مُتْحَفُ تِطْوانْ الأَرْكُولُوجِي ذَاكِرَةُ شَمَالِ المَغْرِبِ التَّارِيخِيَةِ

مُتْحَفُ تِطْوانْ الأَرْكُولُوجِي ذَاكِرَةُ شَمَالِ المَغْرِبِ التَّارِيخِيَةِ

    ‬إِذَا‭ ‬مَا‭ ‬زُرْتُم‭ ‬يَا‭ ‬صِغَارِي‭ ‬مَدينَةَ‭ ‬تِطْوَانْ‭ ‬بِشَمَالِ‭ ‬المَغرِبِ‭, ‬وَرأَيتُمْ‭ ‬التقَدمَ‭ ‬الحَضَارِي‭ ‬الذِّي‭ ‬تَعرِفُهُ‭ ‬المَدِينَة‭, ‬سَتعْتَقدُونَ‭  ‬أَنهَا‭ ‬حَدِيثَةُ‭ ‬التأسِيسِ‭, ‬لَكِنْ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬المَدينَة‭ ‬يَعودُ‭ ‬تَارِيخُهَا‭ ‬إِلَى‭ ‬العَصْرِ‭ ‬الحَجَرِيِّ‭, ‬مِما‭ ‬جَعَلَهَا‭ ‬مصَنفَةً‭ ‬تُراثاً‭ ‬عَالَمِياً‭ ‬إِنْسَانِياً‭. ‬وَالدليلُ‭ ‬عَلىَ‭ ‬ذَلكَ‭ ‬الحَفْريَاتُ‭ ‬الأَرْكُولُوِجيَةُ‭ (‬الأَرْكُولُوجْيَا‭ ‬هُوَ‭ ‬عِلمُ‭  ‬الآثَارِ‭) ‬التِّي‭ ‬تَم‭ ‬اكْتِشافُهَا‭ ‬بِشمَالِ‭ ‬المَغْربِ‭, ‬وَالتِّي‭ ‬خَصصُوا‭ ‬لَهَا‭ ‬مُتْحَفاً‭ ‬بِتِطْوَانْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَيْنِ‭ ‬أنْدَرِ‭ ‬المَتاحِفِ‭ ‬بِالعَالمِ‭. ‬فَهَيا‭ ‬بِنَا‭ ‬يَا‭ ‬صِغَارِي‭ ‬لنَكتَشفَ‭ ‬جَمِيعاً‭ ‬التارِيخَ‭ ‬القَديمَ‭ ‬للمَدينَةِ‭ ‬دَاخِلَ‭ ‬هَذَا‭ ‬المُتْحفِ‭.‬

    ‬يَقَعُ‭ ‬هَذَا‭ ‬المُتحَفُ‭ ‬فِي‭ ‬سَاحَةِ‭ ‬الفَدانِ‭ ‬بِتِطْوَانْ‭, ‬حَيْثُ‭ ‬تَم‭ ‬بِناؤُهُ‭ ‬خِصيصاً‭ ‬لِوَضعِ‭ ‬الحَفْرِيَاتِ‭, ‬التِّي‭ ‬اكتِشَفهَا‭ ‬عُلَمَاءِ‭ ‬الآثَارِ‭ ‬فِي‭ ‬شَمَالِ‭ ‬المَغرِبِ‭, ‬وَالتِّي‭ ‬أَثْبَتَتْ‭ ‬عَلَى‭ ‬أن‭ ‬شَمَالَ‭ ‬المَغْرِبِ‭, ‬تَاريخُهُ‭ ‬يَعُودُ‭ ‬إِلَى‭ ‬مَا‭ ‬قَبلَ‭ ‬التارِيخِ‭ ‬بِحَوَالَيْ‭ ‬خَمْسَةَ‭ ‬آلافِ‭ ‬سَنَةٍ‭.‬

