صَفِيّة والدفتر.. وعُلبة بيض

صَفِيّة والدفتر.. وعُلبة بيض

كان‭ ‬المُؤذّن‭ ‬يُعْلِنُ‭ ‬مَوْعِد‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء‭ ‬عندما‭ ‬جلست‭ ‬صفيّة‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬خشبيّة‭ ‬عتيقة‭ ‬تتوسّط‭ ‬غرفة‭ ‬المَعِيشة‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬اجتهدت‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬ترتيبها‭ ‬وتأثيثها،‭ ‬بما‭ ‬تنسجه‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬بُسط‭ ‬وسجّاد‭ ‬بديعة‭ ‬الألوان‭ ‬وتصنعه‭ ‬من‭ ‬مِخدّات‭ ‬عجيبة‭ ‬الأشكال‭.‬

من‭ ‬الحقيبة‭ ‬المدرسية،‭ ‬أخرجت‭ ‬صفيّة‭ ‬مِقلمة‭ ‬وكتاب‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ثم‭ ‬كراسة‭ ‬إنجاز‭ ‬الواجبات‭ ‬المنزلية‭. ‬فتحت‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬الصفحة‭ ‬المحدّدة‭ ‬وشرعت‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭ ‬قراءة‭ ‬متأنية‭ ‬قبل‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الفهم‭ ‬والتفكير‭ ‬ثم‭ ‬البحث‭ ‬فالاستثمار‭. ‬ظلّت‭ ‬صفيّة‭ ‬تتأمّلُ‭ ‬النصّ‭ ‬وتَفْحَصُهُ‭ ‬فقرة‭ ‬فقرة،‭ ‬حتى‭ ‬انْجَلَتْ‭ ‬أفكارُه‭ ‬وَوَضُحَتْ‭ ‬مَعانيه،‭ ‬فصار‭ ‬بإمكانها‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭: ‬قراءة‭ ‬الأسئلة،‭ ‬فهمها‭ ‬ثم‭ ‬تحرير‭ ‬الإجابات‭ ‬بعناية‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬التمارين‭ ‬البَيْتِيّة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التلميذة‭ ‬صفيّة‭ ‬ستكتشف‭ ‬بعد‭ ‬هُنَيْهَة‭ ‬أمراً‭ ‬جديداً‭ ‬لَرُبّما‭ ‬سيمنعها‭ ‬الليلة‭ ‬من‭ ‬إتمام‭ ‬مهمّتها‭ ‬على‭ ‬النّحو‭ ‬الأكمل‭!‬

‭_ ‬ربّاه‭! ‬أوراق‭ ‬دفتري‭ ‬كلّها‭ ‬مُستعمَلة‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬البتّة‭ ‬لأيّ‭ ‬فراغ‭ ‬أسجّل‭ ‬فيه‭ ‬حلول‭ ‬التمارين‭! ‬يا‭ ‬إلهي‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟‭ ‬وكيف‭ ‬سأتصرّف‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الأمر؟

اغْرَوْرَقَت‭ ‬عَيْنا‭ ‬صفيّة‭ ‬بالدموع،‭ ‬وطَأطَأت‭ ‬رأسها‭ ‬في‭ ‬أسى‭ ‬وحزن‭. ‬وخِلال‭ ‬دموعها‭ ‬رأت‭ ‬مدرّس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الحازم‭ ‬يمرّ‭ ‬بين‭ ‬الصفوف‭ ‬مُفتقداً‭ ‬ومُتتبّعاً‭ ‬إنجازات‭ ‬التلاميذ‭ ‬فرداً‭ ‬فرداً؛‭ ‬يُشجّع‭ ‬هذا‭ ‬ويُثَمِّنُ‭ ‬عمل‭ ‬ذاك‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬بَلَغ‭ ‬مقعدها‭ ‬نظر‭ ‬إليها‭ ‬مَلِيّا‭ ‬ثم‭ ‬خاطبها‭ ‬بصوته‭ ‬الجَهْوَرِيّ‭: ‬هذا‭ ‬إهمال‭ ‬لم‭ ‬أعْتَدْهُ‭ ‬منكِ‭ ‬يا‭ ‬صفيّة‭! ‬كان‭ ‬عليكِ‭ ‬اقتناء‭ ‬دفتر‭ ‬ثان‭ ‬احتياطيّ‭ ‬قبل‭ ‬نفاد‭ ‬أوراق‭ ‬الدفتر‭ ‬الأول‭! ‬يظهر‭ ‬أنك‭ ‬أمضيتِ‭ ‬النهارَ‭ ‬نِصْفَه‭ ‬في‭ ‬اللّهو‭ ‬ومشاهدة‭ ‬التلفاز‭ ‬وعندما‭ ‬تذكّرتِ‭ ‬واجباتك‭ ‬المدرسيّة‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬وهَمَمْتِ‭ ‬بإنجازها؛‭ ‬واجهتكِ‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى‭: ‬نَفَادُ‭ ‬أوراق‭ ‬الكرّاسة‭! ‬لَشَدّ‭ ‬ما‭ ‬أنتِ‭ ‬لا‭ ‬مُبالية‭ ‬صغيرتي‭!!‬

