إندونيسيا.. أرض الخيال

إندونيسيا..  أرض الخيال

اِشْتَرى‭ ‬والِدايَ‭ ‬بَيْتاً‭ ‬كَبيراً،‭ ‬تُحيطُ‭ ‬بِهِ‭ ‬حَديقةٌ،‭ ‬كُلُّها‭ ‬وُردٌ‭ ‬وزُهورٌ،‭ ‬وتَتَوَسَّطُها‭ ‬أَيْكَةٌ‭ (‬شَجَرَةٌ‭ ‬ضَخْمَةٌ‭ ‬مُلْتَفَّةٌ‭ ‬غُصونُها‭) ‬أجْلِسُ‭ ‬تَحْتَها‭ ‬في‭ ‬أوْقاتِ‭ ‬فَراغي،‭ ‬إمَّا‭ ‬لأَقْرَأَ‭ ‬كِتاباً،‭ ‬أوْ‭ ‬لأَلْعَبَ‭ ‬مَعَ‭ ‬أخي‭ ‬الصَّغيرِ‭. ‬وذاتَ‭ ‬يَوْمٍ،‭ ‬خَطَرَتْ‭ ‬بِبالي‭ (‬لاحَتْ‭ ‬بِذِهْني‭) ‬فِكْرَةٌ‭ ‬غَريبةٌ،‭ ‬تَرَدَّدْتُ‭ ‬كَثيراً‭ ‬في‭ ‬إخْبارِ‭ ‬والِدَيَّ‭ ‬بِها،‭ ‬لأَنَّني‭ ‬لا‭ ‬أعْمَلُ‭ ‬شَيْئاً‭ ‬إلاَّ‭ ‬بِعِلْمِهِما‭. ‬ولَمَّا‭ ‬طَرَحْتُ‭ ‬فِكْرَتي‭ ‬عَلَيْهِما،‭ ‬ضَمَّني‭ ‬أبي‭ ‬إلَيْهِ‭ ‬قائلاً‭:‬

ما‭ ‬أسْعَدَني‭ ‬بِذَكائِكَ‭!... ‬غَداً،‭ ‬يَوْمُ‭ ‬عُطْلَةٍ،‭ ‬سَنَتَعاوَنُ،‭ ‬نَحْنُ‭ ‬الاِثْنَيْنِ‭ ‬مَعاً،‭ ‬على‭ ‬بِناءِ‭ ‬كوخٍ‭ ‬صَغيرٍ‭ ‬فَوْقَ‭ ‬الأَيْكَةِ‭!‬

لَمْ‭ ‬أَنَمْ‭ ‬تِلْكَ‭ ‬اللَّيْلَةَ،‭ ‬وبَقيتُ‭ ‬مُسْتَيْقِظاً‭ ‬طولَها،‭ ‬أُفَكِّرُ‭ ‬في‭ ‬شَكْلِ‭ ‬كوخي،‭ ‬بَلْ‭ ‬لا‭ ‬أُصَدِّقُ‭ ‬أنَّ‭ ‬أبي،‭ ‬فِعْلاً،‭ ‬سَيُحَقِّقُ‭ ‬حُلْمي‭!... ‬لَكِنَّني‭ ‬تَأَكَّدْتُ‭ ‬صَباحاً،‭ ‬عِنْدَما‭ ‬أخَذَني‭ ‬إلى‭ ‬الْقَبْوِ‭ (‬خَزينٍ‭ ‬أرْضي‭) ‬وأخْرَجَ‭ ‬مِنْهُ‭ ‬ألْواحاً‭ ‬خَشَبِيَّةً،‭ ‬ومِنْشاراً‭ ‬ومِطْرَقَةً‭ ‬ومَساميرَ،‭ ‬مُخْتَلِفَةً‭ ‬أحْجامُها،‭ ‬وصِرْنا‭ ‬نَقيسُ‭ ‬ونَنْجُرُ‭ ‬ونُسَمِّرُ،‭ ‬اللَّوْحَةَ‭ ‬مَعَ‭ ‬الأُخْرى،‭ ‬كَأنَّنا‭ ‬في‭ ‬وَرْشَةِ‭ ‬نِجارَةٍ،‭ ‬حَتَّى‭ ‬أكْمَلْنا‭ ‬بِناءَ‭ ‬الْكوخِ‭. ‬ثُمَّ‭ ‬نادَيْنا‭ ‬على‭ ‬جارِنا،‭ ‬لِيُساعِدَنا‭ ‬على‭ ‬نَقْلِهِ‭ ‬إلى‭ ‬أعْلى‭ ‬الأَيْكَةِ،‭ ‬بِواسِطةِ‭ ‬حِبالٍ‭ ‬مَتينَةٍ‭ (‬قَوِيَّةٍ‭)!... ‬فَكُنْتُ‭ ‬في‭ ‬الْعُطَلِ،‭ ‬أصْعَدُ‭ ‬السُّلَمَ‭ ‬إلى‭ ‬كوخي‭ ‬الْجَميلِ،‭ ‬الَّذي‭ ‬تُغَطِّيهِ‭ ‬الأغْصانُ‭ ‬والأوْراقُ،‭ ‬لأَنْعَمَ‭ ‬بِالْهُدوءِ‭ ‬والرَّاحَةِ،‭ ‬وأسْمَعَ‭ ‬تَغاريدَ‭ ‬الْعَصافيرِ،‭ ‬وأشُمَّ‭ ‬الْهَواءَ‭ ‬الْعَليلَ‭ (‬الطَّيِّبَ‭)!... ‬ولَنْ‭ ‬أنْسى‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬الْمَساءَ،‭ ‬حينَ‭ ‬سَمِعْتُ‭ ‬نَقْراً‭ ‬على‭ ‬الْبابِ،‭ ‬فَأسْرَعْتُ‭ ‬لأَفْتَحَهُ،‭ ‬وإذا‭ ‬بي‭ ‬أَجِدُ‭ ‬لَقْلاقاً‭ ‬مُبَلَّلاً‭ ‬بِالْمَطَرِ،‭ ‬

يَرْتَعِشُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْبَرْدِ‭ ‬الْقارِسِ،‭ ‬فَأدْخَلْتُهُ‭ ‬ونَشَّفْتُهُ‭ ‬ودَفَّأْتُهُ‭ ‬بِغِطاءٍ‭ ‬صوفِيٍّ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬أحْضَرْتُ‭ ‬لَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَيْتِنا‭ ‬سَمَكاً‭ ‬لَذيذاً،‭ ‬وتَرَكْتُهُ‭ ‬هُناكَ‭!... ‬وصَباحاً‭ ‬باكِراً،‭ ‬خَرَجْتُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْبَيْتِ،‭ ‬فَوَجَدْتُهُ‭ ‬بِالْبابِ‭ ‬يَقْلَقُ‭ ‬بِصَوْتٍ‭ ‬خَفيضٍ،‭ ‬كَيْلا‭ ‬يوقِظَ‭ ‬الْجيرانِ‭:‬

‭- ‬ماذا‭ ‬تُريدُ،‭ ‬يا‭ ‬صَديقي؟

‭- ‬جِئْتُ‭ ‬لأَشْكُرَكَ‭ ‬على‭ ‬عِنايَتِكَ‭ ‬بي،‭ ‬قَبْلَ‭ ‬أنْ‭ ‬أنْصَرِفَ‭ ‬إلى‭ ‬إنْدونيسْيا‭ ‬لأَلْتَقِيَ‭ ‬بِأَصْدِقائي‭ ‬اللَّقالِيقِ‭!‬

  ‬أشْرَقَتْ‭ ‬فِكْرَةٌ‭ ‬في‭ ‬ذِهْني،‭ ‬فَقُلْتُ‭ ‬لَهُ‭: ‬هَلْ‭ ‬تَأخُذُني‭ ‬مَعَكَ‭ ‬إلى‭ ‬هَذا‭ ‬الْبَلَدِ‭ ‬الْكَبيرِ؟

أجابَني‭ ‬فَرِحاً‭: ‬بِكُلِّ‭ ‬سُرورٍ‭!... ‬ألَمْ‭ ‬تُنْقِذْني‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمَطَرِ‭ ‬والْبَرْدِ؟‭... ‬وألَمْ‭ ‬تَعْتَنِ‭ ‬بي،‭ ‬حَتَّى‭ ‬عادَ‭ ‬إلَيَّ‭ ‬نَشاطي‭ ‬وصِحَّتي؟‭... ‬لَكِنْ،‭ ‬يَنْبَغي‭ ‬أنْ‭ ‬تُخْبِرَ‭ ‬والِدَيْكَ‭ ‬بِرَغْبَتِكَ‭ ‬في‭ ‬السَّفَرِ‭ ‬مَعي‭!‬

‭- ‬طَبْعاً،‭ ‬سَأُخْبِرُ‭ ‬أَبَوَيَّ،‭ ‬انْتَظِرْني‭ ‬قَليلاً‭!‬

عُدْتُ‭ ‬إلى‭ ‬صَديقي‭ ‬اللَّقْلاقِ،‭ ‬وأنا‭ ‬أكادُ‭ ‬أطيرُ‭ ‬فَرَحاً‭: ‬لَقَدْ‭ ‬وافَقَ‭ ‬والِدايَ‭ ‬على‭ ‬مُرافَقَتِكَ‭ ‬في‭ ‬رِحْلَتِكَ،‭ ‬شَرْطَ‭ ‬ألاَّ‭ ‬أتَاخَّرَ‭ ‬عَنْهُما‭ ‬كَثيراً‭!‬

