لنَحْمِ الرِّئَةَ مِنَ السِّيجَارَةِ

لنَحْمِ الرِّئَةَ مِنَ السِّيجَارَةِ

  ‬عَادَ‭ ‬نَجِيبٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬مَدرسَتهِ‭, ‬فَوجَدَ‭ ‬وَالدَهُ‭ ‬يَتَفَرَّجُ‭ ‬عَلىَ‭ ‬التِّلفَازِ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬يُدَخِّنُ‭ ‬سِيجارَةً‭, ‬فَقَالَ‭ ‬لهُ‭: ‬

تَوَقَّف‭ ‬يا‭ ‬والدي‭, ‬إنَّ‭ ‬التَّدخِينَ‭ ‬سَيُهْلِكُ‭ ‬رِئَتَيكَ‭! ‬بِالإِضَافةِ‭ ‬إِلى‭ ‬أنَّ‭ ‬رَائحَتهُ‭ ‬كَريهَةٌ‭. ‬

وَبِسُرعَةٍ‭ ‬قَامَ‭, ‬نَجِيب‭ ‬بِسَحْبِ‭ ‬السِّيجَارَةِ‭ ‬من‭ ‬فَمِ‭ ‬أَبِيهِ‭ ‬وَأطْفَأَهَا‭.‬

غَضبَ‭ ‬وَالدُهُ‭ ‬وَقَالَ‭ ‬لَهُ‭:‬

إنَّ‭ ‬السِيجَارَةَ‭ ‬غَيرُ‭ ‬مُضِرَّةٍ‭, ‬وَلوْ‭ ‬كَانَت‭ ‬كَذَلكَ‭, ‬فَلِمَ‭ ‬لمْ‭ ‬يُصِبنِي‭ ‬أَيُّ‭ ‬مَكرُوهٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬الآن‭?‬

رَدَّ‭ ‬عَليْهِ‭ ‬نَجِيبُ‭:‬

إِنَّ‭ ‬أسْتَاذَ‭ ‬مَادَّةِ‭ ‬العُلومِ‭ ‬الطَّبيعِيَّةِ‭, ‬سَيُقِيمُ‭ ‬غَداً‭ ‬عَرْضاً‭ ‬بِالمُؤَسَّسَةِ‭ ‬عَنِ‭ ‬الرِّئَةِ‭ ‬وَكيفَ‭ ‬تَتَضَرَّرُ‭ ‬بِالتَّدخِينِ‭, ‬فَهَلاَّ‭ ‬حَضرْت‭ ‬العَرضِ‭ ‬فَلرُبَّمَا‭ ‬تَقتَنِعُ‭ ‬يا‭ ‬والدي‭ ‬بِالإِقلاَعِ‭ ‬عَنِ‭ ‬التَّدخِينِ‭.‬

‭ ‬وَفِي‭ ‬الصَّبَاحِ‭ ‬ذَهَبَ‭ ‬والد‭ ‬نَجِيب‭ ‬لِلْمُؤَسَّسَةِ‭, ‬فَوَجدَ‭ ‬أُستَاذَ‭ ‬العُلومِ‭ ‬بِقاعَةِ‭ ‬العَرضِ‭ ‬فَقالَ‭ ‬الأُستَاذُ‭:‬

‭- ‬هَذِا‭ ‬العرض‭ ‬سَأُخَصِّصُهُ‭ ‬للتَّعريفِ‭ ‬بِالرِّئَتين‭ ‬وَوظِيفَتِهما‭ ‬وَكيفَ‭ ‬يَجبُ‭ ‬الحِفَاظُ‭ ‬عَليْهَا‭, ‬خُصوصاً‭ ‬الحِفاظَ‭ ‬عَليْهمَا‭ ‬مِنْ‭ ‬عَدُوَّتِهمَا‭ ‬السِّيجَارَةِ‭.‬

شَغَّلَ‭ ‬الأُسْتاذُ‭ ‬جهاز‭ ‬العرض‭, ‬فَظَهَرت‭ ‬صُورَةُ‭ ‬عُضْوَيْنِ‭ ‬مُتقَابِلَيْنِ‭ ‬وَردِيَيْنِ‭ ‬عَلىَ‭ ‬شَكلٍ‭ ‬هَرَمِيٍّ‭.‬