عِندَمَا‭ ‬تَدخُلُونَ‭ ‬المُتْحَفَ‭ ‬يَا‭ ‬أحِبائِي‭, ‬سَتَسُركُم‭ ‬حَدِيقَةٌ‭ ‬بِتَصمِيمٍ‭ ‬أَنْدَلُسِيٍّ‭ ‬بَهِي‭, ‬تَتَوَسطُهَا‭ ‬أَمْفُورَةٌ‭ ‬إِسْلامِيةٍ‭ ‬عِمْلاَقَةٍ‭ (‬جَرةٌ‭ ‬بِقَبْضَتَينِ‭ ‬وَعُنُقٍ‭ ‬طَويلٍ‭) ‬وَمَحفُوفَةٌ‭ ‬بجِدَارِيَاتٍ‭, ‬تَحْمِلُ‭ ‬فُسَيْفِسَاءٍ‭ ‬رُومَانِيَةٍ‭ ‬تَعودُ‭ ‬لعَهْدِ‭ ‬الليكْسُوسْ‭ (‬بِالأَمَازِيغِيةِ‭ ‬لِيكْسُوسْ‭ ‬تَعْنِي‭ ‬التفاحَةَ‭ ‬الذهَبِيةَ‭ ‬وَهِيَ‭ ‬حَضارَةٌ‭ ‬مَغربِيَةٌ‭ ‬أسسَتْ‭ ‬بِمدينَةِ‭ ‬العَرائِشِ‭ ‬سَنةَ‭ ‬1180‭ ‬قَبْلَ‭ ‬المِيلادِ‭).‬

  ‬أَما‭ ‬عِندَمَا‭ ‬تَلجُونَ‭ ‬المُتْحَفِ‭, ‬فَسَيسْتَقْبِلُكُمْ‭ ‬القَائِمُ‭ ‬عَلىَ‭ ‬المُتْحَفِ‭, ‬وَسَتَعْرفُونَ‭ ‬مِنْهُ‭ ‬أَن‭ ‬المُتْحَفَ‭ ‬بِهِ‭ ‬ثلاثَ‭ ‬قَاعَاتٍ‭, ‬اثنتان‭ ‬منها‭ ‬بِالطابَقِ‭ ‬السفْلِي‭, ‬وَالثالِثَةُ‭ ‬بِالطابَقِ‭ ‬العُلْوِيِّ‭. 

  ‬القَاعَةُ‭ ‬الأُولَى‭ ‬تَضُم‭ ‬تُحَفاً‭ ‬سَتَعُودُ‭ ‬بِذاكِرَتِكُمْ‭ ‬لِلعَصْرِ‭ ‬الحَجَرِيِّ‭, ‬فَقَد‭ ‬كَانَ‭ ‬الإِنْسَانُ‭ ‬فِي‭ ‬تِلكَ‭ ‬الفَتْرَةِ‭ ‬كُل‭ ‬أَدواتِهِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الحَجَرِ‭, ‬لدَرَجةِ‭ ‬أَنكُمْ‭ ‬سَتَجِدُونَ‭ ‬حَتى‭ ‬إِبْرَةَ‭ ‬الخِياطَةِ‭ ‬الصغِيرةِ‭, ‬مَصنُوعَةً‭ ‬مِنَ‭ ‬الحَجَرِ‭, ‬وَهَذَا‭ ‬دَليلٌ‭ ‬عَلَى‭ ‬قُوةِ‭ ‬العَقلِ‭ ‬البَشَرِيِّ‭ ‬فِي‭ ‬اخْتراعِ‭ ‬التقنيَاتِ‭, ‬التي‭ ‬تُسَاعِدهُ‭ ‬عَلىَ‭ ‬مُواجَهَةِ‭ ‬الطبِيعَةِ‭ ‬المُتَوَحشَةِ‭. 

