صَفيَّةُ فِي مَمْلكَةِ النَّحْلِ

صَفِيَّةٌ طِفلَةٌ تَعِيشُ رُفقَةَ أمِّهَا فِي كُوخٍ بِإحْدَى الغَابَاتِ، وَفِي احد الأَّيَامِ نَهَضَت بَاكرًا، فَاتَّجَهَت صَوبَ سَريرِ أمِّهَا لتُوقِظَهَا فَسَمِعَتْهَا تَئِنُّ، فَلمَّا وَضَعَت كَفَّهَا عَلىَ جَبينِهَا أحَسَّت بها ساخنة جدا فقالت:
- رَبَّاهُ... إنَّ أمِّي مَريضَةٌ بِالحُمَّى، وَهِيَ فِي أمَسِّ الحَاجَةِ لبَلسَمٍ يَشفِيهَا!
غَادَرت صَفِيةُ كُوخَهَا فِي اتِّجَاهِ المَدِينَةِ لَعَلَّهَا تَجدُ مَنْ يُعِينُهَا فِي اقْتِنَاءِ الدَّوَاءِ، وَبيْنَمَا هِيَ فِي طَريقِهَا إِلى هُنَاكَ تَعَثَّرت فسَقَطت أَرْضًا، فَهَمَّت بِالبُكاءِ، إِلى أنْ فَاجَأتْهَا نَحلةٌ قَائِلَة:
- لِمَ البُكَاءُ هَكذَا؟!
رَدَّت صَفِيَة بِصَوْتٍ حَزينٍ:
- أمِّي مَحمُومَةٌ، وَتَحْتَاجُ لبَلسَمٍ يُشْفيهَا.
رَدَّتْ النَّحْلَةُ:
- لاَ تَقْلقِي، سَأُسَاعِدُكِ فِي شِفَاءِ وَالدَتِكِ.
أَجَابَتهَا صَفِيَةُ بِاسْتِغْرَابٍ:
- مَاذَا؟ نَحْلةٌ صَغِيرَةٌ مِثْلَكِ، تُسَاعِدنِي فِي شِفاءِ أمِّي؟!
رَدَّت النَّحلَةُ:
- لاَ تَسْتَغرِبِي، هَيَّا مَعِي للخَلِيَّةِ لتَتَأَكَّدِي.
طَارَتِ النَّحلَةُ وَصَفِيَّةُ تَركُضُ وَرَاءَهَا، إِلىَ أنْ وَصَلاَ شَجَرَةً سَامِقَةً، فَأخْرَجَت النَّحْلةُ مِنْ تَحتِ جَنَاحَيهَا عَصًا سِحْريَةً وَضَربَت بِهَا صَفِيَة فَتَحَوَّلت إِلىَ نَحلَةٍ فَقالَت لَهَا النَّحلَةُ:
- هَيَّا اصْعَدِي الآنَ لِلخَلِيَّةِ بِأعْلَى الشَّجَرةِ.
صَعِدَت صَفِيَّةُ فَقَالت لَهَا النَّحْلةُ:
- هَيَّا لتَدخُلِي مَملَكَتَنَا!
تَقَدَّمَت صَفِيَّةٌ للدُّخُولِ فَإذَا بِالحَارِسِ يُهَاجِمُهَا، فَقَالَت صَفيَّةُ للنَّحْلةِ:
- لمَاذَا هَاجَمنِي، ألسْتُ الآنَ نَحلَةٌ مِثْلَكُمُ؟!
رَدَّتِ النَّحلَةُ:
- النَّحْلُ تفْرِزُ أجْسَادُهُ مَا يُنَاهِزُ أرْبَعَةً وَعِشْرينَ رَائِحَة، ثَلاثَةٌ وَعشْرُونَ مِنهَا مُشْتَركَةً بَينَ كُلِّ أنْوَاعِ النَّحْلِ، إلاَّ رَائحَةً وَاحدَةً فَهِيَ تَختَلفُ مِنْ مُجْتَمَعٍ لآخَر، وَبهَا يَسْتَطيعُ مُراقِبُ الخَليَةِ التَّعَرُّفَ عَلىَ أفْرَادِهَا.
قَالَتِ النَّحْلةُ لِصَفِيَة:
- هَيَّا لِنَلِجَ الدَّاخِلَ، لَقَد أرْسَلْتُ رِسَالةً للحَارِسِ ليَسْمَحَ لكِ بِالدُّخُول!
