السلحفاة الثرثارة والحكيم

السلحفاة الثرثارة والحكيم

جلس‭ ‬أرنوبُ‭ ‬الحكيمُ‭ ‬في‭ ‬بيتِهِ‭ ‬ليستقبلَ‭ ‬أصدقاءه‭ ‬الحيوانات،‭ ‬الذين‭ ‬يأتونَه‭ ‬كلَّ‭ ‬يومٍ؛‭ ‬ليشكون‭ ‬إليه‭ ‬متاعبهم‭ ‬ومشكلاتهم،‭ ‬فيستمع‭ ‬إليهم‭ ‬باهتمام،‭ ‬ثمَّ‭ ‬يقدمُ‭ ‬لهم‭ ‬النصائحَ‭ ‬المهمةَ،‭ ‬والأعشابَ‭ ‬الشافيةَ‭.‬

وذاتَ‭ ‬صباحٍ‭ ‬جاءت‭ ‬إليهِ‭ ‬السلحفاةُ‭ ‬الثرثارةُ،‭ ‬تريدُ‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يساعدَها،‭ ‬وقالت‭ ‬لهُ‭: ‬يا‭ ‬أرنوبُ‭ ‬الحكيمُ‭ ‬تعلمُ‭ ‬أنَّ‭ ‬حيواناتِ‭ ‬الغابةِ‭ ‬جميعًا‭ ‬يدعونني‭ ‬‮«‬السلحفاةَ‭ ‬الثرثارةَ‮»‬،‭ ‬وأريدُ‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تعالجَني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثرثرةِ‭.‬

ضحكَ‭ ‬أرنوبُ‭ ‬الحكيمُ‭ ‬ضحكةً‭ ‬كبيرةً،‭ ‬وقالَ‭ ‬لها‭ ‬مستغربًا‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تطلبينَه‭ ‬مني؟‭! ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أعالج‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الداءِ‭ ‬من‭ ‬قبل‭!‬

رأى‭ ‬أرنوبُ‭ ‬أنَّ‭ ‬ملامحَ‭ ‬الحزنِ‭ ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬وجهِ‭ ‬السلحفاةِ؛‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يساعدها،‭ ‬فَكَرَ‭ ‬وفَكَرَ،‭ ‬ثمَّ‭ ‬خطرت‭ ‬له‭ ‬فكرةٌ‭ ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬لا‭ ‬تحزني‭ ‬يا‭ ‬صديقتي‭! ‬سأعالجك‭ ‬إذا‭ ‬وعدتني‭ ‬أن‭ ‬تحققي‭ ‬لي‭ ‬طلباً‭.‬

فرحت‭ ‬السلحفاة‭ ‬وأجابته‭ ‬مسرعة‭: ‬سأحققُ‭ ‬لك‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬تريدُ‭.‬

قال‭ ‬لها‭ ‬الحكيم‭:  ‬أريدُ‭ ‬منكِ‭ ‬أن‭ ‬تضعي‭ ‬في‭ ‬فمكِ‭ ‬حبةً‭ ‬من‭ ‬الفراولة،‭ ‬منذ‭ ‬خروجكِ‭ ‬من‭ ‬المنزلِ‭ ‬حتى‭ ‬تصلينَ‭ ‬إلى‭ ‬حيثُ‭ ‬تريدين،‭ ‬وأن‭ ‬تحافظي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬السقوط‭.‬

وعدته‭ ‬السلحفاةُ،‭ ‬وقد‭ ‬ظنَّت‭ ‬أن‭ ‬الأمرَ‭ ‬سهل‭. ‬

وفي‭ ‬الصباحِ‭ ‬خرجت‭ ‬السلحفاةُ‭ ‬مسرورةً؛‭ ‬لتجمعَ‭ ‬حباتِ‭ ‬الفراولة،‭ ‬فقد‭ ‬عزمت‭ ‬أن‭ ‬تُنفذَ‭ ‬ما‭ ‬طلبهُ‭ ‬منها‭ ‬الحكيم‭.‬

