أسرار ثبات الطيور في الهواء

أسرار  ثبات الطيور  في الهواء

يسعدني‭ ‬أصدقائي‭ ‬وصديقاتي‭ ‬أن‭ ‬نبحر‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬شائقة‭ ‬لعالم‭ ‬الطيور‭ ‬الممتع‭ ‬والمثير،‭ ‬لنستعرض‭ ‬ما‭ ‬كشفه‭ ‬لنا‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬ونستكشف‭ ‬أداة‭ ‬جديدة‭ ‬يمكنها‭ ‬قياس‭ ‬القوة‭ ‬اللازمة‭ ‬للطائر‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تحليقه‭ ‬عالياً،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬نموذج‭ ‬آلي‭ ‬‮«‬روبوت‮»‬‭ ‬لطائر‭ ‬أو‭ ‬ببغاء‭ ‬صغير‭ ‬يقوم‭ ‬بالرفرفة‭ ‬والتحليق‭.‬

بينما‭ ‬كانت‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الطائر‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬طيرانه‭ ‬عالياً‭ ‬أمراً‭ ‬غامضاً،‭ ‬كان‭ ‬المهندسون‭ ‬حريصين‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬لأنها‭ ‬ستلهمهم‭ ‬تصاميم‭ ‬مستقبلية‭ ‬لطائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تحلّق‭ ‬وتحوم‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬بخفة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬كالعصافير،‭ ‬لذا‭ ‬حاول‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬القيام‭ ‬بدراسة‭ ‬وحساب‭ ‬القوى‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتحليق‭ ‬الطيور‭ ‬بوساطة‭ ‬بعض‭ ‬أجهزة‭ ‬الليزر‭ ‬لقياس‭ ‬تدفق‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طيران‭ ‬أحد‭ ‬الطيور‭ ‬بالمختبر،‭ ‬كي‭ ‬يقوم‭ ‬الخبراء‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بجمع‭ ‬تلك‭ ‬البيانات‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬رياضية‭ ‬معقدة‭ ‬لحساب‭ ‬قوة‭ ‬الأجنحة‭.‬

وتكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬واجهتهم‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬جسم‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬يتغير‭ ‬شكله‭ ‬عند‭ ‬الحركة،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدفق‭ ‬الهواء‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬للنماذج‭ ‬الصناعية‭ ‬الثابتة‭ ‬الشكل،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الحسابات‭ ‬غير‭ ‬دقيقة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للضرر‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بعيون‭ ‬الطيور‭ ‬من‭ ‬أشعة‭ ‬الليزر‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬قدم‭ ‬فريق‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬بولاية‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬الحسبة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬بقيادة‭ ‬مهندس‭ ‬الطيران‭ ‬ديفيد‭ ‬لينتنك،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتصميم‭ ‬صندوق‭ ‬خاص‭ ‬مزود‭ ‬بأجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬للقوة‭ ‬اللازمة‭ ‬للطيران‭.‬

كان‭ ‬الصندوق‭ ‬يساوي‭ ‬حجم‭ ‬قفص‭ ‬الطيور‭ ‬المعتاد،‭ ‬وله‭ ‬عمودان‭ ‬عاليان‭ ‬ومقدمة‭ ‬ظاهرة‭ ‬من‭ ‬الأكريليك،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬للعلماء‭ ‬برؤية‭ ‬الطائر‭ ‬أثناء‭ ‬طيرانه‭ ‬من‭ ‬عمود‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬فالصندوق‭ ‬مربع‭ ‬الشكل‭ ‬وقاعدته‭ ‬مزوّدة‭ ‬بأجهزة‭ ‬استشعار‭  ‬داخلية‭ ‬بنوابض‭ ‬تعمل‭ ‬بفكرة‭ ‬قاعدة‭ ‬ميزان‭ ‬الحمام‭ ‬اليومي‭ ‬نفسها،‭ ‬فكلما‭ ‬زادت‭ ‬قوة‭ ‬ضغط‭ ‬الوزن‭ ‬على‭ ‬القاعدة،‭ ‬قامت‭ ‬بالتسجيل‭ ‬جميعها‭ ‬معاً،‭ ‬لكن‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬التي‭ ‬ابتكرها‭ ‬‮«‬لينتنك‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لقياس‭ ‬وزن‭ ‬الطائر،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬لقياس‭ ‬القوة‭ ‬المتولدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يحلق‭ ‬فيها‭ ‬الطائر‭ ‬بأجنحته‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬داخل‭ ‬الصندوق،‭ ‬فيعمل‭ ‬الهواء‭ ‬على‭  ‬دفع‭ ‬أرضية‭ ‬الصندوق‭ ‬لنقل‭ ‬وتسجيل‭ ‬القوة‭. ‬