صَعِدْتُ‭ ‬السُّلَّمَ‭ ‬بِسُرْعَةٍ،‭ ‬ودَخَلْتُ‭ ‬كوخي،‭ ‬فَحَلَّقَ‭ (‬اِرْتَفَعَ‭) ‬اللَّقْلاقُ‭ ‬فَوْقَ‭ ‬الأَيْكَةِ،‭ ‬وأَمْسَكَ‭ ‬بِالْحَبْلِ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬طارَ‭ ‬بِهِ،‭ ‬وأنا‭ ‬أُطِلُّ‭ ‬مِنْ‭ ‬نافِذَتِهِ،‭ ‬أتَأمَّلُ‭ (‬أَنْظُرُ‭ ‬بِدِقَّةٍ‭) ‬الأرْضَ‭ ‬بِبُحورِها‭ ‬وأنْهارِها،‭ ‬وبِجِبالِها‭ ‬وسُهولِها،‭ ‬وبِمُدُنِها‭ ‬وقُراها‭... ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬رَأيْتُ‭ ‬في‭ ‬الْمُحيطِ‭ ‬الْهِنْدي‭ ‬بَيْنَ‭ ‬قارَّتَيْ‭ ‬آسْيا‭ ‬وأُسْتْرالْيا،‭ ‬أرْخَبيلاً‭ ‬مُكَوَّناً‭ ‬مِنْ‭ ‬سَبْعَةَ‭ ‬عَشَرَ‭ ‬ألْفاً‭ ‬وخَمْسِمِئَةٍ‭ ‬وثَمانِ‭ ‬جُزُرٍ،‭ ‬بَيْنَ‭ ‬كَبيرَةٍ‭ ‬وصَغيرَةٍ،‭ ‬ومَسْكونَةٍ‭ ‬وفارِغَةٍ‭ (‬يَزيدُ‭ ‬عَدَدُها‭ ‬ويَنْقُصُ‭ ‬بِفِعْلِ‭ ‬الْمَدِّ‭ ‬والْجَزْرِ‭) ‬فَأخْبَرَني‭ ‬بِأنَّنا‭ ‬بَلَغْنا‭ ‬إنْدونيسْيا‭ ‬الْعَجيبَةَ،‭ ‬الْمَعْروفَةَ‭ ‬بِجُزُرِها‭ ‬غَيْرِ‭ ‬الْمُتَشابِهَةِ؛‭ ‬فَكُلٌّ‭ ‬مِنْها‭ ‬لَها‭ ‬ثَقافَتُها‭ ‬الْخاصَّةُ،‭ ‬ولُغَتُها‭ ‬وعاداتُها‭ ‬وطَعامُها‭. ‬واسْمُها‭ ‬أُخِذَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْكَلِمَتَيْنِ‭: ‬اللاَّتينِيَّةِ‭ (‬إنْدوسْ‭) ‬وتَعْني‭ (‬الْهِنْدَ‭) ‬والإغْريقِيَّةِ‭ (‬نيسوسْ‭) ‬وتَعْني‭ (‬جَزيرَةً‭) ‬فََأُشْرِكَتا‭ ‬مَعاً‭ ‬لِتُصْبِحَا‭ (‬جُزُرَ‭ ‬أوْ‭ ‬أَرْخَبيلَ‭ ‬الْهِنْدِ‭)!‬

قُلْتُ‭ ‬لَهُ،‭ ‬وأنا‭ ‬أنْظُرُ‭ ‬إلى‭ ‬جُزُرِها‭ ‬الْبَهِيَّةِ‭ (‬الْحَسَنةِ‭): ‬يا‭ ‬لَها‭ ‬مِنْ‭ ‬شَواطِئَ‭ ‬جَذَّابَةٍ،‭ ‬تُحيطُ‭ ‬بِإحْدى‭ ‬الْجُزُرِ‭!‬

