كتاب «تاريخ الأمم والملوك» تأليف: الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري

كتاب «تاريخ الأمم والملوك»   تأليف: الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري

لو‭ ‬كانت‭ ‬للأسماك‭ ‬أو‭ ‬الحيوانات‭ ‬مدرسة‭ ‬تتعلم‭ ‬فيها‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬التاريخ‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬المنهج‭! ‬والسبب‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬حكاية‭ ‬يرويها‭ ‬إنسان‭ ‬لإنسان،‭ ‬وتنتقل‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭  ‬تاريخ،‭ ‬والسمك‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬ذاكرة‭ ‬تاريخية‭ ‬بدليل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينقل‭ ‬تجربته‭ ‬في‭ ‬اصطياده‭ ‬بالصنارة‭ ‬لأجيال‭ ‬السمك‭ ‬التالية‭!‬،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬صديقنا‭ ‬اليوم‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والملوك‭ ‬للطبري‮»‬‭.‬

ولد‭ ‬العالم‭ ‬الجليل‭ ‬الإمام‭ ‬أبو‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬جرير‭ ‬الطبري‭ ‬سنة‭ ‬225م،‭ ‬ووصفه‭ ‬المؤرخ‭ ‬ياقوت‭ ‬الحموي‭ ‬بأنه‭ ‬متفرد‭ ‬في‭ ‬الفضل‭ ‬والنباهة‭ ‬والذكاء‭ ‬وبأنه‭ ‬يجمع‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا،‭ ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬الخطيب‭ ‬البغدادي‭ ‬‮«‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أئمة‭ ‬العلم،‭ ‬يُحكم‭ ‬بقوله،‭ ‬ويُرجع‭ ‬إلى‭ ‬رأيه،‭ ‬لمعرفته‭ ‬وفضله،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يشاركه‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬عصره‮»‬،‭ ‬ساهمت‭ ‬صفات‭ ‬الطبري‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬ودقة‭ ‬وذاكرة‭ ‬حديدية‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬لأشهر‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬وكانت‭ ‬الصعوبة‭ ‬في‭ ‬المنهج‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬سيكتب‭ ‬بها‭ ‬الكتاب‭ ‬وهل‭ ‬سيكتبه‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬أم‭ ‬سيقف‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬ويصبح‭ ‬مثل‭ ‬مصور‭ ‬الكاميرا‭ ‬يلتقط‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬ويقدمه‭ ‬إليك؟‭ ‬وكان‭ ‬الاختيار‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مرجعًا‭ ‬مهما‭ ‬لكل‭ ‬المؤرخين‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭.. ‬كتاب‭ ‬تاريخ‭ ‬الطبري‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭: ‬

القسم‭ ‬الأول،‭ ‬تناول‭ ‬الطبري‭ ‬فيه‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬وبدأه‭ ‬بخلق‭ ‬آدم‭ ‬أبي‭ ‬البشر،‭ ‬ثم‭ ‬عرض‭ ‬الطبري‭ ‬لسيرة‭ ‬الأنبياء‭ ‬من‭ ‬أولاد‭ ‬آدم‭ ‬حتى‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭ (‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭) ‬وأرخ‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬لبعض‭ ‬الأمم،‭ ‬مثل‭ ‬الفرس،‭ ‬وكذلك‭ ‬الروم‭ ‬وملوكهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬اليهود‭ ‬وأنبيائهم،‭ ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬العرب‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬أجداد‭ ‬الرسول‭ ([) ‬وحال‭ ‬قريش‭ ‬ومكة‭ ‬وذلك‭ ‬تمهيدا‭ ‬لعصر‭ ‬الرسالة‭.‬

‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬يتناول‭ ‬فيه‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الإسلام،‭ ‬من‭ ‬نزول‭ ‬الوحي‭ ‬وحتى‭ ‬سنة‭ ‬302هـ‭ ‬ويشمل‭ ‬هذا‭ ‬القسم‭ ‬أربعة‭ ‬عهود‭ ‬متميزة‭: ‬

