كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» تأليف: أبوعبدالله القزويني
مغامرة في عالم غريب وعجيب يدعونا إليها صديق اليوم، نغوص في أعماق البحار تحيط بنا الأسماك، نطير ونلمس السحاب، نسابق الرياح فتدفعنا بقوة لباطن الأرض لتبوح لنا بأسرارها وكنوزها من معادن، وأحجار كريمة.. نتجول في أجمل الحدائق نتنسم عبير أجمل وأندر الزهور، وتكتمل المغامرة المدهشة في الغابة وسط أشرس الحيوانات وأرق الطيور.. مغامرة ساحرة لن نعيشها مع لعبة حديثة عمرها لا يتعدى العام، وإنما تأخذنا إليها صفحات صديق اليوم الذي يبلغ عمره أكثر من سبعمائة عام، إنه كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» الذي ألفه العالم أبوعبدالله القزويني في القرن السابع الهجري وحار في تصنيفه العلماء، فمنهم من صنفه ككتاب في علم الطبيعة، وآخر وضعه في علم الفلك، وثالث في علم النبات، ورابع في علم الوراثة والحيوان.. صديق اليوم موسوعة شاملة قسمها العالم أبوعبدالله القزويني الذي اشتهر بحكمته وتأمله، لأربعة أبواب في علم الفلك، وعلم الأرض وعلم النبات وعلم الحيوان، ليجمع مختلف العلوم في عقد فريد يتنقل بينها في سلاسة بأسلوب جذاب.
يقدم على صفحاته مؤلفه القزويني خلاصة تجربته، قائلاً «إذا لم تنجح في أول تجربة فلابد أن تدرس أسباب عدم نجاحك ثم تعيد المحاولة مرة بعد مرة حتى تضع قدميك على أول طريق النجاح» ولنبدأ رحلتنا مع صديق اليوم فنتأمل الأرض التي نعيش على سطحها والتي اختلف علماء اليونان قديماً حول حقيقة دورانها حول محورها، ليسبقهم القزويني ويثبت أن الأرض كروية تدور حول محورها قبل العالم الإيطالي الشهير جاليليو بثلاثة قرون.
كما شرح كيفية حدوث الزلازل شرحاً علمياً دقيقاً وهو ما توصل له العلماء من بعده بقرون عديدة ولايزال تفسيره قائماً حتى عصرنا الحالي، فعندما تتكون أبخرة كثيرة في جوف الأرض تحاول الصعود لأعلى، فإن لم تجد منفذاً يهتز قاع الأرض ويحدث الزلزال، وفي باطن الأرض تجول صديق اليوم بين أنواع المعادن المختلفة والأحجار الكريمة ورصد التفاعلات التي تحدث باتحاد المعادن المختلفة وما ينتج عنها.
ومن باطن الأرض تأخذنا صفحات صديق اليوم، لنحلق في السماء، إذ سبق العلم الحديث بوصفه للظواهر الطبيعية ففرق بين أنواع الرياح المختلفة ووصف الزوبعة بأنها التقاء ريحين مختلفي الهبوب، وفي عالم الحيوان كان صديق اليوم أول من اكتشف ظاهرة التكافل أو المشاركة بين الطيور والحيوانات، وكيف يتعايش كل منهما مع الآخر في حب وسلام، وها هو طائر الزقزاق الرقيق الصغير يقف بمنتهى الثقة والأمان في فم التمساح فيأكل بقايا الطعام بين أسنانه وينظفها في الوقت ذاته ليتبادلا المنفعة، وفي عالم النبات كان لصديق اليوم الكثير من الإكتشافات، إذ صنف أنواع النبات وفق أنواع التربة التي تحتضنها وراقب مراحل نموها، ترجم صديق اليوم للعديد من اللغات وتم نسخه مرات عدة أشهرها نسخة بمكتبة ولاية بافاريا بمدينة ميونيخ بألمانيا، لدوره المهم في علم الجيولوجيا كما ذكر العالم الإنجليزي تشارلز لايل في كتابه «مبادئ علم الجيولوجيا» الذي ألفه عام 1830 «إن ما جاء في كتاب القزويني عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات من النظريات الجيولوجية يدل على نبوغ هذا العالم وعبقريته».
نصيحة رائعة يقدمها لنا صديق اليوم قبل أن يغلق صفحاته ويرحل، فيقول «إذا وجدت مغناطيساً لا يجذب الحديد فلا تفقده خاصية الجذب، بل ابحث عن العائق في عدم جذبه للحديد» فلا نتسرع في الحكم على الأشياء من حولنا ولا نيأس من أي تجربة فاليأس عدو النجاح، إذ يحجب عنا نور شمس الصباح.
رسم: فاروق الجندي