شاركنا الحياةَ نوعٌ متقدِّمٌ آخر؟!

لا يوجد على سطح الأرض نوعٌ آخر*، غير الإنسان، يمتلك تاريخاً حضارياً حافلاً بالإنجازات العلمية والتكنولوجية. فماذا لو حدث فجأةً أن وُجِـدَ هذا النوع الآخر، ليشاركنا الحياة الأرضية؟!
ماذا لو وجدنا أفراداً من إنسان (نياندرثال)** يمشون بيننا في الأسواق، ويتخذون مساكنهم إلى جوارنا، ويطالبون بوظائف ودخل ثابت؟! والنياندرثال هو أقرب أشكال المخلوقات إلى هيئتنا الحالية، فهو إنسان بدائي، انحدر من أسلاف عاشت منذ 700 ألف سنة، هي نفسها أسلاف البشر الحاليين، ويحمل 20 في المئة من الجينات التي نحملها، لكنه اندثر منذ 28 ألف سنة بعد أن أزحناه نحن البشر الحاليين من خريطة الحياة. فماذا لو كان تمهل، أو كنا رحماء معه، ولم ندفعه إلى الاندثار، وأصبحنا نتمتع بكامل حقوقنا كمواطنين أرضيين؟!
لقد تطور البشر منذ ذلك الحين ليصبحوا على ما هم عليه من قدرات؛ فماذا لو أن مخلوقاً آخر تسنى له، على امتداد تلك الآلاف من السنين، أن يحظى بقدر ما تحقق لنا من تطور، واكتسب براعة معرفية وتكنولوجية، وأصبح نِدَّاً لنا؟! أو، ماذا لو انقسم النوع البشري إلى قسمين، ظل أحدهما مخلصاً جداً لأصله القديم، بينما نجح الآخر في التطور إلى فرع جديد؟
قد تكون هناك (سيناريوهات) أخرى، لكن هذه هي السيناريوهات الأقرب للتصور، لوجود نوعين من البشر على الأرض بالوقت الراهن. ولم يتحقق أيٌّ من هذه السيناريوهات، حتى الآن؛ ولكن إن افترضنا حدوثها، فهل نقتسم لقمتنا مع ذلك (الذكي الآخر)، المتعايش معنا، أم نمضي في صراع لا يلين، من أجل إثبات التفوق والسيادة؟
أغلبُ الظن أن الصراع بين البشر والأذكياء الآخرين من شركائهم في الأرض لن يهمد، وسيدور حول الموارد الطبيعية، التي كانت تمثل – مع اختلاف الفكر السياسي – مصادر القلاقل والنزاعات بين جماعات البشر أنفسهم، على مدى التاريخ البشري، بل إن الصراع من أجل الموارد هو الذي انتهى بتغلبنا، نحن البشر الحاليين، على شركائنا القدامى من النياندرثال.
ولنفترض أيضاً أن الصراع بين البشر ومزاحميهم، وقد استمر لعشرات الآلاف من السنين، لم يُحسم تماماً لصالح أحدهما، فهل يتكفل الزمن بقبول كل طرف للآخر، والاعتراف بتوازن كفتيهما؟ وهل تصل الأمور إلى هذه “التسوية” من خلال إعادة توزيع التجمعات البشرية، فيختص كل فريق بمناطق محددة جغرافياً، أو عن طريق التأقلم مع مختلف الموارد، فيطور الآخرون عاداتهم الغذائية، مثلاً، فلا يأكلون إلا الأسماك وغيرها من صيد البحر، ويتركون تربية الحيوانات الأرضية للبشر، الذين أصبحت نفوسُهم تعافُ الأسماك؟
وربما يكون ذلك مقروناً بتغيرات تطرأ على ثقافة التعامل مع الغير، فيعرف كل طرف أن عليه تحاشي الآخر. وذلك ما نراه الآن في حالة حيوانات أخرى، فإن اجتمع قردان على شجرة، مثلاً، يتجاهلُ كلٌّ منهما الآخر، طالما لا يوجد ما يتصارعان من أجله.
إن هؤلاء (الآخرين الأذكياء) قد يكونون من بيننا نحن البشر سكان الأرض، عندما ننجح في استيطان الكواكب الأخرى، التي قد تكون مأهولة بمخلوقات مغايرة، يمكننا أن نتخيلها تسأل نفسها الآن: ماذا لو نجح البشر الأرضيون في غزو كواكبنا؟!
* النوع: هو مرتبة تصنيفية في علم التصنيف، وهو يعرف على أنه مجموعة من الكائنات الحية القادرة على التزاوج فيما بينها.
** إنسان نياندرثال: هو الإنسان البدائي، استوطن أوربا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى، وانقرض من أوربا قبل 24.000 سنة.