انحدرت‭ ‬دموع‭ ‬صفيّة‭ ‬على‭ ‬خدّها‭ ‬الشاحب‭ ‬مثل‭ ‬شلاّل‭ ‬هادر،‭ ‬وخِلال‭ ‬دموعها‭ ‬رأت‭ ‬والدتها‭ ‬المسكينة‭ ‬تحمل‭ ‬حزمات‭ ‬عظيمة‭ ‬من‭ ‬الحطب‭ ‬والعيدان‭ ‬الجافة‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬وتخطو‭ ‬ببطء‭ ‬ومشقّة،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬بلغت‭ ‬فناء‭ ‬الدار‭ ‬تخفّفت‭ ‬من‭ ‬الثقل،‭ ‬ملقية‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬مخاطبتها‭ ‬بصوت‭ ‬مُتقطّع‭ ‬لاهِث‭: ‬انظري‭ ‬حبيبتي‭ ‬كم‭ ‬أكِدُّ‭ ‬وأشقى‭ ‬من‭ ‬أجلك‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تدبير‭ ‬مصاريف‭ ‬تعليمك‭. ‬أنا‭ ‬بُنيّتي‭ ‬أرملة‭ ‬وأنت‭ ‬يتيمة‭ ‬فاجتهدي‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬دروسك،‭ ‬عسى‭ ‬الله‭ ‬يفتح‭ ‬لنا‭ ‬أبواب‭ ‬الخير‭ ‬ويُنعِم‭ ‬عليكِ‭ ‬مستقبلاً‭ ‬بوظيفة‭ ‬تُخرجُنا‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬وضَنْكِ‭ ‬المَعِيشة‭!‬

كادت‭ ‬صفيّة‭ ‬تصرخ‭ ‬من‭ ‬شدّة‭ ‬الحزن‭ ‬والألم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المسكينة‭ ‬حبست‭ ‬صوت‭ ‬بُكائها‭ ‬واضعة‭ ‬راحَةَ‭ ‬يَدِها‭ ‬الصغيرة‭ ‬على‭ ‬فمها‭ ‬كَيْمَا‭ ‬تُبقي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬نفسها‭ ‬فلا‭ ‬تُقلِق‭ ‬والدتها‭ ‬المشغولة‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬المجاورة‭ ‬والمُنْكبّة‭ ‬على‭ ‬نَسْج‭ ‬زربية‭ ‬جديدة‭ ‬مُخصّصة‭ ‬للبيع‭. ‬وهكذا‭ ‬أحبائي‭ ‬قرّرت‭ ‬صفيّة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلّ‭ ‬لهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬وتحمّل‭ ‬نتيجة‭ ‬إهمالها‭ ‬بمفردها‭.‬

‭- ‬يمكنني‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬دُكّان‭ ‬العمّ‭ ‬صالح‭! (‬فكّرت‭ ‬صفيّة‭) ‬لكن‭ ‬الدكان‭ ‬بعيد‭ ‬وليس‭ ‬بقريتنا‭ ‬أعمدة‭ ‬كهربائية‭ ‬كافية‭ ‬لإنارة‭ ‬الطريق‭! ‬لا‭... ‬لن‭ ‬أخاطر‭ ‬بنفسي‭! ‬ستمزّقني‭ ‬الكلاب‭ ‬قطعة‭ ‬قطعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أصِل‭ ‬إلى‭ ‬الدكان‭!‬