  ‬هَذَا‭ ‬بِالإِضَافَةِ‭ ‬إِلىَ‭ ‬تُحَفٍ‭ ‬أُخْرَى‭ ‬كَالحِلِي‭ ‬الحَجَرِيةِ‭, ‬التِّي‭ ‬كَانَت‭ ‬تَتَزَينُ‭ ‬بِهَا‭ ‬المَرأَةُ‭, ‬وَالقَنادِيلُ‭ ‬الحَجَريَةُ‭ ‬لِلإِضَاءَةِ‭... ‬أَما‭ ‬الشمْسُ‭ ‬الحَجَرِيةُ‭ ‬وَالمَرأَةُ‭ ‬التِّي‭ ‬بِرَأسِ‭ ‬إِنْسَانٍ‭ ‬وَجسَدِ‭ ‬أسَدٍ‭ ‬بِأجْنِحَةٍ‭, ‬فَهِيَ‭ ‬مَنحُوتَاتُ‭ ‬كَانَ‭ ‬يَعبدُهَا‭ ‬الإِنْسَانُ‭ ‬الحَجَرِي‭ ‬اعتِقَاداً‭ ‬مِنهُ‭ ‬بأَنهَا‭ ‬سَتُبْعِدُ‭ ‬عَنهُ‭ ‬المَوْتَ‭, ‬لأَنهُ‭ ‬لَمْ‭ ‬يُكُن‭ ‬عَلَى‭ ‬دِرايَةٍ‭ ‬بِوجُودِ‭ ‬اللهِ‭ ‬سُبْحانَهُ‭ ‬وَتَعَالَى‭ ‬خَالِقِ‭ ‬الكَوْنِ‭. ‬

  ‬أَما‭ ‬الغُرفَةُ‭ ‬الثانِيَةُ‭, ‬فَقدْ‭ ‬خُصِّصَتْ‭ ‬لِوَضْعِ‭ ‬جِدَاريَاتٍ‭ ‬بِنَقشٍ‭ ‬حَجَرِيٍّ‭, ‬وَفُسَيْفِسَاءٍ‭ ‬أَرْضِيةٍ‭ ‬وُجِدَت‭ ‬بِمَنزِلِ‭ ‬إيلْيُوسْ‭ (‬حَاكِمِ‭ ‬مَصْرِ‭ ‬الرومَانِي‭ ‬مَا‭ ‬بَيْنَ‭ ‬26‭-‬24‭ ‬ق‭.‬م‭), ‬وَهِيَ‭ ‬مَصنُوعَةٌ‭ ‬مِنَ‭ ‬الأَحْجَارِ‭ ‬الطبيعِيَةِ‭ ‬ذَاتِ‭ ‬الشكلِ‭ ‬المُكَعبِ‭, ‬وَتعْتَبرُ‭ ‬الفُسَيْفَساءِ‭ ‬المَوضُوعَةِ‭ ‬عَلىَ‭ ‬الأَرضِ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللوَحَاتِ‭ ‬الجَمِيلَةِ‭ ‬التِّي‭ ‬وَصَلَت‭ ‬للمُتحَفِ‭ ‬كَامِلَةً‭, ‬وَقَدِ‭ ‬اندثَرتْ‭ ‬جُزئِياً‭ ‬صُورتُهَا‭ ‬بِالوَسطِ‭, ‬هَذِهِ‭ ‬الصورةُ‭ ‬هِيَ‭ ‬لأَدُونِيسِ‭ (‬أَحدُ‭ ‬الآلِهَةِ‭ ‬فِي‭ ‬الحَضارَةِ‭ ‬الفِينِيقِيَةِ‭), ‬يَحمِلُ‭ ‬بيدِهِ‭ ‬اليُسرَى‭ ‬سَلةُ‭ ‬وَرد‭, ‬وَيعمل‭ ‬بِيَدِهِ‭ ‬اليُمْنَى‭ ‬مِصْبَاحاً‭ ‬وَيَرتَدِي‭ ‬مِعْطَفاً‭, ‬وَالعَصافِيرُ‭ ‬تُرَفْرِفُ‭ ‬بِجَانِبهِ‭. ‬

  ‬وَأَخيراً‭ ‬فِي‭ ‬الطابَقِ‭ ‬العُلْوي‭, ‬تُوجَدُ‭ ‬تُحَفٌ‭ ‬لنَمطِ‭ ‬العَيشِ‭ ‬بِتِطْوَانَ‭ ‬وَنَواحِيهَا‭, ‬إبانَ‭ ‬عَصرِ‭ ‬تَمُودَةَ‭ (‬تَمُودَا‭ ‬بِالأَمَازيغِيةِ‭ ‬يُقصَدُ‭ ‬بِهَا‭ ‬المُروجُ‭), ‬وَهِيَ‭ ‬مَدينَةٌ‭ ‬أَسسَهَا‭ ‬المَلكُ‭ ‬الأَمَازيغِي‭ ‬بَاكَا‭ ‬سَنةَ‭ ‬2000‭ ‬قَبلَ‭ ‬المِيلاَدِ‭. ‬وتَم‭ ‬اكتِشَافُ‭ ‬حَضَارَةِ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬المَدينَةِ‭,  ‬عَلىَ‭ ‬بُعْدِ‭ ‬خَمْسة‭ ‬كِيلُومِتْرَاتٍ‭ ‬جَنُوبَ‭ ‬غَربِ‭ ‬تِطوَانْ‭, ‬عِندَمَا‭ ‬عَثَرَ‭ ‬عُلمَاءُ‭ ‬الآثَارِ‭ ‬عَلىَ‭ ‬قِطعَةٍ‭ ‬أَثَرِيَةٍ‭ ‬تَحْمِلُ‭ ‬اسْمَ‭ ‬تَمُودَةَ‭.‬