  ‬أشارَ‭ ‬بِرَأْسِهِ،‭ ‬وفَخَّمَ‭ ‬صَوْتَهُ‭ (‬ضَخَّمَهُ‭) ‬عِنْدَ‭ ‬نُطْقِهِ‭ ‬باسْمِها‭: ‬إذا‭ ‬كُنْتَ‭ ‬تَعْني‭ ‬تِلْكَ‭ ‬الْجَزيرَةَ،‭ ‬فَهِيَ‭ (‬بالي‭) ‬الْمُنْتَجَعُ‭ ‬الْبَحْري‭ ‬الْعالَمي‭ (‬مَكانُ‭ ‬الرَّاحَةِ‭) ‬لِلتَّمَتُّعِ‭ ‬بِحَمَّاماتِ‭ ‬الشَّمْسِ،‭ ‬ومُمارَسَةِ‭ ‬الرِّياضَةِ‭ ‬الْمائِيَّةِ،‭ ‬كَالْغَطْسِ‭ ‬والسِّباحَةِ،‭ ‬صُحْبَةَ‭ ‬الْحَيَوناتِ‭ ‬الْبَحْرِيَّةِ،‭ ‬غَيْرِ‭ ‬الْمُؤْذِيَّةِ،‭ ‬مِنْها‭ ‬الأَطومُ‭ (‬طَويلُ‭ ‬الْجِسْمِ‭ ‬بِيَدَيْنِ‭ ‬فَقَط‭) ‬والدُّلْفينُ‭ ‬صَديقُ‭ ‬الإنْسانِ،‭ ‬وسَمَكَةُ‭ ‬الشَّيْطانِ‭ (‬عَريضَةٌ‭ ‬الْجِسْمِ،‭ ‬غَيْرُ‭ ‬مُشَوَّكَةٍ‭)..‬اُنْظُرْ‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬باتورْ‮»‬‭ ‬أكْبَرَ‭ ‬بُحَيْراتِها،‭ ‬بِمِساحَةِ‭ ‬خَمْسَةَ‭ ‬عَشَرَ‭ ‬كيلومِتْراً‭ ‬مُرَبَّعاً‭. ‬وهُناكَ‭ ‬‮«‬جيتْ‭ ‬جيتْ‮»‬‭ ‬أشْهَرُ‭ ‬شَلاَّلاتِها،‭ ‬يَمْلأُ‭ ‬جَداوِلَها‭ (‬أنْهارَها‭ ‬الصَّغيرَةَ‭) ‬وسَواقِيَها‭ ‬مِياهاً‭ ‬عَذْبَةً،‭ ‬لِيَسْقِيَ‭ ‬بِها‭ ‬حُقولَ‭ ‬الْبُنِّ‭ ‬والْقَرَنْفُلِ‭ ‬والْكاوْكاوْ‭...! ‬

صِحْتُ‭ ‬بِهِ،‭ ‬وفي‭ ‬قَلْبي‭ ‬شَوْقٌ‭ ‬لأَجولَها‭: ‬كَفى،‭ ‬صَديقي،‭ ‬كلاماً،‭ ‬وأَنْزِلْني‭ ‬لأَجوبَها‭ (‬أطوفَها‭) ‬بِرِجْلَيَّ،‭ ‬وأَراها‭ ‬بِعَيْنَيَّ‭!‬

اِبْتَسَمَ‭ ‬قائِلاً‭: ‬حَسَناً‭!... ‬لَيْسَ‭ ‬مَنْ‭ ‬سَمِعَ‭ ‬كَمَنْ‭ ‬رَأى‭... ‬اهْبِطْها‭ ‬بِسَلامٍ‭!‬

فَتَحْتُ‭ ‬بابَ‭ ‬كوخي،‭ ‬وانْصَرَفْتُ‭ ‬مِنْهُ،‭ ‬فَشاهَدْتُ‭ ‬مَوْجَةً‭ ‬مِنَ‭ ‬الرِّجالِ‭ ‬والنِّساءِ‭ ‬والأَطْفالِ،‭ ‬يَمْلأُونَ‭ ‬الطَّريقَ‭. ‬سَأَلْتُ‭ ‬طِفْلاً‭ ‬ماراًّ‭: ‬ماذا‭ ‬هُناكَ؟‭!... ‬هَلْ‭ ‬تَحْتَفِلونَ‭ ‬بِعيدٍ‭ ‬أوْ‭ ‬مُناسَبَةٍ؟‭!‬

ضَحِكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬سُؤالي،‭ ‬وأجابَني‭: ‬لا‭ ‬لا،‭ ‬ياصَديقي‭!... ‬كُلُّ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأَمْرِ،‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬بالي‮»‬‭ ‬تَكْثُرُ‭ ‬فيها‭ ‬الْحَدائِقُ‭. ‬فَهُناكَ‭ ‬مَنْ‭ ‬يَقْصِدُ‭ ‬حَديقَةَ‭ ‬الْفَراشاتِ،‭ ‬لِيُشاهِدَ‭ ‬مِنْها‭ ‬أشْكالاً‭ ‬وألْواناً‭ ‬مُتَنَوِّعَةً‭. ‬وهُناكَ‭ ‬مَنْ‭ ‬يَتَوَجَّهُ‭ ‬إلى‭ ‬حَديقَةِ‭ ‬الزَّواحِفِ،‭ ‬أوْ‭ ‬حَديقَةِ‭ ‬الْقُرودِ،‭ ‬أوْ‭ ‬حَديقَةِ‭ ‬الْفِيَلَةِ،‭ ‬الأَكْبَرِ‭ ‬في‭ ‬الْعالَمِ‭ ‬كُلِّهِ،‭ ‬أوْ‭ ‬إلى‭ ‬حَديقَةِ‭ ‬النَّباتاتِ،‭ ‬الَّتي‭ ‬يوجَدُ‭ ‬بِها‭ ‬أكْثَرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬ثَلاثَةِ‭ ‬آلافِ‭ ‬نَوْعٍ‭! ‬

