مجـــــرّة «دَرْب التَّبَّانة»
إذا نظرنا إلى صفحة السماء في ليلة غير مقمرة (حتى يمكننا رؤية أكبر قدر من النجوم)، نلاحظ أنها مليئة مليارات النجوم الموزعة على هذه الصفحة بغير انتظام. لكننا نلاحظ من بينها شريطاً عريضاً من النجوم يمتد عبر السماء من مكان ما عند الأفق إلى نقطة مقابلة على دائرة الأفق في الاتجاه العكسي. وتتكدس النجوم في هذا الشريط من صفحة السماء فيما يشبه في منظره السحاب العالي. ولكثرة النجوم وتزاحمها في هذا الشريط من صفحة السماء يشبهه الناس بطريق الجمال التي تحمل أكياس التبن (قش نبات القمح الجاف) على ظهورها. فيتميز هذا الشريط الذي تسلكه الجمال عن غيره من الأرض بكثرة ما وقع عليه من التبن، فيسمونه «دَرْب التَّبَّانة». وكذلك تسمى النجوم بالاسم نفسه. أما الأوربيون فيسمونه «الطريق اللبني».
وقد لوحظ أن هذا الشريط من النجوم الذي يراه المشاهد من نصف الكرة الشمالي يوجد ما يناظره بالنسبة للمشاهد من نصف الكرة الجنوبي أيضاً.
وذلك أقنع الفلكيين بأن هذا الشريط يمثل حافة تجمُّع هائل من النجوم يتخذ هيئة القُرص. وقد سمى الفلكيون هذا التجمع النجمي بالمجرة، وأحياناً يسمونه «جزيرة كونية». وحتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين اعتبر الفلكيون هذه المجرة التي تضم شمسنا وأرضنا كل الكون. وفي عام 1923 بالتحديد اكتشف الفلكي الأمريكي الأشهر «هابل» شواهد قاطعة على وجود مجرات كثيرة جداً بالكون غير مجرتنا المعروفة باسم «دَرْب التَّبَّانة».
وتُعدُّ المجرات أو الجزر الكونية الوحدات الأساسية التي يتكون منها الكون، وعددها هائل جداً، ويقدَّر عددها بنحو مليار (ألف مليون) مجرة!
ومجرة دَرْب التَّبَّانة بها أكثر من مئة مليون نجم! والشمس من أصغر هذه النجوم في المجرة. وقد قُدِّر قُطْر هذه المجرة التي نقطنها في كنف الشمس بنحو 60 ألف سنة ضوئية (هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة، وتعادل 10 ملايين مليون كيلومتر).
والمجرات كلها بما فيها مجرتنا (دَرْب التَّبَّانة) إما إهليجية الشكل، أو على هيئة القُرص، أو حلزونية، أو غير منتظمة الشكل. ويعتقد العلماء أن مجرتنا من النوع القرصي الشكل.
الخوارزمي
الخوارزمي (متوفّى 232 هـ - 846 م) من أبرز علماء المسلمين. اسمه: محمد بن موسى، وكنيته: أبوعبدالله. وُلد لعائلة ثرية (من بني موسى) في خوارزم، التي يُنسَب إليها، وخوارزم من بلاد أوزبيكستان. عاش في بغداد في عصر المأمون (198 - 218 هـ)، الذي ولاه أميناً على «دار الحكمة».
وقد نبغ الخوارزمي في الرياضيات، والفَلَك، والموسيقى، والجغرافيا، والتاريخ، وألّف فيها جميعاً، ولكن أعظم أعماله كان في الرياضيات. فهو مؤسس علم الجبر، الذي يعرف بهذا الاسم العربي في العالم كله حتى اليوم. وقد سجل الخوارزمي أفكاره العبقرية عن الجبر في كتابه المشهور: «الجبر والمقابلة»، الذي أهداه إلى الخليفة المأمون، وظل عدة قرون المصدر الأساسي العالمي لعلم الجبر.
ولكن ما الذي كان يعنيه الخوارزمي بلفظي: «الجبر» و«المقابلة»؟
الجبر: هو أن نتخلص من الحدود أو الأعداد السالبة في المعادلة، ويكون ذلك بإضافة مقدار موجب مساوٍ للحد السالب إلى كل من جانبي المعادلة، وبذلك لا تختل المعادلة.
أما المقابلة فهي توحيد الحدود المتماثلة في الطرفين.
ووضع الخوارزمي مصطلحات جديدة لعلم الجبر، أهمها: الشيء، والمال، والعدد.
الشيء: هو الجذر، وهو الشيء المجهول، ونطلق عليه التسمية المألوفة (س).
المال: هو مربع الجذر أو الشيء.(وهو: س2).
والعدد: هو العدد الملفوظ، وهو الحد المعلوم في المعادلة.
ومن الطريف أن نعلم أن «س»، المستخدمة في الجبر، أصلها: شيء، اختصرت إلى: ش، ثم تحولت إلى: س.
ولعل الدافع للخوارزمي إلى حل المسائل بالجبر هو إيجاد طريقة دقيقة لحساب الأنصبة المختلفة للورثة في الشريعة الإسلامية (وهو ما يعرف بحساب المواريث). ولكن الخوارزمي بهذا قد أوجد علماً رياضياً جديداً مستقلاً عن علم الحساب. والراجح أن كتاب «الجبر والمقابلة» كان مختصراً لكتاب أكبر. وقد ترجم الكتاب من العربية إلى اللاتينية، ليصبح مرجعاً أساسياً في أوربا. ثم نُشرت النسخة العربية في لندن عام 1831، ثم نشرت ترجمة إنجليزية لها، ونُشرت ترجمة لبعض فصولها باللغة الفرنسية، ثم توالت الترجمات.
