الفلاّح والشمس

عمل الفلاح بجدّ ونشاط في حقله، قلّب التربة، رمى البذر، شقّ السواقي، أعدّ الحفر، وغرس الفسائل. ثم جلس ينتظر، لكن السماء لم تمطر فلم ينبت له في حقله نبات. تساءل بصوت حزين مرتفع:
لماذا أمسكت السماء عن القطر يا ترى؟
سمعته الشمس المتوهّجة، فأجابته:
لقد رحلت الغمامة المثقلة بحبّات الماء بعيداً عن هنا.
تساءل مرة أخرى: أتراها ترجع لتسقي حقلي وتحييه بمائها الزلال؟
ردّت الشمس: لا... لا أظنها ستعود إلى هنا قريبًا أيها الفلاح.
قال الفلاح منزعجًا: لماذا أيتها الشمس الصديقة؟
ردّت الشمس في هدوء: لقد ارتاعت وفزعت من سلوك كائن يعيش هنا.
قال الفلاح مستغربًا: كائن! أيّ كائن هذا لأزجره وأؤدبه؟
قالت: إنه كائن يحبّ نفسه وينسى حبّ غيره، تهمّه فقط سعادته ولو على حساب حزن وتعاسة الآخرين.
ردّ الفلاح بغضب شديد: لعلّه الذئب الذي يأكل الغنم، أو الحدأة الماكرة التي تخطف الكتاكيت.
قالت الشمس: لا أيها الفلاح. إنه أنت أيها الصديق العزيز
هتف الفلاح مستنكرًا: أنا، كيف؟
أجابته الشمس مؤنّبة: ألم تقم بقطع جزء من الغابة المجاورة ليصبح حقلك أوسع مساحة؟ وبفعلتك هذه تسببت في تدمير النباتات والأشجار وتخريب أعشاش الطيور وموت فراخها. هل تعرف أن تلك الأشجار كانت مسكنًا ومصدر غذاء لكائنات متنوعة، كالحشرات والزواحف وصغار الحيوانات.
قال الفلاح متلعثمًا: فعلت ذلك حقًا، لكني لم أكن أقصد شرًا.
تابعت الشمس عتابها: لقد انزعجت الغمامة الطيبة وغضبت منك يوم ألقيت بلا مبالاة بقايا المبيدات الزراعية والأسمدة الفاسدة في البحيرة المجاورة، وتسبّبت بنفوق أسماك بريئة وتشويه أخرى. وأنبأتنا الطيور الصديقة أن بيض السمك تعفّن، وأن ماء البحيرة قد صار خبيث الرائحة كريه الطعم.
أطرق الفلاح رأسه أسفًا وقال: لقد أخطأت حقًا، يا لها من أفعال قبيحة اقترفتها، ويالها من آلام قاسية سبّبتها للآخرين!
قالت الشمس: من الجميل أن يعترف المرء بأخطائه، لكن الأجمل أن يصلح ما أفسده ولو بغير قصد منه، فما رأيك؟
أجاب الفلاح في حماس: موافق طبعًا، ووعد مني أن أعيد تشجير بقعة الأرض التي قطعتها، بأشجار وارفة الظلال طيبة الثمار، حتى يصبح المكان حولنا مروجًا خضراء وحدائق غنّاء تعبق بشذى الورود والأزهار العطرة.
ابتسمت الشمس قائلة: إذن سترجع الطيور مرّة أخرى، وسيسامحك الجميع.
واصل الفلاح كلامه: لن أرمي مخلّفات سمادي ومبيداتي في البحيرة أبدًا بعد اليوم، سأذهب وأنظف مياهها وجوانبها من النفايات، سأخوض في الماء وسأستعمل الجاروف والعتلة والشباك. تساءلت الشمس في لطف: هل يسرّك أن أقدم لك يد العون أيها الفلاح؟
اندهش الفلاح وهتف: ما أحوجني إلى ذلك أيتها الصديقة! أخبريني كيف؟
ردّت الشمس في هدوء: سأسلّط أشعتي المتوهّجة نحو البحيرة وبحرارتها سيتبخر الماء الملوث، سيسهل عليك حينها أن تنظف البحيرة من داخلها، بعدها سأنادي على صديقتي الغمامة لتعيد لنا ملء البحيرة بالماء النقي الصافي مرة أخرى.
صاح الفلاح مهللاً: فكرة رائعة من صديقة رائعة. ثم قال بصوت خافت: لكنني أغضبت الغمامة فهل تقبل أن تعود؟
أجابت الشمس في ثقة: اطمئن، إنها طيبة وتحب البشر والشجر والحيوانات، تسقي الجميع ماءها حباً وكرماً كي تمنحهم الحياة. سأرسل حينها صديقنا الريح في طلبها، وأعرف أنها ستعود. عمل الفلاح بجدّ وعزم، أعاد تشجير الغابة المقطوعة كما وعد. فعادت بعدها الغمامة الطيبة تدفعها الريح وهي مثقلة بحمولتها من حبّات الماء الزلال. وفي يوم أمطرت فوق الغابة والبحيرة والمروج ولم تنس أيضًا حقل الفلاح.
رسوم: نهى الدخان