شَكَرْتُ‭ ‬الطِّفْلَ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تابَعْتُ‭ ‬طَريقي،‭ ‬فَقابَلَني‭ ‬سوقٌ‭ ‬كَبيرٌ‭. ‬دَخَلْتُهُ،‭ ‬فَوَجَدْتُهُ‭ ‬غاصاًّ‭ (‬مَليئاً‭) ‬بِالْباعَةِ‭ ‬والْمُتَبَضِّعينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬أنْحاءِ‭ ‬الْعالَمِ‭. ‬وفي‭ ‬دَكاكينِهِ‭ ‬تُعْرَضُ‭ ‬تِذْكاراتٌ‭ ‬ذَهَبِيَّةٌ‭ ‬وفِضِّيَّةٌ‭ ‬ونُحاسِيَّةٌ‭ ‬وخَشَبِيَّةٌ،‭ ‬وتَماثيلُ‭ ‬حَيَواناتٍ،‭ ‬ومَنْسوجاتٌ‭ ‬تَقْليدِيَّةٌ،‭ ‬تَتَمَيَّزُ‭ ‬بِزَخاريفِها‭ ‬الْبَديعَةِ‭ (‬بِزيناتِها‭ ‬الْحَسَنَةِ‭) ‬فَاشْتَرَيْتُ‭ ‬مِنْها‭ ‬تُحَفاً‭ ‬لِكوخي،‭ ‬وهَدايا‭ ‬لأَبي‭ ‬وأُمِّي‭ ‬وأُخْتي‭.‬

تَرَكْتُ‭ ‬‮«‬بالي‮»‬،‭ ‬فَحَمَلَني‭ ‬اللَّقْلاقُ‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬باقورْ‮»‬‭ ‬الَّتي‭ ‬يُطْلِقونَ‭ ‬عَلَيْها‭ (‬مَدينَةَ‭ ‬الْمَطَرِ‭) ‬وفيها‭ ‬تَجِدُ‭ ‬نَفْسَكَ‭ ‬في‭ ‬عالَمٍ‭ ‬خَيالِيٍّ،‭ ‬لَمْ‭ ‬تَحْلُمْ‭ ‬بِهِ‭ ‬في‭ ‬حَياتِكَ،‭ ‬فَهِيَ‭ ‬توجَدُ‭ ‬في‭ ‬سَفْحِ‭ ‬جَبَلٍ‭ (‬أَسْفَلِهِ‭) ‬تُحيطُ‭ ‬بِها‭ ‬بَساتينُ‭ ‬وأراضٍ‭ ‬خِصْبَةٌ‭ (‬نَباتُها‭ ‬كَثيرٌ‭) ‬وشَلاَّلاتٌ،‭ ‬تَتَدَفَّقُ‭ ‬مِياهاً‭ ‬صافِيَةً،‭ ‬وغاباتُ‭ ‬حَيَواناتٍ‭ ‬قَليلَةِ‭ ‬الْوُجودِ،‭ ‬وتَتَوَسَّطُها‭ ‬مَنازِلُ‭ ‬ومَدارِسُ‭. ‬ويَكْفي‭ ‬أنَّ‭ ‬مِساحَةَ‭ ‬حَديقَتِها‭ ‬تَبْلُغُ‭ ‬سَبْعَةً‭ ‬وثَمانينَ‭ ‬هِكْتاراً،‭ ‬تُزَيِّنُها‭ ‬أشْجارٌ‭ ‬عالِيَةٌ،‭ ‬ومَتْحَفُ‭ ‬كَبيرٌ‭ ‬لِنَباتاتٍ‭ ‬مُخْتَلِفَةٍ،‭ ‬مِنْها‭ (‬رافيليسيا‭) ‬أكْبَرُ‭ ‬زَهْرَةٍ‭ ‬في‭ ‬الْعالَمِ،‭ ‬والتَّوابِلُ،‭ ‬والأَخْشابُ‭ ‬الْعِطْرِيَّةُ‭. ‬ولِكَيْ‭ ‬نُشاهِدَ‭ ‬الْحَيَواناتِ‭ ‬الْغَريبةَ،‭ ‬سَواءً‭ ‬الْبَرِّيَّةَ‭ ‬مِنْها‭ ‬أوِ‭ ‬الْبَحْرِيَّةَ،‭ ‬سِرْنا‭ ‬إلى‭ ‬حَديقةِ‭ ‬‮«‬سفاري‮»‬‭ ‬فَوَجَدْنا‭ ‬وَحيدَ‭ ‬الْقَرْنِ،‭ ‬ذا‭ ‬الْجُثَّةِ‭ ‬الضَّخْمَةِ،‭ ‬والْفيلَ‭ ‬والدُّبَّ،‭ ‬وسَحْلِيَّةَ‭ ‬‮«‬كومودو‮»‬‭ ‬التِّنِّينِيَّةَ‭ ‬الْعِمْلاقَةَ،‭ ‬والطُّيورَ‭ ‬الْمُتَأَنِّقَةَ‭ (‬الْمُزَيَّنَةَ‭) ‬بِريشِها‭ ‬الْمُلَوَّنِ،‭ ‬كَطُيورِ‭ ‬الْجَنَّةِ‭. ‬وفيها‭ ‬أَجْنِحَةٌ‭ ‬للألْعابِ‭ ‬الْبَهْلَوانِيَّةِ،‭ ‬وأُخْرى‭ ‬مُسَلِِّيَّةٌ‭ ‬لِلْمُغامَراتِ،‭ ‬كالسَّيَّاراتِ‭ ‬الْمُتَدافِعَةِ،‭ ‬والْحافِلاتِ‭ ‬الْمُعَلَّقةِ‭. ‬ثُمَّ‭ ‬طارَ‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ (‬جاكارْتا‭) ‬عاصِمَةِ‭ ‬إنْدونيسْيا‭ ‬فَوَجَدْتُها‭ ‬مُكْتَظَّةً‭ ‬بِالسُّكَّانِ،‭ ‬مُزْدَحِمَةً‭ ‬بِوَسائلِ‭ ‬النَّقْلِ‭. ‬فَعَدَدُ‭ ‬سُكَّانِها‭ ‬يَبْلُغُ‭ ‬تِسْعَةَ‭ ‬مَلايِينَ‭ ‬لَيْلاً،‭ ‬أحَدَ‭ ‬عَشَرَ‭ ‬مِلْيوناً‭ ‬نَهاراً،‭ ‬لأَنَّ‭ ‬الْعُمَّالَ‭ ‬يَأْتونَها‭ ‬مِنَ‭ ‬الْقُرى‭ ‬الْقَريبَةِ‭ ‬لِيَشْتَغِلوا‭ ‬فيها‭. ‬وهِيَ‭ ‬تَجْمَعُ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬الْمُتَناقِضاتِ،‭ ‬فَهُناكَ‭ ‬الْمَباني‭ ‬التَّاريـخِيَّةُ‭ ‬والْعَصْرِيَّةُ،‭ ‬والْعِماراتُ‭ ‬الْعِمْلاقَةُ‭ ‬والدُّورُ‭ ‬الصَّفيحِيَّةُ،‭ ‬والأَحْياءُ‭ ‬الصَّاخِبَةُ‭ ‬والْهادِئةُ‭. ‬وبِها‭ ‬مَتاحِفُ‭ ‬كَمَتْحَفِ‭ ‬الدُّمى،‭ ‬وأسْواقٌ‭ ‬لِصِناعَتِها‭ ‬الشَّعْبِيَّةِ،‭ ‬وحَدائِقُ،‭ ‬كَـ«حَديقَةِ‭ ‬الْفانْتازْيا‮»‬‭ ‬أوْ‮«‬حَديقَةِ‭ ‬الْخَيالِ‮»‬‭ ‬تَعْرِضُ‭ ‬عَوالِمَ‭ ‬التِّكْنولوجِيَّةِ‭ ‬الْحَديثَةِ‭. ‬فَالدُّمى‭ ‬تَتَّخِذُ‭ ‬أشْكالَ‭ ‬حَيَواناتٍ،‭ ‬لِتَتَحَرَّكَ‭ ‬وتَتَكَلَّمَ‭ ‬كَأَنَّها‭ ‬حَقيقِيَّةٌ،‭ ‬وتُحَدِّثُني‭ ‬عَنْ‭ ‬نَفْسِها‭. ‬واسْمُ‭ ‬جاكارْتا‭ ‬يَعْني‭ (‬الْمَدينَةَ‭ ‬الْمُنْتَصِرَةَ‭) ‬عِنْدَما‭ ‬هَزَمَ‭ ‬الْقائِدُ‭ ‬والْعالِمُ‭ ‬الْمُسْلِمُ‭ (‬سُونانُ‭ ‬جُونُوجِيتا‭) ‬الْبُرْتُغالِيِّينَ،‭ ‬وطَرَدَهُمْ‭ ‬مِنْها‭.  