فَلَمَّا اجْتَازَا البَوَّابَةَ قالَت صَفِيَّةُ بِاسْتغْرَابٍ:
- أَهَذَا مَسْكنُكُمُ؟! وَمَا هَذِهِ البُيُوتُ ذَاتُ الشَّكلِ الهَندَسِيِّ السُّدَاسِي الجَمِيلِ، وَمَنِ المُهَندسُ الذِّي صَمَّمَ لَكُمُ بُيوتَكُمُ بِكُلِّ هَذَا الإتْقَانِ؟!
ضَحِكَت النَّحْلَةُ وَقَالت:
- هَاهَاهَا... بُطُونُنَا تُفرِزُ مَادَّةً شَمْعِيَةً، تَقومُ الخَادِمَاتُ بِنَحْتِهَا بِواسِطَةِ فَكَيْهَا.
اقْتَربَا مَعًا مِنَ البُيُوتِ فَقَالَت صَفِيَةُ:
- وَااااااااااااوْ ...إنَّهَا نَظِيفُةٌ ً يَا صَديقَتِي!
رَدَّت عَليهَا النَّحلةُ:
- انُظُرِي إلَى فَمِي، هَذَا اللِّسَانُ لُعَابُهُ يَحتَوِي عَلىَ مُضَادٍّ حَيَوِيٍّ بِهِ نُنَظِّفُ بُيوتَ خَليَتِنَا مِنَ الطُّفَيلِيَاتِ التِّي يُمكِنُ أنْ تَعْلقَ بِهَا.
وَفَجْأةً قَالَت صَفِيَةُ:
- انظُرِي هَنَاكَ فِي تِلكَ الزَّاوِيَةِ، بَعضُ البُيُوتِ مَمْلوءَةٌ بِسَائِلٍ مُخْتَلفٌ ألْوَانُهُ!
إِبتَسَمتِ النَّحْلةُ وَقَالَت:
- إنَّهُ العَسَلُ فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاسِ، فَكلُّ لَونٍ مِنْ ألوَانِ العَسَلِ يُشيرُ إلىَ نَوعٍ مِنَ الرَّحِيقِ، فَمثلًا العَسَلُ الأَصْفَرُ مِن رَحِيقِ زُهُورِ اللَّيْمُونِ وَيصْلحُ لعِلاَجِ الأمْراضِ التَّنَفُّسِيَّةِ، وَالعَسلُ الأَسوَدُ مِنْ رَحِيقِ زُهُورِ الخَرُّوبِ ويصلح لتَخْفِيضِ دَرجَةِ حَرَارَةِ الجِسْمِ...
واسْتَرسَلت قَائِلةً:
انظُرِي هُنَاكَ يَا صَفِيَّةُ، إنَّ مَلكَتَنَا تُحَيِّيكِ.
رَدَّت عَليْهَا صَفِيَّةُ التَّحِيَّةَ وَقَالَت للنَّحْلَةِ:
مَا أجْمَلَ مَلكَتَكُم!.. لَدَيْهَا جَنَاحَانِ طَوِيلَانِ، وَجَسَدُهَا كَبيرٌ وَرشِيقٌ!
ضَحِكَتِ النَّحْلَةُ وَقَالَت لَهَا:
- شُكْرًا لَكِ... وَالآن سَنَفتَرقُ، فَصَديقَتِي تَرقُصُ أمَامَ البَوَّابَةِ، لمُسَاعَدتِهَا فِي جَمعِ الرَّحِيقِ دَاخِلَ الجَيْبِ تَحتَ جَناحِي.
قَالَت لهَا صَفيَّةُ:
- مَا أجْمَلَ لُغَتَكُم!
واسْتَرسَلتِ النَّحْلةُ كَلامَهَا:
وَلكِن قَبْلَ أنْ أوَدِّعَكِ خُذِي هَذِهِ القِنِّينَةَ المَليئَة بِالعَسلِ الأَسْوَدِ، وَكُلَّ يَومٍ قَدِّمِي قَليلًا مِنهُ لأمُّكِ لتشربه وَسَتعُودُ إليْهَا عَافِيتُهَا إنْ شَاءَ اللهُ!
رسم: نبيل تاج