لِمَاذَا لَمْ تَعُدِ العَصَافِيْرُ؟
هَلْ سَمِعْتُمْ مِثْلِيْ بِالمِصْبَاحِ السِّحْرِيِّ؟ أَنَا سَمِعْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَتَمَنَّيْتُ الحُصُوْلَ عَلَيْهِ أَيْضَاً.
سَأَقُوْلُ لَكمْ بِصَرَاحَةٍ: فِيْ بَيْتِنَا مِصْبَاحٌ زُجَاجِيٌّ قَدِيْمٌ، أَمْسَكْتُ بِهِ، فَرَكْتُ خَاصِرَتَهُ، صَدِّقُوْنِيْ، أَنَا لا أَمْزَحُ، قَلْتُ بِصَوْتٍ عَالٍ: اخْرُجْ أَيُّهَا المَارِدُ. كُنْتُ وَاثِقَاً إِذَا سَمِعَتْنِيْ أُمِّيْ فسَتَضْحَكُ كَثِيْرَاً، هَذَا مَا حَدَثَ حَقِيْقَةً، سَأَلَتْنِيْ: مَاذَا تَفْعَلُ يَا سَمِيْرُ؟! عَلَى مَا يَبْدُوْ أَنَّكَ تَحْلُمُ كَثِيْرَاً.
ـ لَكِنَّهُ حُلْمٌ جَمِيْلٌ ـ يَا أُمِّيْ ـ كَمَا أَنَّ قِصَّةَ المَارِدِ مُشَوِّقَةٌ أَيْضَاً.
ـ هَذَا صَحِيْحٌ، أَرْجُوْ أَلا تَشْغَلَ نَفْسَكَ بِهَذِهِ الأُمُوْرِ، يَا سُوْسُوْ. رَبَتَتْ عَلَى كَتِفِيْ، وَتَابَعَتْ: اِحْلَمْ بِأَشْيَاءَ تَتَحَقَّقُ، هَذَا أَفْضَلُ.
دَخَلْتُ غُرْفَتِيْ، أَمَامَ المَرْسَمِ الصَّغِيْرِ وَقَفْتُ، وَبِقَلَمِ الرَّصَاصِ رَسَمْتُ مِصْبَاحَاً سِحْرِيَّاً، كَمَا يَحْلُوْ لِيْ، لَوَّنْتُهُ بِأَلْوَانٍ رَمَادِيَّةٍ، تُرَابِيَّةٍ، صَفْرَاءَ، تُنَاسِبُ قِدَمَهُ، تَوَقَّفْتُ فَجْأَةً، أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَكُمْ: هَلْ تَعْرِفُوْنَ لِمَاذَا يُسْتَخْدَمُ المِصْبَاحُ السِّحْرِيُّ؟
سَأَلْتُكُمْ هَذَا، لأَنَّنِيْ اِحْتَرْتُ هَلْ أَرْسُمُ فِيْ دَاخِلِهِ شُعْلَةَ نَارٍ؟ مَعْلُوْمَاتِيْ تَقُوْلُ: إِنَّهُ لا يُسْتَعْمَلُ للإِضَاءَةِ، بَلْ لإِخْرَاجِ المَارِدِ مِنْهُ فَقَطْ.
حَسَناً، هُنَا فَوْقَ الفَتِيْلِ، سَأَرْسُمُ شُعْلَةَ نَارٍ بِالأصْفَرِ وَالأَحْمَرِ، أَضْغَطُ عَلَى الفُرْشَاةِ، أُمَرِّرُهَا مِنَ أَعْلَى إِلَى أَسْفَل. مَا هَذَا؟! كَأَنَّنِيْ دََغْدَغْتُهَا، وَأَنَا أَقُوْلُ: اُخْرُجْ أَيُّهَا المَارِدُ.
تَخَيَّلْتُ أَنَّ دُخَانَاً رَمَادِيَّاً بَدَأَ يَتَصَاعَدُ مِنْهَا، تَرَاجَعْتُ إِلَى الوَرَاءِ، الدُّخَانُ قَدْ تَحَوَّلَ إِلَى مَارِدٍ، لا، لَيْسَ مُخِيْفَاً بَلْ لَطِيْفٌ ووَسِيْمٌ.
المَارِدُ: مَاذَا تُرِيْدُ، يَا سَمِيْرُ؟ هَلْ تُرِيْدُ أَطْعِمَةً؟
ـ لا، لأَنَنَّا فِيْ حَارَتِي نَتَبَادَلُ صُحُوْنَ الأَطْعِمَةِ، وَأَرْغِفَةَ الخُبْزِ والحَلْوَى، فَلا يَنَامُ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَّا جَائِعَاً.
ـ إِذَاً تُرِيدُ أَلْبِسَةً، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
ـ لا، لا، لَدَيْنَا الكَثِيْرُ مِنَ الأَلْبِسَةِ، وَكُلُّ مَا هُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، نَتَبَادَلُهُ مَعَ الآخَرِيْنَ، فَلا نَرْمِيْ شَيْئَاً صَالِحاً فِي سَلَّةِ المُهْمَلاتِ.
ـ إِذَاً تُرُيْدُ أَنْ تُصْبِحَ لاعِبَ كُرِةٍ مَشْهُوْراً؟
ـ هَذَا صَحِيْحٌ، وَلَكِنْ أَنَا مَنْ سَيُحَقِّقُ هَذَا الحُلْمَ بِنَفْسِي، لأَنَّنِيْ أَتَدَرَّبُ كَثِيْرَاً كُلَّ يَوْمٍ، فَلا أَحْتَاجُ إِلَى مَارِدٍ لِتَحْقِيْقِ ذَلِكَ.
ـ لَقَدْ حَيَّرْتَنِيْ، لِمَاذَا إِذَاً طَلَبْتَنِيْ؟
ـ بِصَرَاحَةٍ، أُرِيْدُ مِنَ العَصَافِيْرِ أَنْ تَحُطَّ عَلَى نَافِذَتِيْ كُلَّ صَبَاحٍ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ، فَمُنْذُ زَمَنٍ بَعِيْدٍ لَمْ أَرَهَا أَبَدَاً.
ـ هَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ.
ـ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟
ـ اُنْثُرْ لَهَا فُتَاتَ الخُبْزِ، لا تَقْتَرِبْ مِنْهَا، دَعْهَا تَشْعُرُ بِالأَمَانِ، عِنْدَهَا سَتَأْتِيْ إِلَيْكَ.
ـ آه، الأَمَانُ..
اِسْتَيْقَظْتُ مِنْ شُرُوْدِي، اِبْتَسَمْتُ، قُلْتُ: شكْرَاً أَيُّهَا المَارِدُ عَلَى النَّصِيْحَةِ.
قَرَّرْتُ أَلا أَلْهُوَ بِفِرَاخِ العَصَافِيْرِ، وألا أُخَرِّبَ أَعْشَاشَهَا، سَأَدَعُهَا تَعِيْشُ بِسَلامٍ فَوْقَ نَافِذَتِي.