العهد‭ ‬النبوي،‭ ‬عهد‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬الأموية،‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬حتى‭ ‬سنة‭ ‬302‭ ‬هجرية‭. ‬

وصل‭ ‬صديق‭ ‬اليوم،‭ ‬كتاب‭ ‬الطبري‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬التأليف‭ ‬التاريخي‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬واحتل‭ ‬ذروة‭ ‬التقدير‭ ‬والاهتمام‭ ‬لمعاصري‭ ‬الطبري،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬خلال‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وحتى‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬وسيبقى‭ ‬تاريخ‭ ‬الطبري‭ ‬المرجع‭ ‬الأول،‭ ‬والمصدر‭ ‬الأصيل‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬باحث‭ ‬وكاتب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العام‭  ‬وأقدم‭ ‬مصدر‭ ‬كامل‭ ‬للتاريخ‭ ‬العربي‭ ‬وفي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬الزمان‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الهجري،‭ ‬وقد‭ ‬جمع‭ ‬الطبري‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬وحفظها‭ ‬من‭ ‬الضياع،‭ ‬كما‭ ‬أرخ‭ ‬للقرون‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬الإسلام‭. ‬صديق‭ ‬اليوم،‭ ‬كتاب‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والملوك‭ ‬للطبري‭ ‬هو‭ ‬المنبع‭ ‬الصافي‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬الذين‭ ‬جاءوا‭ ‬بعده‭ ‬فاستقوا‭ ‬منه‭ ‬المادة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتفننوا‭ ‬في‭ ‬عرضها،‭ ‬مثل‭ ‬المؤرخ‭  ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬ورائد‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬ابن‭ ‬خلدون،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬صديق‭ ‬اليوم‭ ‬مرجعًا‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬التاريخ‭ ‬فقط،‭ ‬كان‭ ‬لوحة‭ ‬دقيقة‭ ‬التفاصيل‭ ‬للعصر‭ ‬الذي‭ ‬يصفه‭ ‬نكاد‭ ‬نصافح‭ ‬شخوصه‭ ‬ونسمع‭ ‬حديثها‭ ‬ونراها‭ ‬تتحرك‭ ‬أمامنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬برع‭ ‬فيه‭ ‬الطبري‭ ‬ليقدم‭ ‬لنا‭ ‬وصفًا‭ ‬رائعًا‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬التاريخ،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأدبية‭  ‬والاجتماعية،‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬وثلاثمائة‭ ‬صفحة‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬سكنت‭ ‬صديق‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ترجم‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلاد،‭ ‬أولاها‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬مرجعًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لتاريخها،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬طبعه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ (‬ليدن‭) ‬الهولندية،‭ ‬وقد‭ ‬جمع‭ ‬المستشرقون‭ ‬الهولنديون‭ ‬أجزاءه،‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬نسخة‭ ‬كاملة‭ ‬طبعت‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬وعشرين‭ ‬جزءًا‭ ‬بلغت‭ ‬سبعة‭ ‬آلاف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬صفحة،‭ ‬كما‭ ‬ترجمه‭ ‬المستشرق‭ ‬الألماني‭ (‬نولدكه‭) ‬للغة‭ ‬الألمانية‭ ‬وترجم‭ ‬أيضًا‭ ‬للغتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والتركية‭.. ‬رحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬بين‭ ‬دروب‭ ‬التاريخ‭ ‬عشناها‭ ‬أصدقائي‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬اليوم‭ ‬كتاب‭ (‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والملوك‭) ‬للعالم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬جرير‭ ‬الطبري‭ ‬فمن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬لوحة‭ ‬مشرقة‭ ‬لمستقبل‭ ‬أمته‭ ‬بكل‭ ‬النجاح‭ ‬والرخاء‭.‬

 

رسم‭: ‬فاروق‭ ‬الجندي