ومن‭ ‬العجيب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬المتصلة‭ ‬بأرضية‭ ‬الصندوق‭ ‬فائقة‭ ‬الحساسية،‭ ‬فأحياناً‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بتسجيل‭ ‬قوة‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬داخل‭ ‬المختبر،‭ ‬لذا‭ ‬قام‭ ‬الباحث‭ ‬بإيقاف‭ ‬تشغيل‭ ‬مكيف‭ ‬الهواء‭ ‬أثناء‭ ‬التجربة‭ ‬عند‭ ‬ملاحظته‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭.‬

أجرى‭ ‬فريق‭ ‬البحث‭ ‬تجاربه‭ ‬مستخدماً‭ ‬ببغاوين‭ ‬صغيرين‭ ‬وأطلقوا‭ ‬اسمي‭ ‬راي‭ ‬وجاجا‭ ‬عليهما،‭ ‬وتم‭ ‬تدريب‭ ‬الببغاوين‭ ‬الصغيرين‭ ‬بلونهما‭ ‬الأبيض‭ ‬والسماوي‭ ‬الفاتح‭ ‬على‭ ‬الطيران‭ ‬من‭ ‬عمود‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وبعد‭ ‬قيامهما‭ ‬بالطيران‭ ‬يقوم‭ ‬الباحثون‭ ‬بمكافأتهم‭ ‬ببعض‭ ‬الحبوب‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الطائر‭ ‬بالرفرفة‭ ‬يستخدم‭ ‬ضعف‭ ‬القوة‭  ‬اللازمة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الجاذبية‭ ‬الأرضية‭  ‬لرفع‭ ‬وزنهم‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى،‭ ‬وعند‭ ‬كل‭ ‬رفرفة‭ ‬للأعلى‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الطائر‭ ‬لبذل‭ ‬القوة،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الرفرفة‭ ‬والتحليق‭ ‬للأعلى‭ ‬لا‭ ‬يتعارضان‭ ‬مع‭ ‬الجاذبية‭ ‬الأرضية‭ ‬بالمرة‭. ‬

عند‭ ‬التحليق‭ ‬يرفرف‭ ‬الطائر‭ ‬بجناحيه‭ ‬فيضرب‭ ‬أحدهما‭ ‬بالآخر،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الطيور‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الجاذبية‭ ‬الأرضية‭ ‬بشكل‭ ‬كاف‭ ‬لإبقائها‭ ‬محلقة‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬المبهجة‭ ‬أصدقائي‭ ‬الصغار‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬لينتنك‭ ‬صمّم‭ ‬تجربته‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يؤذي‭ ‬الطيور،‭ ‬كذلك‭ ‬أظهر‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬إضافة‭ ‬الحركة‭ ‬إلى‭ ‬التجربة،‭ ‬كما‭ ‬أخبرنا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬تنفيذ‭ ‬تجربته‭ ‬بنماذج‭ ‬للطيور،‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬تطويرها‭.‬

وعلق‭ ‬الباحث‭ ‬جيم‭ ‬آشرود‭ ‬خبير‭ ‬آلية‭ ‬حركة‭ ‬الحيوانات‭ ‬والطيور‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬الملكية‭ ‬للطب‭ ‬البيطري‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬لينتنك‮»‬‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إنها‭ ‬بالفعل‭ ‬تجربة‭ ‬منطقية‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الطيور،‭ ‬فبعض‭ ‬الطيور‭ ‬تفرد‭ ‬أجنحتها‭ ‬أثناء‭ ‬الطيران‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الطائرات،‭ ‬كطائر‭ ‬النورس‭ ‬الذي‭ ‬يمدد‭ ‬جناحيه‭ ‬ليوازن‭ ‬ثقله‭ ‬حتى‭ ‬أثناء‭ ‬التحليق‭ ‬عالياً،‭ ‬وبعض‭ ‬الطيور‭ ‬الأخرى‭ ‬ترفع‭ ‬أجنحتها‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬لتحلق‭ ‬ببطء‭ ‬مثل‭ ‬الطيور‭ ‬الطنانة‭.‬

ونرى‭ ‬أصدقائي‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬‮«‬لينتنك‮»‬‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الرأي‭ ‬وأن‭ ‬اكتشافه‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الطيور،‭ ‬لذلك‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬مناورات‭ ‬صعبة،‭ ‬كإضافة‭ ‬الدوران‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬أو‭ ‬التحليق‭  ‬لتطوير‭ ‬تجربته‭.‬