فَقَالَ‭ ‬الأُسْتَاذُ‭:‬

هَاتَانِ‭ ‬هُمَا‭ ‬الرِّئَتان‭, ‬وَيَبلغُ‭ ‬ارْتِفَاعُهما‭ ‬22‭ ‬سَنْتِيمِتْراً‭, ‬وَعَرضُهما‭ ‬9‭ ‬سَنْتِيمِتراتٍ‭, ‬والرِّئَةُ‭ ‬اليُمْنَى‭ ‬أَعْلَى‭ ‬مِنَ‭ ‬اليُسْرَى‭, ‬وَذَلكَ‭ ‬لوجودِ‭ ‬الكَبِدِ‭ ‬أَسفَلَهَا‭, ‬كَمَا‭ ‬أنَّ‭ ‬اليُسْرَى‭ ‬أَقَلُّ‭ ‬سُمْكاً‭ ‬مِنَ‭ ‬اليُمْنَى‭ ‬لوُجُودِ‭ ‬القَلبِ‭ ‬إِلَى‭ ‬جَانِبِهَا‭, ‬وَللرِّئتَيْنِ‭ ‬كَثَافَةٌ‭ (‬الكٌتلَةُ‭ ‬الحَجْمِيَةُ‭) ‬أَقَلُّ‭ ‬مِنْ‭ ‬كَثافَةِ‭ ‬المَاءِ‭, ‬وَذلكَ‭ ‬لِوُجُودِ‭ ‬الهَواءِ‭ ‬نسيجها‭ ‬الإسفنجي‭.‬

وَتَابَعَ‭ ‬شَرحُهُ‭:‬

والرِّئَةُ‭ ‬اليُمْنَى‭ ‬مُكَوَّنَةٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬ثَلاثَةِ‭ ‬فُصُوصٍ‭, ‬الفَصُّ‭ ‬العُلْوِيُّ‭, ‬وَالأَوْسَطُ‭ ‬وَالسُّفْلِيُّ‭, ‬أمَّا‭ ‬اليُسرَى‭ ‬فَبِهَا‭ ‬الفَصُّ‭ ‬العُلوِيُّ‭ ‬والسُّفْلِيُّ‭ ‬فَقَط‭.‬

غَيَّرَ‭ ‬الأُسْتَاذُ‭ ‬الصُّورَةَ‭, ‬فَظَهَرت‭ ‬صُورَةٌ‭ ‬تُوَضِّحُ‭ ‬الرَّئَتَينِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الدَّاخِلِ‭ ‬فَقَالَ‭ ‬لَهُم‭:‬

هَاتَان‭ ‬هُمَا‭ ‬الرِّئَتان‭ ‬مِنَ‭ ‬الدَّاخلِ‭, ‬وَهُمَا‭  ‬يَحْتوِيَانِ‭ ‬عَلىَ‭ ‬قَصَبَتَيْنِ‭ ‬مُتَفَرِّعَتيْنِ‭ ‬عَنِ‭ ‬القَصَبةِ‭ ‬الهَوائِيَّةِ‭ ‬الرئيسة‭, ‬وَكُلُّ‭ ‬قَصبَةٍ‭ ‬مُتَفَرعَةٍ‭ ‬بِدورِهَا‭ ‬إِلىَ‭ ‬ثَلاثٍَ‭ ‬وَعِشْرِينَ‭ ‬قُصَيْبَةً‭, ‬وَكُلُّ‭ ‬قُصَيْبَة‭ ‬تَنتَهِي‭ ‬بِالحُوَيصِلاَتِ‭ ‬الهَوائِيَّةِ‭ ‬أو‭ ‬الأسناخ‭ ‬الرئوية‭, ‬التِّي‭ ‬تَعمَلُ‭ ‬عَلى‭ ‬تَحويلِ‭ ‬الغَازَاتِ‭ ‬وَتَغْيِيرِ‭ ‬نَوعِ‭ ‬الهَواءِ‭, ‬أَمَّا‭ ‬العَضلَةُ‭ ‬المَوجُودَةُ‭ ‬أسْفَلَ‭ ‬الرِّئتَينِ‭ ‬فَوظِيفَتُهَا‭ ‬مُسَاعَدةُ‭ ‬الرِّئَتين‭ ‬عَلىَ‭ ‬الاِنْتِفاخِ‭ ‬عِندَمَا‭ ‬تَسْتَقْبلُ‭ ‬الأُكْسِجِينِ‭ ‬فِي‭ ‬عَمَلِيَّةِ‭ ‬الشَّهِيقِ‭, ‬كَمَا‭ ‬تُسَاعِدُهُمَا‭ ‬عَلىَ‭ ‬طَرْدِ‭ ‬ثُنَائي‭ ‬أُكْسِيدِ‭ ‬الكَربُونِ‭ ‬فِي‭ ‬عَمَلِيَّةِ‭ ‬الزَّفِيرِ‭. ‬

