نزهة الجدّ سالم

نزهة الجدّ سالم

وعَد‭ ‬الجدّ‭ ‬سالم‭ ‬أحفاده‭: ‬مي‭ ‬وياسين‭ ‬وحازم،‭ ‬بنزهة‭ ‬جميلة‭ ‬ثاني‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬تاركاً‭ ‬لهم‭ ‬حرية‭ ‬اختيار‭ ‬الوجهة‭ ‬التي‭ ‬يحبونها،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يساعدوه‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬لحم‭ ‬أضحيته‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬والأهل‭ ‬والأصدقاء‭.‬

وظل‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الثلاثة‭ ‬يفكّر‭ ‬بمفرده‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ستكون‭ ‬وجهة‭ ‬نزهة‭ ‬العيد؟‭. ‬مي‭ ‬تحب‭ ‬معرفة‭ ‬التاريخ‭ ‬والآثار،‭ ‬وتتمنى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬مرشدة‭ ‬سياحية؛‭ ‬لذا‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وجهة‭ ‬نزهة‭ ‬العيد‭ ‬صوب‭ ‬المتحف‭ ‬الكبير‭ ‬بالعاصمة‭. ‬وياسين‭ ‬مغرم‭ ‬بالتصوير‭ ‬الفوتوغرافي،‭ ‬خاصة‭ ‬تصوير‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية؛‭ ‬لذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وجهة‭ ‬نزهة‭ ‬العيد‭ ‬هي‭ ‬حديقة‭ ‬أشجار‭ ‬الزينة‭ ‬بأطراف‭ ‬المدينة؛‭ ‬لالتقاط‭ ‬صور‭ ‬لأشجار‭ ‬الزينة‭ ‬الخلابة‭ ‬للمشاركة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مسابقات‭ ‬فنّ‭ ‬التصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭.‬

أما‭ ‬حازم‭ ‬فيهوى‭ ‬رياضة‭ ‬السباحة؛‭ ‬ويتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدرب‭ ‬سباحة،‭ ‬لذا‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬نزهة‭ ‬العيد‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭.‬

‭ ‬اجتمع‭ ‬الأحفاد‭ ‬ليناقشوا‭ ‬أمر‭ ‬وجهة‭ ‬نزهة‭ ‬العيد‭ ‬ليصِلوا‭ ‬إلى‭ ‬اتّفاق‭... ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يتفقوا؛‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يوجّه‭ ‬نزهة‭ ‬العيد‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬هو،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يحبه‭ ‬أخواه؛‭ ‬وأخذ‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يقلّل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬موهبة‭ ‬الآخرين‭. ‬

وانتهى‭ ‬نقاش‭ ‬الثلاثة‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يتركوا‭ ‬للجدّ‭ ‬سالم‭ ‬حق‭ ‬اختيار‭ ‬الوجهة‭ ‬التي‭ ‬يفضّلها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الوجهات‭ ‬الثلاث‭ ‬لنزهتهم‭.‬

وأمام‭ ‬الجدّ‭ ‬سالم،‭ ‬كرّر‭ ‬الإخوة‭ ‬الثلاثة‭ ‬النقاش‭ ‬نفسه،‭ ‬وحاول‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬موهبة‭ ‬الآخر،‭ ‬ليقنع‭ ‬جدّه‭ ‬باختياره‭. ‬

وقد‭ ‬قال‭ ‬لهم‭ ‬الجدّ‭ ‬سالم‭ ‬مظهراً‭ ‬استياءه‭ ‬من‭ ‬طريقتهم‭ ‬في‭ ‬النقاش‭: ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقلّل‭ ‬أحدكم‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬موهبة‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬مفيدة‭ ‬له‭ ‬ولِمجتمعه،‭ ‬فمعرفة‭ ‬التاريخ‭ ‬تجعلنا‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬السابقين‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬عِبَر‭ ‬وعِظات‭. ‬وممارسة‭ ‬السباحة‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬تفيدنا؛‭ ‬لأنها‭ ‬تقوّي‭ ‬عضلاتنا،‭ ‬وتخلّص‭ ‬جسمنا‭ ‬من‭ ‬الوزن‭ ‬الزائد؛‭ ‬لحرقها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السعرات‭ ‬الحراريّة‭. ‬وكذلك‭ ‬التصوير‭ ‬مفيد؛‭ ‬لأنه‭ ‬يوثّق‭ ‬أجمل‭ ‬لحظات‭ ‬حياتنا‭ ‬وأسعدها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تصوير‭ ‬الطبيعة‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬جمال‭ ‬بديع‭ ‬صنع‭ ‬الله‭. ‬