  ‬هَذِهِ‭ ‬القَاعةُ‭ ‬بِهَا‭ ‬تُحفٌ‭ ‬تَحْمِلُ‭ ‬مُعتَقدَاتٍ‭ ‬مُشَوقةٍ‭, ‬فَمثَلاً‭ ‬يُوجَدُ‭ ‬مَدَامِعُ‭ (‬قِنِّينَاتٌ‭ ‬صَغِيرَةٌ‭), ‬كَانَ‭ ‬الناسُ‭ ‬يَضَعُونهَا‭ ‬تَحتَ‭ ‬أَعيُنِهِم‭ ‬فِي‭ ‬العَزاءِ‭ ‬ليملأوها‭ ‬بِدمُوعِ‭ ‬الحُزْنِ‭, ‬وَيَحْتَفظُونَ‭ ‬بِهَا‭ ‬تَعبيراً‭ ‬مِنهُمْ‭ ‬عَلىَ‭  ‬مَدَى‭ ‬حُبِّهِم‭ ‬لِلْمَيِّتِ‭. ‬هَذَا‭ ‬إلَى‭ ‬جَانِبِ‭ ‬مِبْخَراتٍ‭ ‬تَحْمِلُ‭ ‬نَقشَ‭ ‬الإِلهَةِ‭ ‬القَرطَاجِيَةِ‭ ‬تَانِيتْ‭ (‬إِلَهَةٌ‭ ‬قَرطَاجِيةٌ‭ ‬فِينِيقِيَةٌ‭ ‬الأَصْلِ‭ ‬يُعتَقَدُ‭ ‬بأَنّهَا‭ ‬حَامِيَةُ‭ ‬قَرطَاج‭) ‬وَالتِّي‭ ‬كَانَ‭ ‬يَستَعْمِلهَا‭ ‬سُكانُ‭ ‬تَمُودَةَ‭ ‬اعْتِقاداً‭ ‬مِنْهُم‭ ‬أَنهَا‭ ‬سَتُبعِدُ‭ ‬عَنْهُمُ‭ ‬الشرُورَ‭. ‬أَما‭ ‬بَاقِي‭ ‬التحَفِ‭ ‬فَهِيَ‭ ‬تُحَفٌ‭ ‬تَخُص‭ ‬المَطبَخَ‭, ‬وَأدَواتِ‭ ‬الصيدِ‭ ‬وَالآلاَتِ‭ ‬المُوسِيقِيَةِ‭, ‬التيِ‭ ‬كَانَت‭ ‬مُتدَاوَلَةً‭ ‬فِي‭ ‬عَهدِ‭ ‬حَضَارَةِ‭ ‬تَمُودَة‭.‬

كَمَا‭ ‬لاَ‭ ‬يَفُوتَكُم‭ ‬قَبلَ‭ ‬أَنْ‭ ‬تُغَادِرُوا‭ ‬المُتْحَفَ‭ ‬أَنْ‭ ‬تُلْقُوا‭ ‬إِطلاَلَةً‭ ‬عَلَى‭ ‬الأَمْفُورَات‭ ‬العِمْلاَقة‭, ‬والتي‭ ‬كَانَتْ‭ ‬مُخصصَةً‭ ‬لتخْزينِ‭ ‬الكَارُومْ‭ ‬Le Garum‭ ‬أَوِ‭ ‬الصلصَةِ‭ ‬المُحَضرةِ‭ ‬مِنْ‭ ‬لَحمِ‭ ‬السمَكِ‭. ‬