وَتَابَعَ‭ ‬الأُسْتَاذُ‭ ‬كَلامَهُ‭ ‬وَهُوَّ‭ ‬يُغَيِّرُ‭ ‬الصُّوَرَ‭ ‬للإِيضَاحِ‭:‬

فَالأُكْسِجِين‭ ‬يَمُرُّ‭ ‬عَبرَ‭ ‬فَتْحَتَيِّ‭ ‬الأَنْفِ‭, ‬فَيَخْتَلِطُ‭ ‬بِمخَاطِ‭ ‬الأَنْفِ‭ ‬ليُصْبِحَ‭ ‬رَطْباً‭, ‬أمَّا‭ ‬سِرُّ‭ ‬دِفْء‭ ‬هَواءِ‭ ‬الشَّهِيقِ‭ ‬وَالزَّفِيرِ‭ ‬فَهُوَ‭ ‬مُرُورُ‭ ‬الهَواءِ‭ ‬عَبرَ‭ ‬شُعَيْراتٍ‭ ‬دَمَوِيَّةٍ‭ ‬بِالأَنْفِ‭, ‬تَرْفَعُ‭ ‬حَرَارَتَةُ‭ ‬نِسْبِياً‭. ‬بَعْدَ‭ ‬ذَلكَ‭ ‬يَصِلُ‭ ‬الهَواءُ‭ ‬إلى‭ ‬الْبُلْعُومِ‭, -‬وَهُوَ‭ ‬مَجْرَى‭ ‬مُشْتَركٌ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬الجِهَازَيْنِ‭ ‬الهَضْمِي‭ ‬وَالتَّنَفُّسِيِّ‭- ‬الذِّي‭ ‬يَسْمَحُ‭ ‬لهَواءِ‭ ‬الشَّهِيقِ‭ ‬وَالزَّفِيرِ‭ ‬بالدُّخُولِ‭ ‬والخُرُوجِ‭, ‬ثُمَّ‭ ‬بَعْدَ‭ ‬ذَلكَ‭ ‬يَمُرُّ‭ ‬الهَواءُ‭ ‬للحنْجرَةِ‭ ‬فَالقَصَبَةِ‭ ‬الهَوائِيَّةِ‭, ‬التِّي‭ ‬يُوجَدُ‭ ‬بِأَعلاَهَا‭ ‬لِسَانُ‭ ‬المِزْمَارِ‭, ‬الذِّي‭ ‬يُسَدُّ‭ ‬أثنَاءَ‭ ‬بَلعِ‭ ‬الطَّعامِ‭, ‬وَالقَصبَةِ‭ ‬الهَوائِيَّةِ‭ ‬تَتَكَوَّنُ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَلقَاتٍ‭ ‬غُضْرُوفِيَّةٍ‭ ‬بِهَا‭ ‬أهْدَابٌ‭ ‬تَطرُدُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬جِسْمٍ‭ ‬غَريبٍ‭ ‬يَخرُجُ‭ ‬مَعَ‭ ‬هَواءِ‭ ‬الزَّفِيرِ‭. 