همستْ‭ ‬لنفسها‭ ‬في‭ ‬مَرارة‭ ‬ناظِرة‭ ‬بأسف‭ ‬وحسرة‭ ‬إلى‭ ‬أدواتها‭ ‬المدرسية‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭: ‬المقلمة‭... ‬كتاب‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ودفتر‭ ‬واجباتها‭ ‬المنزلية‭ ‬الذي‭ ‬نفدت‭ ‬أوراقه‭! ‬والحقيقة‭ ‬يا‭ ‬أصدقائي‭ ‬أن‭ ‬التلميذة‭ ‬صفيّة‭ ‬أوْشَكَت‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬وإعلان‭ ‬حاجتها‭ ‬للمساعدة‭ ‬بصُراخ‭ ‬عالٍ‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬لولا‭ ‬الفكرة‭ ‬الطريفة‭ ‬التي‭ ‬خطرت‭ ‬ببالها‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الدفتر‭... ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الدفتر‭ ‬الذي‭ ‬نفدت‭ ‬أوراقه‭ ‬في‭ ‬غَفْلة‭ ‬منها‭.‬

‭_ ‬الحلّ‭! ‬الحلّ‭! ‬سأحرّر‭ ‬الإجابات‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬الدفتر‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الداخلية‭! ‬كادت‭ ‬تطير‭ ‬فرحاً‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬فَتَرَ‭ ‬حماسها‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬غلاف‭ ‬الدفتر‭ ‬لونه‭ ‬داكِن،‭ ‬ولن‭ ‬يسمح‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬خطّها‭ ‬عليه‭. ‬اعْتَدَلَتْ‭ ‬صفيّة‭ ‬في‭ ‬جلستها،‭ ‬أخذت‭ ‬نفساً‭ ‬عميقاً‭ ‬وظلت‭ ‬صامتة‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬تُفكر‭ ‬وتُفكر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬بَصَرها‭ ‬عن‭ ‬غلاف‭ ‬الدفتر‭ ‬الغامق‭ ‬اللون،‭ ‬وفجأة‭ ‬تذكّرت‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭... ‬شيئاً‭ ‬تستطيع‭ ‬الكتابة‭ ‬عليه‭ ‬بخطّ‭ ‬واضح‭: ‬علبة‭ ‬البيض‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬مقوّى‭ ‬فاتح‭ ‬اللون‭ ‬وأملس‭! ‬

وفي‭ ‬خفة‭ ‬الغزال،‭ ‬جرت‭ ‬صفيّة‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلحظ‭ ‬أمّها‭ ‬مرورها‭ ‬ثم‭ ‬تسلّلت‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬تخزين‭ ‬الحبوب‭ ‬والسكر‭ ‬والزيت‭ ‬والبيض‭. ‬أخذت‭ ‬العلبة‭ ‬وأفرغتها‭ ‬بحذر‭ ‬شديد‭ ‬ورجعت‭ ‬بذات‭ ‬الرشاقة‭ ‬والنشاط‭ ‬إلى‭ ‬طاولتها‭ ‬والفرح‭ ‬يغمر‭ ‬قلبها‭.‬

‭- ‬سامحيني‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬حلاً‭ ‬آخر‭.. ‬غداً‭ ‬قبل‭ ‬رجوعك‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬ستجدين‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬مكانه‭. ‬أنا‭ ‬أُحْسِنُ‭ ‬نَشْرَ‭ ‬المُكعّب‭ ‬ومتوازي‭ ‬المستطيلات‭ ‬بدِقة‭ ‬أستاذ‭ ‬الرياضيات‭ ‬نفسها‭. ‬سأعيد‭ ‬جَمْعَ‭ ‬وجوه‭ ‬هذه‭ ‬العلبة‭ ‬الستة،‭ ‬ولن‭ ‬تَتْلَف‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أمي‭!‬

ردّدت‭ ‬صفيّة‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬والمقصّ‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬يتتبّع‭ ‬أحرف‭ ‬العلبة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬قَصّ‭ ‬ونَشْرٍ‭ ‬دقيقة‭... ‬وخلال‭ ‬ساعة‭ ‬كانت‭ ‬وجوه‭ ‬المجسّم‭ ‬الناصعة‭ ‬البياض‭ ‬مزيّنة‭ ‬بإجابات‭ ‬صفيّة‭ ‬التي‭ ‬تفنّنت‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭ ‬بخط‭ ‬أزرق‭ ‬واضح‭ ‬جميل‭!‬