جاءت‭ ‬إليها‭ ‬رفيقتها‭ ‬ليخرجا‭ ‬معًا‭ ‬لزيارة‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬فوضعت‭ ‬السلحفاة‭ ‬حبة‭ ‬الفراولة‭ ‬في‭ ‬فمها،‭ ‬وخرجت‭ ‬معها،‭ ‬لكن‭ ‬الحبة‭ ‬سقطت‭ ‬بسرعة؛‭ ‬لأنها‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الكلام،‭ ‬ثم‭ ‬وضعت‭ ‬الثانية،‭ ‬فسقطت،‭ ‬ثم‭ ‬وضعت‭ ‬الثالثة،‭ ‬فسقطت،‭ ‬وهكذا‭ ‬امتلأ‭ ‬الطريق‭ ‬خلفها‭ ‬بالفراولة،‭ ‬وكان‭ ‬الحكيم‭ ‬يراقبها‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬وهو‭ ‬يضحك،‭ ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬خلفها‭ ‬مليئاً‭ ‬بالفراولة‭.‬

عادت‭ ‬السلحفاة‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬غاضبةً‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬فجلست‭ ‬إليها‭ ‬رفيقتها‭ ‬تخفف‭ ‬عنها‭ ‬وتواسيها،‭ ‬وتقول‭ ‬لها‭:‬‭ ‬لا‭ ‬تحزني‭ ‬ولا‭ ‬تهتمي،‭ ‬اتركي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬ولا‭ ‬تعودي‭ ‬إلى‭ ‬الحكيم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭! ‬فردت‭ ‬السلحفاة‭: ‬لا‭ ‬لا،‭ ‬لقد‭ ‬وعدت‭ ‬الحكيم،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬أفي‭ ‬بوعدي‭.‬

قالت‭ ‬لها‭ ‬صديقتها‭: ‬إذن‭ ‬اذهبي‭ ‬إليه‭ ‬وأخبريه‭ ‬أنك‭ ‬فشلت،‭ ‬لعله‭ ‬يجد‭ ‬لك‭ ‬حلًا‭ ‬غيره‭.‬

في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬ذهبت‭ ‬السلحفاة‭ ‬إلى‭ ‬الحكيم،‭ ‬وأخبرته‭ ‬أنها‭ ‬فشلت،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬صعب‭ ‬جدًّا،‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬عليه،‭ ‬فردّ‭ ‬عليها‭ ‬الحكيم‭ ‬ردًّا‭ ‬قويًّا‭ ‬حازمًا،‭ ‬قائلًا‭ ‬لها‭: ‬اسمعي‭... ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬الفشل،‭ ‬حاولي‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر،‭ ‬وأنت‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬النجاح،‭ ‬وسترين‭ ‬أنك‭ ‬ستصبحين‭ ‬أفضل‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

عزمت‭ ‬السلحفاة‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬لجمع‭ ‬حبات‭ ‬الفراولة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬تحدّث‭ ‬نفسها‭: ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أنجح‭ ‬مهما‭ ‬أتعبني‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬

ووضعت‭ ‬الفراولة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فمها،‭ ‬ثم‭ ‬الثانية،‭ ‬والثالثة،‭ ‬ولاحظت‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الفراولة‭ ‬الذي‭ ‬يسقط‭ ‬أصبح‭ ‬يقل‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬النجاح،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬استطاعت‭ ‬فيه‭ ‬السلحفاة‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬حبة‭ ‬الفراولة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فمها،‭ ‬ففرحت‭ ‬فرحًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬وأسرعت‭ ‬إلى‭ ‬الحكيم،‭ ‬وهي‭ ‬تنادي‭: ‬يا‭ ‬حكيم،‭ ‬لقد‭ ‬حققت‭ ‬أخيرًا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬طلبته‭ ‬مني،‭ ‬فأرجو‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭ ‬بعلاجي‭!‬

ضحك‭ ‬الحكيم‭ ‬وقال‭ ‬لها‭: ‬أعالجك‭ ‬من‭ ‬ماذا‭ ‬يا‭ ‬صديقتي؟‭! ‬لقد‭ ‬استطعت‭ ‬بصبرك‭ ‬وقوتك‭ ‬أن‭ ‬تعالجي‭ ‬نفسك‭ ‬بنفسك،‭ ‬لقد‭ ‬شفيت‭ ‬تمامًا،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاجين‭ ‬إلى‭ ‬علاج‭.‬

رسوم‭: ‬عدنان‭ ‬الخليدي