كانت أ رضُنا بلا قمر؟!

كانت أ رضُنا بلا قمر؟!

لدينا‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجسام‭ ‬فضائيّة‭ ‬متفاوتة‭ ‬الأحجام،‭ ‬مترابطة‭ ‬وِفق‭ ‬نظام‭ ‬مُحكَم‭ ‬الدوران،‭ ‬وقوى‭ ‬التجاذب‭. ‬فالشمس‭ ‬تجذب‭ ‬الأرضَ‭ ‬إليها،‭ ‬لا‭ ‬تفلتها،‭ ‬ولكن‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬ثابت،‭ ‬دورةً‭ ‬واحدة‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬الفصول‭ ‬الأربعة،‭ ‬ودورةً‭ ‬حول‭ ‬نفسها،‭ ‬لينتج‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭. ‬وبين‭ ‬الأرض‭ ‬والقمر‭ ‬تجاذب‭ ‬متبادل،‭ ‬يحتفظ‭ ‬للقمر‭ ‬بمدار‭ ‬ثابت‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬يُتمُّ‭ ‬فيه‭ ‬دورة‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭ ‬كلَّ‭ ‬يوم‭ ‬تقريباً‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬تتأثر‭ ‬‭ ‬حسب‭ ‬قوانين‭ ‬نيوتن‭ ‬للجاذبية،‭ ‬بقوة‭ ‬جاذبية‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬موقع‭ ‬الأرض‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهما،‭ ‬تبعاً‭ ‬لنظام‭ ‬ثابت‭ ‬أيضاً،‭ ‬تتميز‭ ‬فيه‭ ‬حالتان‭: ‬في‭ ‬الأولى،‭ ‬تكون‭ ‬الأجسام‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬واحد‭: ‬الشمس،‭ ‬والقمر،‭ ‬ثم‭ ‬الأرض‭. ‬وفي‭ ‬الثانية،‭ ‬تكون‭ ‬الأرضُ‭ ‬مركزَ‭ ‬زاويةٍ‭ ‬قائمةٍ‭ ‬ينتهي‭ ‬أحدُ‭ ‬ضلعيها‭ ‬بالشمس،‭ ‬والآخر‭ ‬بالقمر‭.‬

وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬الجذب‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مساوية‭ ‬لمجموع‭ ‬قوّتَي‭ ‬جذب‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭. ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الثانية،‭ ‬تكون‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬قوة‭ ‬جذب‭ ‬ضعيفة‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬الشمس،‭ ‬لبعد‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الشمس‭ ‬والأرض،‭ ‬بينما‭ ‬تكون‭ ‬قوة‭ ‬جذب‭ ‬القمر‭ ‬هي‭ ‬المؤثرة‭.‬

إن‭ ‬وقوع‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التجاذب‭ ‬يؤثّر‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬الأرض‭ ‬ومحيطاتها،‭ ‬وهي‭ ‬المعروفة‭ ‬بظاهرة‭ ‬المدِّ‭ ‬والجِـزْرِ‭. ‬ففي‭ ‬وقت‭ ‬خضوع‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬لقوة‭ ‬الجذب،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬قوية‭ ‬أو‭ ‬ضعيفة،‭ ‬تنحسر‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬الشواطئ‭ ‬وتتوافد‭ ‬بوسط‭ ‬المسطح‭ ‬المائي،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الجزر،‭ ‬ويستمر‭ ‬ذلك‭ ‬لساعات،‭ ‬حتى‭ ‬يذهب‭ ‬تأثير‭ ‬قوة‭ ‬الجذب،‭ ‬فتعود‭ ‬المياه‭ ‬منطلقة‭ ‬إلى‭ ‬السواحل‭ ‬فتغمر‭ ‬الشواطئ‭.‬

ولعل‭ ‬معظمنا‭ ‬رأى‭ ‬المدَّ‭ ‬والجزر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬حيث‭ ‬تنسحبُ‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬معرّية‭ ‬مساحات‭ ‬متّسعة‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الشاطئيّة،‭ ‬تتناثر‭ ‬فيها‭ ‬بِرَكٌ‭ ‬صغيرة‭ ‬بها‭ ‬كائنات‭ ‬بحرية‭ ‬من‭ ‬أسماك‭ ‬صغيرة‭ ‬وقشريات‭ ‬ومحاريات،‭ ‬خلَّفتها‭ ‬المياه،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬وتغمرها‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭.‬

ويمكنك‭ ‬إن‭ ‬قمت‭ ‬بجولة‭ ‬بين‭ ‬برك‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬ثروة‭ ‬من‭ ‬عيّنات‭ ‬لكائنات‭ ‬بحرية‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬وأن‭ ‬تدرس‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬حياتها‭ ‬بهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬يلعب‭ ‬القمر‭ ‬فيها‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭.‬

وقد‭ ‬استخدم‭ ‬البشر‭ ‬التناوب‭ ‬بين‭ ‬حركتَيْ‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬طواحين‭ ‬الغِلال،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬آثارها‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬مقاطعة‭ (‬بريتاني‭) ‬بشمال‭ ‬فرنسا،‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬12‭ ‬الميلادي‭. ‬وقد‭ ‬سبقهم‭ ‬العربُ‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬ابن‭ ‬خرداذبة‭ (‬746‭ ‬م‭) ‬وفي‭ ‬مؤلَّفات‭ ‬المقدسي‭ (‬989‭ ‬م‭): ‬‮«‬استغل‭ ‬أهلُ‭ ‬البصرة‭ ‬تيار‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬السواقي‭ ‬والطواحين‮»‬‭.‬

وتعمل‭ ‬تيارات‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬الهائلة‭ ‬على‭ ‬استخلاص‭ ‬الأملاح‭ ‬والعناصر‭ ‬الكيماوية‭ ‬من‭ ‬أحجار‭ ‬اليابس،‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬المحيط،‭ ‬لصنع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ (‬حساء‭ ‬المخاليط‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬بأنها‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬وبدونه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الحياة‭ ‬تشكّلت‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬أو‭ ‬لَلَجأت‭ ‬الكائنات‭ ‬الأرضية‭ ‬إلى‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬أحوال‭ ‬أرض‭ ‬بدون‭ ‬قمر‭ ‬بأنماط‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭.‬

وأخيراً،‭ ‬يكشف‭ ‬العلماء‭ ‬عن‭ ‬سرّ‭ ‬تأثّر‭ ‬البشر‭ ‬عاطفياً‭ ‬تحت‭ ‬ضوء‭ ‬القمر،‭ ‬ويقولون‭ ‬إنه‭ ‬يشبه‭ ‬تأثيره‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ببحارها‭ ‬ومحيطاتها؛‭ ‬وأجسامُنا‭ ‬البشرية‭ ‬معظمها‭ ‬ماء،‭ ‬يؤثر‭ ‬عليها‭ ‬قوة‭ ‬جاذبية‭ ‬القمر،‭ ‬فنعيش‭ ‬بين‭ ‬حالَتَيْ‭ ‬مدِّ،‭ ‬وجزر‭.‬