اعتذر‭ ‬الأحفاد‭ ‬لجدّهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ارتكبوه‭ ‬من‭ ‬خطأ‭... ‬راجين‭ ‬إيّاه‭ ‬أن‭ ‬يحدّد‭ ‬لهم‭ ‬أين‭ ‬ستكون‭ ‬وجهة‭ ‬نزهتهم‭: ‬هل‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬أم‭ ‬إلى‭ ‬ساحل‭ ‬البحر،‭ ‬أم‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬أشجار‭ ‬الزينة؟

قال‭ ‬الجدّ‭ ‬لأحفاده‭: ‬إن‭ ‬تمسّك‭ ‬كلّ‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬بإقناع‭ ‬غيره‭ ‬بما‭ ‬يريد،‭ ‬وتطويع‭ ‬تفكيره‭ ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬اتّفاقكم‭ ‬على‭ ‬حلّ‭ ‬يرضيكم‭ ‬جميعاً‭. ‬

سأله‭ ‬حازم‭ ‬بشغف‭: ‬وما‭ ‬الحلّ‭ ‬يا‭ ‬جدّي؟

أجابه‭ ‬الجدّ‭ ‬مبتسماً‭: ‬الحلّ‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬أماكن‭ ‬بديلة‭ ‬لممارسة‭ ‬هواياتكم‭ ‬دون‭ ‬التقيّد‭ ‬بمكان‭ ‬محدّد‭... ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬بعضها‭ ‬بجوار‭ ‬بعض‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بزيارتها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬دون‭ ‬مشقّة‭. ‬

سأل‭ ‬ياسين‭ ‬جدّه‭: ‬كيف‭ ‬يا‭ ‬جدي؟‭ ‬

أجابه‭ ‬الجدّ‭: ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة‭ ‬يوجد‭ ‬المتحف‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وبالقرب‭ ‬منه‭ ‬نادي‭ ‬العاصمة‭ ‬الذي‭ ‬يفتح‭ ‬مسبحه‭ ‬الكبير‭ ‬للجمهور‭ ‬في‭ ‬العطلة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والأعياد،‭ ‬وبالقرب‭ ‬منهما‭ ‬النهر‭ ‬الذي‭ ‬تُوجد‭ ‬على‭ ‬ضفّتَيه‭ ‬مناظر‭ ‬خلابة‭ ‬تسحر‭ ‬أعين‭ ‬الناظرين‭! ‬

تهلّل‭ ‬وجه‭ ‬مي‭ ‬قائلة‭ ‬لجدّها‭: ‬فهمتك‭ ‬يا‭ ‬جدي‭. ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬الإسلامي‭ ‬يمكنني‭ ‬ممارسة‭ ‬هوايتى،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬لحازم‭ ‬ممارسة‭ ‬هوايته‭ ‬في‭ ‬مسبح‭ ‬نادي‭ ‬العاصمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬ياسين‭ ‬يمكنه‭ ‬ممارسة‭ ‬هوايته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصوير‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬ضفّتَي‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬مناظر‭ ‬خلابة‭. ‬

أُعجب‭ ‬الأحفاد‭ ‬بما‭ ‬ارتآه‭ ‬لهم‭ ‬جدّهم،‭ ‬وراحوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬يوم‭ ‬النزهة‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر،‭ ‬بعدما‭ ‬تعلّموا‭: ‬أن‭ ‬التمسّك‭ ‬بإقناع‭ ‬الآخرين‭ ‬بما‭ ‬نحبّ‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تنازلهم‭ ‬عما‭ ‬يحبّون‭ ‬قد‭ ‬يعمينا‭ ‬عن‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ترضينا‭ ‬وترضيهم،‭ ‬كما‭ ‬تعلّموا‭ ‬أيضاً‭ ‬ألا‭ ‬يقلّل‭ ‬أحدهم‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬موهبة‭ ‬الآخر‭.‬

رسوم‭: : ‬فرح‭ ‬خليل