لغتي العربية.. لغتي الأم

لغتي العربية.. لغتي الأم

‭ (‬أعزّاءنا‭ ‬المستمعين،‭ ‬تحتفل‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬اليوم‭ ‬الموافق‭ ‬21‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2018،‭ ‬وفي‭ ‬مقرّها‭ ‬الكائن‭ ‬بباريس،‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للّغة‭ ‬الأم،‭ ‬وقد‭ ‬نظّمت‭ ‬الأنشطة‭ ...)‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬مذيع‭ ‬إحدى‭ ‬الإذاعات‭ ‬العالميّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬والدي‭ ‬ينصت‭ ‬لها‭ ‬جيّداً‭ ‬في‭ ‬السيّارة،‭ ‬أثناء‭ ‬عودتنا‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬حاجات‭ ‬المنزل،‭ ‬فقلت‭ ‬لأبي‭: ‬أريد‭ ‬الاحتفال‭ ‬مع‭ ‬اليونسكو‭ ‬باللغة‭ ‬الأم؟‭ ‬

ضحك‭ ‬أبي‭ ‬وقال‭: ‬وهل‭ ‬تعرفين‭ ‬لغتك‭ ‬الأم؟‭ ‬

قلت‭ ‬له‭: ‬أعرف‭ ‬أمّي،‭ ‬وأم‭ ‬أمّي،‭ ‬وأم‭ ‬أبّي،‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬لغتي‭ ‬الأم؟‭ ‬

ابتسم‭ ‬أبي،‭ ‬ثم‭ ‬أطفأ‭ ‬مذياع‭ ‬السيّارة،‭ ‬وقال‭: ‬ابنتي،‭ ‬إنّ‭ ‬اللغة‭ ‬الأمّ‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتحدّث‭ ‬بها‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬مجتمعه،‭ ‬لغته‭ ‬الأصيلة،‭ ‬فمثلاً‭ ‬اللغة‭ ‬الأمّ‭ ‬لجارتنا‭ ‬الهنديّة‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الهنديّة،‭ ‬واللغة‭ ‬الأم‭ ‬لصديقتك‭ ‬إيفا‭ ‬البريطانية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزيّة،‭ ‬رغم‭ ‬أنهما‭ ‬تعيشان‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭. ‬أمّا‭ ‬نحن،‭ ‬فلغتنا‭ ‬الأم‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬العربيّة‭. ‬

قاطعت‭ ‬والدي،‭ ‬وقلت‭: ‬ولكنّ‭ ‬صديقتي‭ ‬وجارتنا‭ ‬تتحدّثان‭ ‬العربية‭ ‬بطلاقة،‭ ‬وهما‭ ‬تقيمان‭ ‬بيننا‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم‭ ‬العربيّة؟‭ ‬

أجابني‭ ‬والدي‭ ‬بسؤال‭: ‬هل‭ ‬توافقين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمّك‭ ‬هي‭ ‬خالتك‭ ‬لأنها‭ ‬اعتنت‭ ‬بك‭ ‬وأنت‭ ‬صغيرة‭ ‬أثناء‭ ‬غيابنا‭ ‬عن‭ ‬البلاد؟‭ ‬

بسرعة‭ ‬قلت‭: ‬لا‭... ‬لا،‭ ‬أمّي‭ ‬هي‭ ‬أمّي،‭ ‬وخالتي‭ ‬هي‭ ‬خالتي‭.‬

علّق‭ ‬والدي‭: ‬كذلك‭ ‬لغتنا‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬نطقنا‭ ‬بها‭ ‬كلماتنا‭ ‬الأولى‭ ‬البسيطة،‭ ‬وارتبطت‭ ‬بتراثنا‭ ‬وتاريخنا،‭ ‬فلا‭ ‬نتخلّى‭ ‬عنها‭. ‬بل‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نتعلّم‭ ‬لغات‭ ‬أصيلة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأن‭ ‬هدف‭ ‬الأمم‭ ‬المتّحدة‭ ‬من‭ ‬إقرار‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬تعلّم‭ ‬اللغة‭ ‬الأم،‭ ‬وتشجيع‭ ‬تعلّم‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تسهيل‭ ‬للتواصل‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭. ‬

قُلْتُ‭ ‬بتحدٍّ‭: ‬إذن‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتعلّم‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية،‭ ‬ثاني‭ ‬اللغات‭ ‬انتشاراً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬اللغة‭ ‬الإنكليزية‭. ‬

أجابني‭ ‬والدي‭ ‬بتحدٍّ‭ ‬أكبر‭: ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتمكّني‭ ‬من‭ ‬العربية،‭ ‬وتتقني‭ ‬الإنكليزية‭!‬

ابتسمت،‭ ‬ووعدته‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيحدث‭ ‬قريباً‭. 

‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬فاتّجهت‭ ‬إلى‭ ‬غرفتي،‭ ‬واسترجعت‭ ‬بالصور‭ ‬احتفالات‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬باليوم‭ ‬العالميّ‭ ‬للّغة‭ ‬العربية،‭ ‬والتي‭ ‬نُظِّمَت‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬الكويت‭ ‬الوطنية،‭ ‬بمشاركة‭ ‬مؤسّسة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬للمعرفة،‭ ‬صاحبة‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬‭ ‬بالعربي‮»‬،‭ ‬وفيها‭ ‬استمعت‭ ‬للقصص‭ ‬باللغة‭ ‬العربيّة‭ ‬الفصحى،‭ ‬وتعلّمت‭ ‬معاني‭ ‬الكلمات‭ ‬ومرادفاتها،‭ ‬وشاهدت‭ ‬أفلاماً‭ ‬قصيرة‭ ‬لمهارات‭ ‬تشكيل‭ ‬ونطق‭ ‬الحروف‭ ‬والجمل،‭ ‬وشاركت‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬الخطّ‭ ‬العربي‭. ‬جميلة‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية،‭ ‬أتمنّى‭ ‬لها‭ ‬انتشاراً‭ ‬يفوق‭ ‬كلّ‭ ‬اللغات‭.. ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ولغتنا‭ ‬الأم‭ ‬بخير‭.‬

تصوير‭: ‬أبرار‭ ‬ملك