واللُّغَةُ‭ ‬الإنْدونيسِيَّةُ‭ (‬باهاسا‭) ‬سَهْلَةٌ،‭ ‬يُمْكِنُني‭ ‬أنْ‭ ‬أتَعَلَّمَها‭ ‬بِسُرْعَةٍ،‭ ‬لأنَّ‭ ‬كَثيراً‭ ‬مِنْ‭ ‬كَلِماتِها‭ ‬بَسيطةٌ‭ ‬في‭ ‬النُّطْقِ،‭ ‬وتََتَكَرَّرُ،‭ ‬مِثْلَ‭: ‬نَعَمْ‭. ‬فإذا‭ ‬قُلْتُ‭: ‬سَأُسافِرُ،‭ ‬يَرُدُّ‭ ‬الآخَرُ‭: ‬نَعَمْ‭. ‬أوْ‭ ‬وَداعاً،‭ ‬يُجيبُني‭: ‬نَعَمْ‭. ‬أوْ‭ ‬سَأتَّصِلُ‭ ‬بِكَ‭ ‬هاتِفِياًّ،‭ ‬يَقولُ‭: ‬نَعَمْ،‭ ‬وهَكَذا‭... ‬لَكِنَّ‭ ‬باهاسا‭ ‬لَيْسَتِ‭ ‬اللُّغَةَ‭ ‬الْوَحيدَةَ‭ ‬في‭ ‬أَنْدونيسْيا،‭ ‬فَهُناكَ‭ ‬أكْثَرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬ثَلاثِمِئَةِ‭ ‬لُغَةٍ،‭ ‬عَدا‭ ‬اللَّهَجاتِ‭. ‬ومِنْ‭ ‬أَهَمِّ‭ ‬وَسائِلِ‭ ‬النَّقْلِ،‭ ‬تَجِدُ‭ ‬الدَّرَّاجَةَ‭ ‬النَّارِيَّةَ،‭ ‬فَهِيَ‭ ‬أسْرَعُ‭ ‬مِنَ‭ ‬السَّيَّارَةِ،‭ ‬طولُها‭ ‬مِئَةٌ‭ ‬وخَمْسَةَ‭ ‬عَشَرَ‭ ‬سَنْتِيمِتْراً،‭ ‬تَرْكَبُها‭ ‬الأُسْرَةُ‭ ‬كامِلَةً،‭ ‬أعْني‭ ‬الْوالِدَيْنِ‭ ‬وأبْناءَهُما‭ ‬الثَّلاثَةَ،‭ ‬وهُمْ‭ ‬في‭ ‬غايَةِ‭ ‬السُّرورِ‭ ‬والطُّمَأْنينَةِ‭. ‬وأحْياناً،‭ ‬تَرى‭ ‬الدَّرَّاجَةَ‭ ‬حامِلَةً‭ ‬جَبَلاً‭ ‬مِنَ‭ ‬الْبِرْسيمِ‭ (‬الْعَلَفِ‭) ‬ولا‭ ‬تَرى‭ ‬رَأْسَ‭ ‬سائِقِها‭ ‬إلاَّ‭ ‬إذا‭ ‬أمْعَنْتَ‭ ‬النَّظَرَ‭ (‬أطَالْتَهُ‭) ‬في‭ ‬مُقَدِّمَتِها‭. ‬أمَّا‭ ‬إذا‭ ‬أرَدْتَ‭ ‬أنْ‭ ‬تَدْخُلَ‭ ‬دُكَّاناً‭ ‬أوْ‭ ‬بَيْتاً،‭ ‬فَعَلَيْكَ‭ ‬أنْ‭ ‬تَنْتَبِهَ‭ ‬إلى‭ ‬الْبابِ،‭ ‬فَقَدْ‭ ‬يَشْتَرِطُ‭ ‬صاحِبُهُ‭ ‬أنْ‭ ‬تَخْلَعَ‭ ‬حِذاءَكَ‭ (‬تُزيلَهُ‭) ‬قَبْلَ‭ ‬الدُّخولِ،‭ ‬وتَتْرُكَهُ‭ ‬بِالْعَتَبَةِ‭ ‬الْخارِجِيَّةِ،‭ ‬كَيْ‭ ‬يَظَلَّ‭ ‬الْمَكانُ‭ ‬نَظيفاً‭ ‬مِمَّا‭ ‬يَعْلَقُ‭ ‬بِالأَحْذِيةِ‭ ‬مِنْ‭ ‬وَسَخٍ‭ ‬وغُبارٍ،‭ ‬وما‭ ‬تَنْشُرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬رَوائِحَ،‭ ‬فَهِيَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمَطَّاطِ‭ (‬مَوادُّ‭ ‬مِنَ‭ ‬الشَّجَرِ‭ ‬أوِ‭ ‬النَّفْطِ‭) ‬تَحْفَظُ‭ ‬الأَرْجُلَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمَطَرِ‭ ‬والْوَحَلِ‭... ‬غَيْرَ‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬أَعْجَبَني‭ ‬أكْثَرَ،‭ ‬هُوَ‭ ‬الاِبْتِسامَةُ‭ ‬الَّتي‭ ‬تَرْتَسِمُ‭ ‬على‭ ‬وُجُوهِ‭ ‬الإنْدُونيسِيِّينَ،‭ ‬فَقَلَّما‭ ‬تَرى‭ ‬وَجْهاً‭ ‬عابِساً‭ ‬أوْ‭ ‬غاضِباً،‭ ‬رَغْمَ‭ ‬فَقْرِهِمْ،‭ ‬لأنَّ‭ ‬أرْضَهُمْ‭ ‬خَضْراءُ،‭ ‬تَفْتَحُ‭ ‬قَلْبَكَ،‭ ‬وتَسُرُّ‭ ‬نَفْسَكَ،‭ ‬وتَشْرَحُ‭ ‬صَدْرَكَ‭ (‬تَبْسُطُهُ‭) ‬ولِنَفْتَرِضْ‭ ‬أَنَّكَ‭ ‬ابْتَسَمْتَ،‭ ‬مصادفة،‭ ‬في‭ ‬وَجْهِ‭ ‬أَحَدٍ،‭ ‬رَجُلٍ‭ ‬أوِ‭ ‬امْرَأَةٍ،‭ ‬فَإنَّهُ‭ ‬يَرُدُّ‭ ‬الاِبْتِسامَةَ‭ ‬حيناً،‭ ‬ولَوْ‭ ‬لَمْ‭ ‬تَكونا‭ ‬قَريبَيْنِ‭ ‬أوْ‭ ‬صَديقَيْنِ‭. ‬وهُمْ‭ ‬لا‭ ‬يُفْرِطونَ‭ ‬في‭ ‬الأَكْلِ‭ (‬لا‭ ‬يُكْثِرونَ‭ ‬مِنْهُ‭) ‬ويَكْتَفونَ‭ ‬بِما‭ ‬يَسُدُّ‭ ‬جوعَهُمْ،‭ ‬كَيْلا‭ ‬يُصابوا‭ ‬بِأَمْراضِ‭ ‬السُّمْنَةِ،‭ ‬ولأَنَّ‭ ‬‮«‬الْبِطْنَةَ‭ ‬تُذْهِبُ‭ ‬الْفِطْنَةَ‮»‬‭ (‬الْيَقَظَةَ‭ ‬والنَّباهَةَ‭). ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬الإنْدُونيسِيِّينَ‭ ‬كُرَماءُ،‭ ‬تَمْلأُ‭ ‬قُلوبَهُمُ‭ ‬الْمَحَبَّةُ،‭ ‬إنْ‭ ‬رَأَوْا‭ ‬أوْ‭ ‬سَمِعوا‭ ‬بِقَريبٍ‭ ‬أوْ‭ ‬صَديقٍ‭ ‬أوْ‭ ‬جارٍ‭ ‬مَريضٍ،‭ ‬يُعودونَهُ‭ (‬يَزورونَهُ‭) ‬ويُخَفِّفونَ‭ ‬عَنْهُ،‭ ‬ويُساعِدونَهُ‭ ‬بِكُلِّ‭ ‬ما‭ ‬لَدَيْهِمْ‭. ‬ويَكْفي‭ ‬أنْ‭ ‬أقولَ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬إِنَّني‭ ‬كُنْتُ‭ ‬في‭ ‬كوخي‭ ‬مُحَلِّقاً‭ (‬في‭ ‬الْعُلُوِّ‭) ‬فَشاهَدْتُ‭ ‬عَجَلَةَ‭ ‬شاحِنَةٍ‭ ‬تَتَفَرْقَعُ‭ (‬تَنْفَجِرُ‭) ‬فَتَوَقَّفَتْ‭ ‬جانِباً،‭ ‬وتَوَقَّفَتْ‭ ‬مَعَها‭ ‬صُفوفٌ‭ ‬مِنَ‭ ‬السَّيَّاراتِ‭ ‬والْحافِلاتِ،‭ ‬وتَرَجَّلَ‭ ‬سائِقوها‭ (‬نَزَلوا‭ ‬على‭ ‬أرْجُلِهِمْ‭) ‬حَتَّى‭ ‬تَكَوَّنَ‭ ‬مِنْهُمْ‭ ‬حَشْدٌ‭ ‬كَبيرٌ‭ (‬جَماعَةٌ‭) ‬وكُلُّهُمْ‭ ‬يُريدونَ‭ ‬أنْ‭ ‬يُساعِدوا‭ ‬سائِقَ‭ ‬الْحافِلَةِ‭ ‬على‭ ‬تَغْييرِ‭ ‬الْعَجَلَةِ‭!‬

