السّلحفاة السّريعة

السّلحفاة السّريعة

في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان كانت هناك سلحفاة اسمها ظريفة، تعيش في مرج كثير الأعشاب يشقّه نهر، كانت تمضي يومها في أكل العشب الطّريّ والتّمتّع بأشعة الشّمس الساطعة والسّباحة في الماء الدّافئ، كانت سعيدة بحياتها.
وفي يوم من الأيّام مرّ قريبًا منها أرنب برّي، قال لها مستهزئًا: أنت بطيئة جدّا، تمضين يومك كاملًا في الوصول إلى بعض العشب والنّزول إلى النّهر. أمّا أنا فأذهب إلى مسافات بعيدة وأرى ما لا ترين.
قالت له ظريفة: أنا سعيدة بحياتي، ورغم بطئي فإني أحصل على كلّ ما أريد. آكل العشب الطّري، وأستحمّ في ماء النّهر.
قال الأرنب البرّي: كيف تكونين سعيدة وأنت قابعة في مكانك طوال اليوم ولا تغادرينه إلّا لمسافة قصيرة؟!
قالت ظريفة: ولماذا عليّ أن أغادره وأذهب إلى أماكن بعيدة؟
قال الأرنب البرّي: هناك أشياء جميلة تستحقّ أن نراها. أنا سأذهب لأحضر حفلة قريبًا من ذلك الجبل. سأسمع موسيقى جميلة، وأرقص حتى غروب الشّمس، ثمّ سأزور منزل خالتي التي تسكن قريبًا من ذلك الجبل البعيد، إنّها ماهرة في إعداد وجبات الطّعام التي أريد. 
قالت ظريفة: لماذا لا تأخذني معك إلى الحفل؟ أنا أيضًا أريد سماع الموسيقى والرّقص. 
قال الأرنب البرّي: أنا في عجلة من أمري. إلى اللّقاء.
قال الأرنب البرّي هذه الكلمات، وجرى بسرعة واختفى بين الأشجار. وبقيت ظريفة رابضة في مكانها تفكّر فيما قاله الأرنب البرّي، وشعرت بالأسى لأنّها بطيئة ولا تستطيع أن تستمتع بحياتها كما تفعل بقيّة الحيوانات، ومرّت الأيّام وأصبحت ظريفة حزينة لا تجد رغبة في الأكل والسّباحة في النّهر، وكان لظريفة ضفدع صديق اسمه رشيق ينتظر قدومها إلى النّهر ليمرح معها، لاحظ رشيق حزن ظريفة، فسألها: أراك مغتمّة يا ظريفة. ماذا جرى لك؟
قالت ظريفة بنبرة حزن: وكيف لا أكون حزينة وأنا بطيئة أمضي العمر في مكان واحد لا أبارحه؟!
قال رشيق: الطبيعة اختارت لكلّ واحد منّا عدّة صفات، والعاقل مَن يحسن الاستفادة من صفاته، ولا يمضي العمر يتأسّف على ما ليس عنده.
قالت ظريفة: ليتني كنت سريعة بما يكفي لأكون سعيدة.
قال رشيق: هوّني عليك يا ظريفة، وتعالي نسبح قليلاً قبل أن يأتي اللّيل.
لم تسبح ظريفة في ماء النّهر، وزاد حزنها، فاحتار رشيق في أمرها، ثمّ قرّر مساعدتها بما يقدر، فقال لها: أعرف ضفدعًا ساحرًا يسكن في البحيرة يستطيع أن يجعلك سريعة كما تريدين.
قالت ظريفة بفرح: خذني إليه الآن، لا أريد أن أضيّع مزيدًا من الوقت.
قال رشيق: أدعوك إلى مزيد من التّريّث والتّفكير قبل الإقدام على أيّ أمر، ففي العجلة النّدامة.
قالت ظريفة: لا لن أندم أبدًا، وسأكون أسعد مخلوق في هذه البرّية الواسعة.
نزل رشيق وظريفة إلى ماء النّهر، وسبحا إلى أن وصلا إلى بحيرة كبيرة تكتنفها الأشجار العالية من كلّ جانب. نزلا إلى الأعماق المظلمة، وسارا في طريق ضيّق بين الأعشاب الخضراء إلى أن وصلا إلى كهف يقع تحت الماء، وكان الضّفدع السّاحر في انتظارهما. كان يجلس على صخرة صغيرة وفي يده عصاه السّحريّة وعلى رأسه تاج. قال رشيق مخاطبًا الضفدع السّاحر: صديقتي ظريفة تريد أن تكون سريعة. أرجوك يا سيّدي أن تساعدها.
قال الضّفدع السّاحر مخاطبًا ظريفة: يمكنني أن أساعدك إذا قبلت بشرطي.
قالت ظريفة: أنا أقبل بما تريد، يا سيّدي.
قال الضفدع السّاحر: سآخذ سنوات من عمرك، ولن أترك لك سوى سنوات قليلة، وسأنزع عنك قوقعتك.
قال ظريفة: أنا موافقة، فلن أكون في حاجة إلى عمر طويل إذا أصبحت سريعة، وقوقعتي ثقيلة ومزعجة.
تلا الضّفدع السّاحر كلمات غير مفهومة، وضرب ظريفة بعصاه، فانزاحت عنها القوقعة، واستطالت قوائمها حتى أصبحت أطول من قوائم قطّ.
غادرت ظريفة البحيرة، وأخذت تجري بكلّ سرعة وهي فرحة، وصلت إلى آخر المرج، وصعدت فوق الهضبة، ثمّ نزلت، جرت بسرعة حتى تعبت. وعندما غربت الشّمس لم تعرف ظريفة أين تنام، حاولت أن تهيّئ لها بيتًا بجانب شجرة، فوخزتها الأشواك، وباتت ليلتها في العراء والبرد، وعندما أفاقت في الصّباح كانت جائعة، لم تأكل بما فيه الكفاية لأنّها لم تعد ترضى بما تجد، أصبحت تبحث عن عشب أفضل ولا تكفّ عن الجري وذرع السّهل. أحسّت ظريفة أنّها فقدت عالمها الأليف ولم تعد تستمتع بأشيائها القليلة. لم تعد تسترخي في ظلال الأشجار وتراقب النّمل وهو يجدّ في عمله، والسّراعيف وهي تحلّق، والنّحل وهو يمتصّ رحيق الأزهار، والفراشات وهي ترفرف. وانشغلت عن كل أصدقائها، لم تعد تتبادل الأحاديث مع صديقها رشيق، ولا تجد الوقت الكافي للسّباحة في النّهر ولمراقبة غروب الشّمس. مرّت الأيّام ثقيلة، وندمت ظريفة عمّا جنته على نفسها، وتمنّت أن تتمكّن من العودة إلى صورتها القديمة، لقد أدركت أن للبطء مزايا كثيرة.