الفيل الذي أراد أن يعبر النهر

الفيل الذي أراد أن يعبر النهر

داخل‭ ‬دغل‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الجميلة‭ ‬السمراء‭, ‬إفريقيا‭ - ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ - ‬وعندما‭ ‬يأوي‭ ‬الصغار‭ ‬إلى‭ ‬فراشهم‭, ‬تقوم‭ ‬الأم‭ ‬الحاكمة‭, ‬الفيلة‭ ‬العجوز‭ ‬عيثوم‭, ‬لتحكي‭ ‬للصغار‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬أجدادهم‭, ‬الممتد‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭, ‬فالفيلة‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭, ‬فتراهم‭ ‬يعتمدون‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬تاريخهم‭, ‬وأهم‭ ‬أحداثه‭, ‬جيلا‭ ‬خلف‭ ‬جيل‭, ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المشافهة‭. ‬ولعل‭ ‬حكاية‭ ‬الفيل‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬النهر‭, ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬القصة‭ ‬الأهم‭ ‬والأبرز‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفيلة‭ ‬الحديث‭.‬

تقول‭ ‬الأم‭ ‬الحاكمة‭, ‬الفيلة‭ ‬العجوز‭ ‬عيثوم‭: ‬إنه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬القطيع‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدغل‭ ‬الفسيح‭, ‬بأشجاره‭ ‬الجميلة‭, ‬وعيون‭ ‬الماء‭ ‬المنتشرة‭ ‬فيه‭, ‬وبركة‭ ‬السباحة‭ ‬المتجددة‭, ‬كانت‭ ‬الأفيال‭ ‬قد‭ ‬مرت‭ ‬بسنوات‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬والقحط‭. ‬ندرت‭ ‬فيها‭ ‬المراعي‭, ‬وتوقفت‭ ‬السماء‭ ‬زمنا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تجود‭ ‬بخيرها‭, ‬فجفت‭ ‬بركة‭ ‬الماء‭, ‬وذوت‭ ‬الأشجار‭, ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬النهر‭ ‬الصغير‭ ‬ظهر‭ ‬قاعه‭ ‬أخيرا‭ ‬أسود‭ ‬متشققا‭. ‬فبدأت‭ ‬الحيوانات‭ ‬تهاجر‭ ‬تباعاً‭, ‬طلبا‭ ‬للكلأ‭ ‬والماء‭. ‬وكانت‭ ‬قبيلة‭ ‬الفيلة‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬القبائل‭ ‬التى‭ ‬بقيت‭ ‬داخل‭ ‬الأرض‭ ‬القاحلة‭, ‬أملا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعاود‭ ‬السماء‭ ‬صب‭ ‬مائها‭. ‬

وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭, ‬وعندما‭ ‬كان‭  ‬الفيلة‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬السعي‭, ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬قلته‭, ‬كان‭ ‬الفيل‭ ‬الصغير‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمراً‭ ‬مختلفاً‭ ‬تماماً‭, ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬ينجزه‭, ‬فمع‭ ‬كل‭ ‬طلعة‭ ‬شمس‭ ‬حارقة‭, ‬كان‭ ‬الفيل‭ ‬الصغير‭ ‬يختفي‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬القبيلة‭. ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬أين‭ ‬يذهب‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يعود‭, ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬بسؤاله‭, ‬ظنا‭ ‬منهم‭, ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يجتهد‭ ‬لطلب‭ ‬الطعام‭. ‬مر‭ ‬وقت‭, ‬والقبيلة‭ ‬مازالت‭ ‬تسكن‭ ‬الأرض‭ ‬القاحلة‭, ‬فبدأ‭ ‬الطعام‭ ‬يندر‭, ‬عندها‭ ‬قرروا‭ ‬الهجرة‭, ‬فاتفقوا‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬في‭ ‬الصباح‭. ‬وعندما‭ ‬نامت‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الصباح‭, ‬بدأت‭ ‬السماء‭ ‬تنير‭ ‬وتضج‭ ‬بأصوات‭ ‬صاخبة‭, ‬وفجأة‭ ‬انهمرت‭ ‬السماء‭ ‬بالأمطار‭, ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تمطر‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

