سكّر خالتي

سكّر خالتي

في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭, ‬أعدت‭ ‬لنا‭ ‬أمي‭ ‬طبقاً‭ ‬من‭ ‬الكعك‭ ‬اللذيذ‭ ‬الغني‭ ‬بالشوكولاتة‭ ‬والفواكه‭. ‬

إنه‭ ‬طبقنا‭ ‬المفضل‭, ‬الذي‭ ‬شاركنا‭ ‬به‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الزيارة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬لبيت‭ ‬جدي‭.‬

بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬صغار‭ ‬الأحفاد‭ ‬بأن‭ ‬موعد‭ ‬الكعك‭ ‬قد‭ ‬حان‭, ‬يتركون‭ ‬اللعب‭ ‬بالفناء‭ ‬مسرعين‭ ‬لأخذ‭ ‬نصيبهم‭ ‬منه‭, ‬انتظرت‭ ‬الكعكة‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭, ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يومها‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭ ‬بتلك‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬جائعاً‭, ‬وبدأت‭ ‬أشعر‭ ‬بالراحة‭ ‬لما‭ ‬أحضرت‭ ‬أختي‭ ‬الأطباق‭ ‬والملاعق‭ ‬الخاصة‭ ‬بالكعكة‭. ‬

وفجأة‭ ‬دخلت‭ ‬خالتي‭ ‬مع‭ ‬ولدها‭ ‬وابنتها‭, ‬وقام‭ ‬الجميع‭ ‬لتحيتها‭ ‬والترحيب‭ ‬بها‭, ‬ورأيت‭ ‬أمي‭ ‬تهمس‭ ‬لأختي‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭, ‬وتخبر‭ ‬ابنة‭ ‬خالي‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭, ‬كانت‭ ‬خالتي‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬قريبة‭ ‬ترقد‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬بسبب‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬السكر‭ ‬بالدم‭, ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أفهمه‭ ‬جيداً‭. ‬

اقتربت‭ ‬من‭ ‬أمي‭ ‬وسألتها‭ ‬ثانية‭: ‬أمي‭ ‬متى‭ ‬ستحضرون‭ ‬الكعكة‭? ‬أجابت‭ ‬بسرعة‭ ‬وبصوت‭ ‬منخفض‭: ‬الآن‭ ‬حضرت‭ ‬خالتك‭ ‬وهي‭ ‬مريضة‭ ‬بالسكر‭, ‬وتحب‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحلويات‭, ‬وهو‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬صحتها‭, ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬نأكل‭ ‬أمامها‭ ‬ما‭ ‬يضرها‭ ‬وتحبه‭, ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬علينا‭ ‬مراعاة‭ ‬المريض‭, ‬وأقل‭ ‬شيء‭ ‬يمكننا‭ ‬فعله‭ ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭ ‬قليلاً‭.‬

لا‭ ‬أتذكر‭ ‬حينها‭ ‬أنني‭ ‬سمعت‭ ‬أو‭ ‬فهمت‭ ‬آخر‭ ‬ثلاث‭ ‬جمل‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭.. ‬مع‭ ‬حبي‭ ‬الشديد‭ ‬لخالتي‭, ‬لكنني‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬تفهّم‭ ‬الوضع‭, ‬فقد‭ ‬شعرت‭ ‬بالضيق‭ ‬وخاب‭ ‬أملي‭. ‬

ومع‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أتذوق‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الكعكة‭ ‬بالذات‭, ‬وحدثت‭ ‬مواقف‭ ‬انتظار‭ ‬سابقة‭ ‬لأسباب‭ ‬أخرى‭, ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تفكيري‭ ‬تركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الكعكة‭, ‬فتوجهت‭ ‬نحو‭ ‬أمي‭ ‬ثانية‭ ‬علها‭ ‬تجد‭ ‬حلاً‭ ‬آخر‭ ‬مناسباً‭... ‬ولم‭ ‬تعطني‭ ‬إجابة‭ ‬سوى‭ ‬نظرة‭ ‬ضيق‭ ‬صامتة‭.  ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬بسيطة‭ ‬عادت‭ ‬خالتي‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭, ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬الوحيد‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬القلّة‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يتفهم‭ ‬الأمر‭, ‬مما‭ ‬أشعرني‭ ‬بالأسف‭ ‬على‭ ‬استعجالي‭, ‬فقد‭ ‬ضقت‭ ‬لأجل‭ ‬كعكة‭ ‬تذهب‭ ‬حلاوتها‭ ‬مع‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أكلها‭.‬

وحلّقت‭ ‬بي‭ ‬ذاكرتي‭ ‬لتسرد‭ ‬لي‭ ‬قصة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭, ‬وتوقفت‭ ‬يوم‭ ‬أصبت‭ ‬بالتهاب‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬الحلق‭, ‬ورأيت‭ ‬أخي‭ ‬يأكل‭ ‬المثلجات‭, ‬وشعرت‭ ‬بامتعاض‭ ‬شديد‭, ‬عندها‭ ‬هدأت‭ ‬مشاعري‭, ‬وتغير‭ ‬اتجاه‭ ‬أفكاري‭. ‬

هكذا‭ ‬تقول‭ ‬لي‭ ‬أمي‭: ‬العقل‭ ‬لا‭ ‬يمنح‭ ‬الإنسان‭ ‬أفكارا‭ ‬جميلة‭ ‬عندما‭ ‬يسرع‭ ‬به‭ ‬نحو‭ ‬خيار‭ ‬الضيق‭, ‬أو‭ ‬الحزن‭, ‬أو‭ ‬الغضب‭, ‬وعندما‭ ‬يكون‭ ‬محور‭ ‬اهتمام‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬فقط‭.‬

فكرت‭ ‬وبحثت‭ ‬في‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬واستعنت‭ ‬بأخي‭, ‬الذي‭ ‬يردد‭ ‬دائماً‭ ‬‮«‬اختيارك‭ ‬لكلمة‭ ‬بحثك‭, ‬يوصلك‭ ‬سريعاً‭ ‬لهدفك‮»‬‭, ‬فوجدت‭ ‬بحراً‭ ‬من‭ ‬الأطباق‭ ‬التي‭ ‬تناسب‭ ‬مرضى‭ ‬السكر‭, ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأطباق‭ ‬غنية‭ ‬بعناصر‭ ‬غذائية‭ ‬عالية‭ ‬الفائدة‭, ‬فرحت‭ ‬أمي‭ ‬كثيراً‭ ‬بالفكرة‭ ‬واختارت‭ ‬إحدى‭ ‬أفضل‭ ‬الوصفات‭, ‬وأعدت‭ ‬كعكاً‭ ‬طيب‭ ‬المذاق‭ ‬للزيارة‭ ‬العائلية‭, ‬وفرح‭ ‬الجميع‭, ‬خصوصاً‭ ‬خالتي‭.