العنكبوت التي عاشت!
أطلقتُ صرخةً قويةً من شدةِ فزعي، عندما رأيتُ على بعدِ خطوةٍ مني عنكبوتًا سوداءَ لمْ أرَ بحجمها مثيلاً من قبلِ. وبثوانٍ قليلةٍ دخلَ جدي وجدتي إلى المطبخِ، وجدتي تصرخُ بقلقٍ: ماذا حصلَ، حبيبي ماجد؟
وتلقائيًا وجّها نظريهما حيث أنظر إلى حشرةِ العنكبوتِ الضخمةِ على مسافةٍ قريبةٍ مني. تشجعتُ ورفعتُ قدمي لأدوسَ على العنكبوتِ، وإذا بجدي يزيحني بلطفٍ وهو يقولُ: لا تفعل ذلكَ يا ماجد، أرجوك! توقفتُ عن فعلتي. قالَ جدي لجدتي: «هاتي المكنسةَ يا سعدى، سوفَ أكنسها إلى الحديقةِ». قلتُ بانفعالٍ لجدي: اضطربتُ منَ الفزعِ، حتى كادَ قلبي يخرجُ من مكانهِ، والآن تريدُ أن تحافظَ على حياةِ هذه الحشرةِ المزعجة، المقرفة، والسامة؟!
أحضرت جدتي المكنسةَ الناعمةَ وناولتها لجدي، وهي تقولُ بسرورٍ: أنا وجدّكَ يا ماجد نفكرُ بطريقةٍ مختلفةٍ عنكَ.. نحنُ بنينا منزلَنَا في قلبِ الطبيعةِ بعيدًا عن ضجةِ المدنِ والتكنولوجيا.. رغبنا في أن نعيش بهدوء مثيل للهدوء الذي عشناه في طفولتنا في قريتنا. لذلك، نحنُ نحبّ الطبيعةِ بكلّ كائناتها. هزّ جدّي رأسهُ موافقًا كلام جدتي، وقالَ: نعم، نحنُ نعيشُ في بيئةِ الحيواناتِ والحشراتِ ضيوفها ومن غير اللائق أن نقتلها، وخاصةً أنني أقومُ برشّ بعضِ الأدويةِ من وقتٍ لآخر حولَ المنزلِ، فتنفرُ الحيوانات والحشراتِ من رائحتها ولا تقتربُ من منزلنا.
قالت جدتي: صدقني يا ماجد لعلها المرةُ الثالثة منذُ سنوات التي أرى فيها حشرة داخل منزلنا.
سألتُ بانزعاج: ربما هذهِ العنكبوت ميتة، فلم تتحرك حتى الآن على الرغم من الضجةِ التي قُمنا بها.
وكانت العنكبوتُ فهمت ما قلتُه لتوّي، فتحرّكت ولدهشتي توجهت من حيث أتت.. خرجت بهدوءٍ من بابِ المطبخِ إلى الحديقة، قبل أن يقوم جدي بكنسِهَا.
وما إن خرجت العنكبوت حتى قالت جدتي وهيَ تغلقُ بابَ الشرفةِ بإحكامٍ: «إلى اللقاء! نرجو عدم زيارتنا مرةً أخرى.. تحيـــــــــــاتي إلى أولادكَ أيتهــــــــــا الـ «عنكبوت!».
لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك.
قال لي جدي: لمعلوماتكَ، العناكبُ لا تلدغُ إلا في حالِ الدفاع عن نفسها.
لطالما أتعلمُ من جدي وجدتي دروسًا في الحياةِ.. ودرسُ اليومَ بدا غريبًا لي وأنا الذي تعودَ على التخلصِ من الحشراتِ بقتلها حيثما تصادفني، تلبيةً لشعوري بالانزعاجِ منها.. لم أفكر أبدًا كما فكّرت جدتي أن لديهَا عائلة، ولم أفكر كما يفكرُ جداي معًا أنهما يعيشان في بيئةٍ هذه الكائنات ويحترماِن وجودها. يا لها من فلسفةٍ مميزةٍ!
رسوم: أحمد الخطيب