فرحت‭ ‬الفيلة‭, ‬وارتعد‭ ‬الصغار‭ ‬الحديثو‭ ‬العهد‭ ‬بهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الطبيعية‭, ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الفيلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬تخبرهم‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬الحدوث‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭. ‬استمرت‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬الهطل‭ ‬وقتاً‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭, ‬حتى‭ ‬تعذرت‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬الفيلة‭ ‬تماما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬امتلأت‭ ‬الأرض‭ ‬بالماء‭ ‬وكادت‭ ‬الفيلة‭ ‬تغرق‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬النهر‭, ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭. ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعلو‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭,‬‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬تعبر‭, ‬فالفيلة‭ ‬لا‭ ‬تجيد‭ ‬صنع‭ ‬الجسور‭?!‬

‮«‬أنا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬العبور‮»‬‭... ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬الفيلة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬للفيل‭ ‬الصغير‭, ‬حتى‭ ‬كرر‭ ‬حديثه‭ ‬ثانية‭, ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬يعرف‭ ‬طريقة‭ ‬قريبة‭ ‬ومختصرة‭ ‬للعبور‭.‬

كان‭ ‬الفيل‭ ‬الشاب‭, ‬يذهب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬بعيداً‭, ‬بجوار‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭ ‬الأسود‭ ‬المتشقق‭, ‬عندما‭ ‬زلت‭ ‬قدمه‭, ‬وكاد‭ ‬يقع‭ ‬وتنكسر‭ ‬عظامه‭, ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬طريقه‭ ‬شجرة‭ ‬قوية‭,‬‭ ‬فأمسك‭ ‬بجذعها‭ ‬سريعا‭, ‬بواسطة‭ ‬خرطومه‭ ‬الطويل‭. ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬نجاته‭. ‬

وهكذا‭ ‬ظل‭ ‬الفيل‭ ‬الشاب‭, ‬وعرفانا‭ ‬منه‭ ‬بالجميل‭, ‬يذهب‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ليهتم‭ ‬بالشجرة‭ ‬المنزوية‭, ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬منتعشة‭ ‬ووارفة‭ ‬الظلال‭, ‬بل‭ ‬تمددت‭ ‬بأغصانها‭ ‬الضخمة‭ ‬والقوية‭ ‬عبر‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭, ‬ونبتت‭ ‬بجوارها‭ ‬أشجار‭ ‬من‭ ‬فصيلتها‭, ‬حذت‭ ‬حذوها‭, ‬فصارت‭ ‬تتمدد‭ ‬عبر‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭, ‬للنهر‭ ‬الأسود‭ ‬المتشقق‭, ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬جسر‭ ‬طبيعي‭, ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬صنعه‭ ‬حيوان‭. ‬

بدأت‭ ‬قبيلة‭ ‬الفيلة‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬السير‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة‭. ‬عندما‭ ‬لاح‭ ‬لها‭ ‬جسر‭ ‬عملاق‭ ‬أخضر‭ ‬يغطي‭ ‬ضفتي‭ ‬النهر‭, ‬لم‭ ‬يفطن‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬قبل‭, ‬صارت‭ ‬الفيلة‭ ‬تنظم‭ ‬عبور‭ ‬الجسر‭ ‬الأخضر‭ ‬العملاق‭, ‬حتى‭ ‬عبر‭ ‬الجميع‭ ‬بأمان‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭, ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬الفيل‭ ‬الصغير‭, ‬الذي‭ ‬أصر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يعبر‭, ‬ولكن‭ ‬زلت‭ ‬قدمه‭, ‬فاختل‭ ‬توازنه‭, ‬وكصخرة‭ ‬انفصلت‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬جبل‭ ‬شاهق‭, ‬كان‭ ‬لوقوعه‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الهادر‭, ‬دوي‭ ‬كدوي‭ ‬تلك‭ ‬الصخرة‭ ‬الساقطة‭. ‬جرف‭ ‬الماء‭ ‬الهادر‭ ‬جسد‭ ‬الفيل‭ ‬الصغير‭, ‬كما‭ ‬جرف‭ ‬معه‭ ‬الفرحة‭ ‬التي‭ ‬أبت‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬بنجاة‭ ‬القبيلة‭ ‬جميعها‭, ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬القبيلة‭ ‬الفيل‭ ‬الصغير‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭, ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭? ‬أم‭ ‬أن‭ ‬النهر‭ ‬قد‭ ‬ابتلعه‭ ‬بداخله‭ ‬رحمة‭ ‬به‭? ‬

سكتت‭ ‬الأم‭ ‬الحاكمة‭, ‬الفيلة‭ ‬العجوز‭ ‬عيثوم‭, ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬عيون‭ ‬الصغار‭, ‬وقد‭ ‬لمعت‭ ‬بالدموع‭ ‬الحارة‭. ‬