وَفَجأَةً‭ ‬قَالَ‭ ‬أحَدُ‭ ‬التَّلامِيذِ‭:‬

يَا‭ ‬لَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬جِهَازٍ‭ ‬تَنَفُسِيٍّ‭ ‬مَنَحنَا‭ ‬اللهُ‭ ‬إيَّاهُ‭! ‬وَلكنْ‭ ‬كَيْفَ‭ ‬يُمْكِنُنَا‭ ‬الحِفَاظُ‭ ‬عَليْهِ‭?‬

رَدَّ‭ ‬الأُستَاذُ‭:‬

لَقَد‭ ‬حماه‭ ‬اللهُ‭ ‬مسبقاً‭, ‬ودعانا‭ ‬لِلْحِفاظِ‭ ‬عَليْهِ‭, ‬حَيثُ‭ ‬خَلقَ‭ ‬مَوقِعَهُ‭ ‬دَاخِلَ‭ ‬القَفَصِ‭ ‬الصَّدْرِيِّ‭, ‬وَلكِن‭ ‬هَذَا‭ ‬لاَ‭ ‬يَمنَعُنَا‭ ‬مِنْ‭ ‬أنْ‭ ‬نُحافِظَ‭ ‬عَليْهِ‭ ‬بِأَلاَ‭ ‬تَشْتَمَّ‭ ‬رِئَتُنَا‭ ‬إِلاَّ‭ ‬الهَواءَ‭ ‬النَّقِيِّ‭, ‬وَنُبْعِدَ‭ ‬عَنهَا‭ ‬الهَواءَ‭ ‬المُلَوَّثَ‭ ‬مِثلَ‭ ‬هَواءِ‭ ‬دُخَّانِ‭ ‬السَّجَائِرِ‭. ‬

ثُمَّ‭ ‬غَيَّرَ‭ ‬الأُسْتَاذُ‭ ‬الصُّورَةَ‭, ‬ليُعَوِّضَهَا‭ ‬بِصُورَةِ‭ ‬رِئَةٍ‭ ‬سَوْدَاءَ‭ ‬مَنْظَرهَا‭ ‬مُقَزِّزٌ‭ ‬وَقالَ‭ ‬لَهُم‭:‬

هَذِهِ‭ ‬هِيَ‭ ‬رِئَةُ‭ ‬المُدَخِّنِ‭, ‬فَبعْدَ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُصبِحَ‭ ‬المُدَخِّنُ‭ ‬مُدْمِناً‭, ‬تَبدَأُ‭ ‬رِئَتَاهُ‭ ‬بِاسْتِقْبَالِ‭ ‬الغَازَاتِ‭ ‬المُتَعَفِّنَةِ‭ ‬والمواد‭ ‬الضارة‭ ‬مِثْلَ‭ ‬النِّيكُوتِينِ‭ ‬وَالزِّفْتِ‭ ‬والقَطْرانِ‭...  ‬إِلَى‭ ‬أنْ‭ ‬تُصَابَ‭ ‬بِدَاءِ‭ ‬السَّرَطَانِ‭, ‬فَيمُوتَ‭ ‬الإِنْسان‭, ‬وَعلَى‭ ‬المُدخِّنِ‭ ‬أنْ‭ ‬يُكثِر‭ ‬مِنْ‭ ‬شُربِ‭ ‬الحَليبِ‭ ‬عِندَمَا‭ ‬يُقلِعُ‭ ‬عَنِ‭ ‬التَّدخِينِ‭, ‬لِكَيْ‭ ‬تَعودَ‭ ‬رِئَتهُ‭ ‬لِلونِهَا‭ ‬وَعَملهَا‭ ‬الطَّبِيعِيَيْنِ‭.‬

فقَالَ‭ ‬الأَبُ‭ ‬لنَجيب‭: ‬

يَا‭ ‬إِلهِي‭ ‬كَمْ‭ ‬هَذَا‭ ‬مُقَزِّزٌ‭! ‬مَعْقولٌ‭ ‬أَنِّي‭ ‬أدَخِّنُ‭ ‬الزِّفتَ‭ ‬وَالقَطرَانَ‭?!‬

وَتَابَعَ‭ ‬كلاَمَهُ‭:‬

‭ ‬مِنَ‭ ‬اليَومِ‭ ‬فَصاعِداً‭ ‬سَأتْرُكُ‭ ‬السَّجَائِرَ‭ ‬وَأُكْثِرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬شُربِ‭ ‬الحَلِيبِ‭, ‬لأُحَافِظَ‭ ‬عَلىَ‭ ‬هَذَا‭ ‬الجِهَازِ‭ ‬العَظِيمِ‭!‬