ويدين العالم للخوارزمي بالفضل في علم الحساب أيضاً. فهو الذي استخدم الأرقام المنقولة من الهند في المسائل الحسابية، ومنه عرفها الأوربيون فأسموها «الأرقام العربية». والخوارزمي هو الذي أبرز ترتيب الأعداد في خانات (الآحاد، العشرات، المئات... إلخ)، فجعل عمليات الحساب بالأعداد الكبيرة ميسورة. وهو الذي أبرز معنى «الصفر»، وعنه أخذه الأوربيون فدخل لغاتهم بألفاظ محوّرة من اللفظ العربي.
والواقع أن لفظ «ألغورزم» في اللغات الأجنبية، الذي يعني نظام الترقيم المتبع في العالم، ويعني أي نظام حسابي منهجي، لدليل على أهمية الخوارزمي في الرياضيات، وكان نظام الخوارزمي العشري في كتابة الأعداد أساساً للرياضيات. وقد حل الخوارزمي المسائل الهندسية بطرق جبرية، فكان من مؤسسي علم «الهندسة التحليلية».
وللخوارزمي إنجازات في علم الفلك، وله كتاب مزج فيه بين علوم الهند والفرس واليونان، واتخذه كثير من المؤلفين بعده أساساً لجداولهم الفلكية. وقد اختار الخليفة المأمون الخوارزمي بين العلماء الذين كلفهم بقياس محيط الكرة الأرضية.
وفي الجغرافيا يعد الخوارزمي من المجددين لجغرافية «بطليموس»، وله في ذلك كتاب عرض فيه آراءه الخاصة المستقلة عن العلم الإغريقي. وللخوارزمي أيضاً كتاب في التاريخ، كتبه بالفارسية. وهذه هي بعض الكتب التي ألّفها الخوارزمي.
حقاً إن الخوارزمي كان رياضياً عبقرياً، وعالماً موسوعياً في الوقت نفسه.
الخَزَف
تعد صناعة الخزف والفخار من الصناعات التي عرفها الإنسان. ويعتقد أن الإنسان البدائي كان أول من استخدم أنواعاً خاصة من الطين (الطَّفل)، بعد حرقه في النار، في صنع بعض الأواني والأدوات، وذلك منذ نحو 1500 عام قبل الميلاد. والمصريون القدماء هم أول من قاموا بتلوين الخزف منذ نحو 3500 عام قبل الميلاد، ثم صُنعَت أوانٍ رائعة من الخزف في بلاد الإغريق (اليونانيون القدماء) حوالي عام 600 قبل الميلاد، ثم اكتشف الصينيون «البورسلين» وصنعوا منه خزفيات بيضاء اللون ونصف شفافة عام 200 قبل الميلاد.
وفي بداية القرن الثامن عشر عرف الألمان سر صناعة البورسلين أو الصيني، وبدأ إنتاجه في أوربا منذ ذلك الحين، وصُنعت منه بعض الأنواع الفاخرة في سكسونيا، وفي مدينة سيفر بفرنسا.
وتطلق كلمة «سيراميك»، وهي كلمة مشتقة من اللغة الإغريقية، على جميع أنواع الأواني والأدوات الخزفية في وقتنا الحاضر مثل «الفخار الخزفي» المستعمل في صنع بعض أدوات المائدة، أو الخزف متوسط الصلابة المستعمل في صنع أواني (فازات) الزهور، أو البورسلين الرقيق نصف الشفاف.
والطَّفل الذي يُصنَع منه الخزف يتكون من خليط من الرمل ومواد أخرى متنوعة. والنوع الرئيسي المستخدم في صنع البورسلين أو الصيني هو «الكاولين»، وهي كلمة مشتقة من اللغة الصينية تعني «الحالة العالية»، وسمي بهذا الاسم لأنه طَفل أبيض وعالي النقاء.
وتبدأ عملية تصنيع الخزف بغسل الطفل أولاً بالماء البارد لإزالة ما قد يكون به من أملاح. وعادة ما تضاف إليه بعض المكونات الأخرى التي تساعد على الصهر والتماسك، أو تضاف إليه بعض مواد «التزجيج» (أي التي تجعل سطحه زجاجي المظهر). ثم يطحن الخليط في طاحونة خاصة بها كرات من الصلب، بعد أن يضاف إليه قليل من الماء. وبعد أن يتم التخلص من الرطوبة الزائدة، تشكل العجينة الرخوة الناتجة إما يدوياً وإما بوساطة الآلات، ثم تجفف ببطء في الهواء، وتمرر بعد ذلك في فرن خاص تصل درجة حرارته إلى نحو 1300 درجة سنتغراد (مئوية).
وعادة ما يتم تزجيج الأدوات الناتجة مرة أخرى، وقد ترسم عليها أشكال خاصة ببعض الألوان مثل أزرق الكوبلت، وأخضر الكروم، وأصفر التيتان، ثم يعاد حرقها عند درجة حرارة 1150 درجة س (م) حتى ينصهر الطلاء الزجاجي ويصبح متماسكاً مع سطح الإناء. ويتم تبريد المنتجات الخزفية ببطء حتى لا تحدث بها شروخ في سطوحها، ثم تفحص جيداً قبل دفعها إلى الأسواق.