يا‭ ‬لَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَلَدٍ‭ ‬جَميلٍ‭!... ‬كُلُّ‭ ‬ما‭ ‬فيهِ‭ ‬يَسُرُّ‭ ‬الْعَيْنَ‭ ‬والسَّمْعَ‭ ‬والْقَلْبَ؛‭ ‬شَعْبُهُ‭ ‬وأَرْضُهُ‭ ‬ونَباتُهُ‭ ‬وحَيَوانُهُ‭!.‬‭.. ‬لَقَدْ‭ ‬كُنْتُ‭ ‬أَوَدُّ‭ (‬أُحِبُّ‭) ‬أنْ‭ ‬أُطيلَ‭ ‬بَقائي‭ ‬فيهِ،‭ ‬لَكِنَّني‭ ‬خَشيتُ‭ (‬خِفْتُ‭) ‬أنْ‭ ‬يَقْلَقَ‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬والِدايَ،‭ ‬فَسَلَّمَ‭ ‬صَديقي‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬كوخي‭ ‬إلى‭ ‬لَقْلاقٍ‭ ‬آخَرَ،‭ ‬لِيُعيدَني‭ ‬إلى‭ ‬وَطَني،‭ ‬بينما‭ ‬بَقِيَ‭ ‬هُوَ‭ ‬هُناكَ‭ ‬مَعَ‭ ‬أقارِبِهِ‭ ‬وأصْدِقائهِ‭...! ‬

رسوم‭: ‬ماهر‭ ‬عبدالقادر