفكّرت قليلاً، ثم قامت بِتحريك عقرب الساعات بقوّة يدَيها، فصرخ عقرب الساعات بوجهها، وقال: أبعدي يدك عنّي، دعيني أقُمْ بعملي. هيّا انصرفي واشغلي نفسك بأمر مفيد. 
تراجعت نهال وتخوّفت لِلحظات، وقالت: لقد أخفتني! لماذا أنت عنيد؟ لم أطلب منك سوى الإسراع قليلاً!
عقرب الساعات: نهال، هناك أمور لا يمكن التنازل عنها، كيف أتحرّك رغمًا عني؟ كيف أغيّر الوقت لِرغبة شخص واحد؟ كيف...؟!
اعتذرت منه نهال ليصمت بعدما أحسّت بخوفه، وتساءلت في نفسها: لماذا يقول ذلك، وأنا مَن يضع البطّارية الصغيرة كل ثلاثة أشهر، وأضبط وقته لِيتحرّك؟!
فقامت بتكرار فعلتها، وحرّكت العقرب بِقوّة هذه المرّة، فما كان منه إلا أن يتوسّل، ويطلب منها التوقّف، ويذكّرها بالفوضى الذي ستدبّ طوال اليوم. لم تهتم نهال، وشرعت تدفع العقرب، وحرّكته كيفما أرادت، لا كيفما أراد. 
هكذا جاء موعد الرحلة فجأة، وركبت الباص، لكنها وجدته شبه فارغ، فلم يتمكّن كل التلاميذ من اللحاق بالباص، أما السائق فقد كان مضطربًا، وتسبّب بحوادث مرورية جرّاء سوء تقدير الوقت اللازم لِسرعة السيّارة. وحين دخلت إلى حديقة الحيوان، لم تجد الحيوانات بحيويّتها ونشاطها، فعلمت بأن وقت النوم لم يكفِهم، وهم يشعرون بالخمول. والحرّاس أيضًا، أخطؤوا بمواعيد طعام الحيوانات. كانت الحديقة كئيبة! 
وهنا أدركت نهال فداحة تغيير الوقت واللعب بِعقارب الساعة، وما إن عادت من رحلتها حتى أقبلت على العقارب واعتذرت منها، فقالت العقارب لها: سنخبرك بِمقولتَين من آلاف المقولات التي أسعدتنا وحفظناها. الأولى للكاتب وليم شكسبير الذي يرى أنه (في الانتظار، ستعلم لماذا سمّيت عقارب الساعة بالعقارب). أما الثانية فهي للشاعر أحمد شوقي، ويقول:
 دقات قلب المرء قائلة له              إن الحياة دقائق وثواني
وما إن سمعت نهال ذلك حتى تركتهم، وراحت تركض وهي تقول لهم: سأغتنم كل ساعة ودقيقة وثانية بالقراءة والتعلّم، لا وقت لديّ لِأضيّعه... شكرًا لكم.