و‭ ‬لعلّكم‭ ‬الآن‭ ‬يا‭ ‬أصدقائي‭ ‬ترغبون‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬لصفيّة‭ ‬صبيحة‭ ‬الغد‭ ‬عندما‭ ‬أخرجت‭ ‬من‭ ‬حقيبتها‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬العجيب‭. ‬بعض‭ ‬التلاميذ‭ ‬ضحكوا‭ ‬منها‭ ‬وسخروا‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬فتحوا‭ ‬أعينهم‭ ‬في‭ ‬استغراب‭ ‬واندهاش،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظل‭ ‬معظمهم‭ ‬صامتين‭ ‬ينتظرون‭ ‬ردّة‭ ‬فعل‭ ‬الأستاذ‭ ‬وهو‭ ‬يُقلّب‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬الورق‭ ‬المقوّى‭ ‬ويتفحّص‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬صفيّة‭ ‬من‭ ‬إجابات‭.‬

‭- ‬لقد‭ ‬نفدت‭ ‬أوراق‭ ‬دفتري‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬واكتشفتُ‭ ‬ذلك‭ ‬ليلة‭ ‬البارحة‭ ‬فلم‭ ‬أستطع‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬العلبة‭ ‬سبيلاً‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬تَسَبّبَ‭ ‬فيها‭ ‬عَدَمُ‭ ‬تفقّدي‭ ‬لأدواتي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭..‬

لَمْ‭ ‬تتمالك‭ ‬صفيّة‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬شدّة‭ ‬الخوف‭ ‬والتردّد،‭ ‬فَسَالَ‭ ‬دَمْعُها‭ ‬بغزارة‭ ‬وساد‭ ‬القسم‭ ‬صمت‭ ‬طويل،‭ ‬قطعه‭ ‬أخيراً‭ ‬صوت‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجَهْوَرِيّ‭ ‬مخاطباً‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬التلاميذ‭ ‬جميعهم‭:‬

‭- ‬من‭ ‬فضلكم؛‭ ‬قفوا‭ ‬وصفقوا‭ ‬لصديقتكم‭ ‬صفيّة،‭ ‬فهي‭ ‬اليوم‭ ‬تُعَلّمنا‭ ‬درساً‭ ‬عظيماً‭ ‬في‭ ‬الجدّ‭ ‬والعمل‭ ‬وإنجاز‭ ‬المطلوب‭ ‬مِنّا‭ ‬متى‭ ‬اعترضت‭ ‬طريقنا‭ ‬صِعابٌ‭ ‬أو‭ ‬مفاجآت‭. ‬لقد‭ ‬وجدتْ‭ ‬صفيّةُ‭ ‬الذكيّة‭ ‬حَلاً‭ ‬لمشكلتها‭ ‬ولم‭ ‬تُهمِل‭ ‬واجباتها‭ ‬البيتية‭. ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬تفادي‭ ‬الورطة‭ ‬لو‭ ‬تفقّدت‭ ‬لوازم‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مُبكّر،‭ ‬لكنها‭ ‬تستحق‭ ‬وافر‭ ‬التقدير‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬فكرتها‭ ‬الخلاّقة‭ ‬وإجاباتها‭ ‬الصحيحة‭ ‬المُنظمة‭.‬

ثم‭ ‬أخذ‭ ‬الأستاذ‭ ‬نشر‭ ‬العلبة‭ ‬ووضعه‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الفصل‭... ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬التلاميذ‭ ‬يصفّقون‭ ‬ويهنئون‭ ‬صفيّة‭ ‬على‭ ‬فكرتها‭ ‬الطريفة،‭ ‬ويتأمّلون‭ ‬من‭ ‬مقاعدهم‭ ‬العلبة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التشريف،‭ ‬كانت‭ ‬صفيّةُ‭ ‬المسكينة‭ ‬تُفكّر‭ ‬في‭ ‬أمْر‭ ‬البيض‭ ‬الذي‭ ‬بَسَطَتْه‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬غرفة‭ ‬التخزين‭. ‬هل‭ ‬تُصارح‭ ‬أمّها‭ ‬بالحقيقة‭ ‬وتطلب‭ ‬منها‭ ‬العَفْوَ‭ ‬والسّماح،‭ ‬أم‭ ‬تُفكّر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬طريفة‭ ‬جديدة‭ ‬لحلّ‭ ‬مشكلتها؟

ناقِشْ‭ ‬صديقي،‭ ‬صديقتي‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬مع‭ ‬والديك‭ ‬أو‭ ‬زملائك‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬الحيّ،‭ ‬ثمّ‭ ‬اقْتَرحْ‭ ‬حلولاً‭ ‬مناسبة‭ ‬لمشكلة‭ ‬صفيّة‭ ‬الجديدة‭: ‬مشكلة‭ ‬علبة‭ ‬البيض‭!‬