حكاية شجرة

حكاية شجرة

لا‭ ‬يخفى‭ ‬مقام‭ ‬النخلة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين‭ ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬وعناية‭ ‬فائقة،‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬والنفع‭ ‬للعباد‭.‬

وهي‭ ‬شجرة‭ ‬المسلمين‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬بل‭ ‬شبهها‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالمؤمن‭ ‬لا‭ ‬يتحات‭ ‬ورقها‭... ‬تعالوا‭ ‬أبنائي‭ ‬نسمع‭ ‬حكايتها‭ ‬وهي‭ ‬ترويها‭ ‬بنفسها‭:‬

أنا‭ ‬النخلة‭ ‬شرفت‭ ‬بذكري‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬آية،‭ ‬لي‭ ‬قصة‭ ‬مع‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬حين‭ ‬وضعت‭ ‬وليدها‭ ‬إلى‭ ‬جذع‭ ‬النخلة‭ ‬وحين‭ ‬أمرت‭ ‬أن‭ ‬تهز‭ ‬الجذع‭ ‬فيتساقط‭ ‬عليها‭ ‬الرطب‭ ‬ليكون‭ ‬غذاء‭ ‬ودواء‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ (‬فَأَجَاءَهَا‭ ‬الْمَخَاضُ‭ ‬إِلَى‭ ‬جِذْعِ‭ ‬النَّخْلَةِ‭ ‬قَالَتْ‭ ‬يَا‭ ‬لَيْتَنِي‭ ‬مِتُّ‭ ‬قَبْلَ‭ ‬هَذَا‭ ‬وَكُنْتُ‭ ‬نَسْيًا‭ ‬مَنْسِيًّا‭ ‬فَنَادَاهَا‭ ‬مِنْ‭ ‬تَحْتِهَا‭ ‬أَلَّا‭ ‬تَحْزَنِي‭ ‬قَدْ‭ ‬جَعَلَ‭ ‬رَبُّكِ‭ ‬تَحْتَكِ‭ ‬سَرِيًّا‭ ‬وَهُزِّي‭ ‬إِلَيْكِ‭ ‬بِجِذْعِ‭ ‬النَّخْلَةِ‭ ‬تُسَاقِطْ‭ ‬عَلَيْكِ‭ ‬رُطَبًا‭ ‬جَنِيًّا‭) (‬مريم‭ ‬23‭ - ‬25‭).‬

وأنا‭ ‬الشجرة‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬المثل‭ ‬لكلمة‭ ‬التوحيد‭ ‬عندما‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬الصادق‭ ‬فتثمر‭ ‬الأعمال‭ ‬المقوية‭ ‬للإيمان‭.‬

قال‭ ‬تعالى‭ (‬أَلَمْ‭ ‬تَرَ‭ ‬كَيْفَ‭ ‬ضَرَبَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَثَلًا‭ ‬كَلِمَةً‭ ‬طَيِّبَةً‭ ‬كَشَجَرَةٍ‭ ‬طَيِّبَةٍ‭ ‬أَصْلُهَا‭ ‬ثَابِتٌ‭ ‬وَفَرْعُهَا‭ ‬فِي‭ ‬السَّمَاءِ‮»‬‭ (‬ابراهيم‭: ‬24‭)‬

وأنا‭ ‬الشجرة‭ ‬التي‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬مثلاً‭ ‬للمؤمن‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬نفعها‭ ‬وبقائها‭ ‬وتنوع‭ ‬فائدتها‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬عمر‭ ‬–‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭-: ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭ ‬‮«‬إن‭ ‬من‭ ‬الشجر‭ ‬شجرة‭ ‬لا‭ ‬يسقط‭ ‬ورقها‭ ‬وإنها‭ ‬مثل‭ ‬المسلم‭ ‬حدثوني‭ ‬ما‭ ‬هي‮»‬‭. ‬قال‭ ‬فوقع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬شجر‭ ‬البوادي‭ ‬قال‭ ‬عبدالله‭ ‬فوقع‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أنها‭ ‬النخلة‭ ‬ثم‭ ‬قالوا‭ ‬حدثنا‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله؟‭ ‬قال‭ (‬هي‭ ‬النخلة‭) .‬

ولي‭ ‬موقف‭ ‬مؤثر‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬منبر‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬عن‭ ‬جابر‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭: ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬إلى‭ ‬شجرة‭ ‬أو‭ ‬نخلة‭ ‬فقالت‭ ‬امرأة‭ ‬من‭ ‬الأنصار‭ ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬نجعل‭ ‬لك‭ ‬منبرا؟‭ ‬قال‭ (‬إن‭ ‬شئتم‭). ‬فجعلوا‭ ‬له‭ ‬منبرا‭ ‬فلما‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬دفع‭ ‬إلى‭ ‬المنبر‭ ‬فصاحت‭ ‬النخلة‭ ‬صياح‭ ‬الصبي‭ ‬ثم‭ ‬نزل‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فضمها‭ ‬إليه‭ ‬تئن‭ ‬أنين‭ ‬الصبي‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭. ‬قال‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬تبكي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬الذكر‭ ‬عندها‮»‬‭.‬

لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬بركتي‭ ‬ومنفعتي‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أجزائي‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أطلع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أيبس‭ ‬فينتفع‭ ‬بجميع‭ ‬أجزائي‭ ‬حتى‭ ‬النوى‭ ‬في‭ ‬علف‭ ‬الدواب‭ ‬والليف‭ ‬في‭ ‬الحبال‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭.‬

أتحمل‭ ‬الجفاف‭ ‬وتقلبات‭ ‬الطقس‭ ‬وأصبر‭ ‬على‭ ‬الشدائد‭ ‬البيئية‭ ‬ولا‭ ‬تعصف‭ ‬بي‭ ‬الريح‭ ‬بسهولة‭ ‬وأستمد‭ ‬طاقتي‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والهواء‭ ‬بورقي‭ ‬المهيأ‭ ‬لذلك‭ ‬وقوتي‭ ‬في‭ ‬هالتي‭ ‬الورقية‭.‬

فنفعي‭ ‬دائم‭ ‬بثماري‭ ‬وأوراقي‭ ‬وظلي‭ ‬وجذعي‭ ‬وخوصي‭ ‬وكرانيفي‭ ‬وليفي‭ ‬وكروبي‭ ‬وعذوقي‭ ‬وأنويتي‭ ‬وقطميري‭ ‬وجماري‭ ‬وجمالي‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وبعد‭ ‬مماتي‭.‬

دائما‭ ‬أقابل‭ ‬السيئة‭ ‬بالحسنة‭: ‬أرمى‭ ‬بالحجر‭ ‬فأسقط‭ ‬أطيب‭ ‬الثمر،‭ ‬قطوفي‭ ‬دانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحوالي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬قصري‭ ‬وطول‭ ‬جذعي،‭ ‬يسهل‭ ‬الصعود‭ ‬إلي‭. ‬والصعود‭ ‬إلي‭ ‬لا‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬أوراقي،‭ ‬ولا‭ ‬يكسر‭ ‬أغصاني،‭ ‬ولا‭ ‬ينال‭ ‬جماري،‭ ‬تؤكل‭ ‬ثماري‭ ‬بكميات‭ ‬كافية‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬على‭ ‬هيئة‭: ‬الطلع‭ ‬والجمرى‭ ‬والبسر‭ ‬والرطب‭ ‬والتمر،‭ ‬وعندما‭ ‬تجف‭ ‬الثمار‭ ‬تؤكل‭ ‬طوال‭ ‬العام‭.‬

أنا‭ ‬زاد‭ ‬للمسافر‭ ‬وعصمة‭ ‬للمقيم،‭ ‬سهلة‭ ‬التخزين،‭ ‬بطيئة‭ ‬الفساد‭ ‬والتغير‭. ‬لا‭ ‬أعتدي‭ ‬على‭ ‬جيراني‭ ‬بسيقاني‭ ‬أو‭ ‬فروعي،‭ ‬ولا‭ ‬أؤذي‭ ‬المحيطين‭ ‬بي،‭ ‬ثماري‭ ‬حلوة‭ ‬الطعم‭ ‬عديمة‭ ‬الرائحة،‭ ‬وأنا‭ ‬دائمة‭ ‬الخضرة،‭ ‬وأنا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عني‭ ‬لقمان‭ ‬الحكيم‭ ‬لابنه‭ ‬يا‭ ‬بني‭: ‬ليكن‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬تكسبه‭ ‬بعد‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬خليلا‭ ‬صالحا‭ ‬فإنما‭ ‬الخليل‭ ‬الصالح‭ ‬كالنخلة‭ ‬إذا‭ ‬قعدت‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬أظلتك،‭ ‬وإذا‭ ‬احتطبت‭ ‬من‭ ‬حطبها‭ ‬نفعتك،‭ ‬وإذا‭ ‬أكلت‭ ‬من‭ ‬ثمارها‭ ‬وجدته‭ ‬طيبا‭.‬

وأنا‭ ‬سيدة‭ ‬الشجر‭ ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬سيدة‭ ‬الكلام‭ ‬كذلك‭ ‬أنا‭ ‬سيدة‭ ‬الشجر‭.‬

وهكذا‭ ‬يا‭ ‬أبنائي‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬حكايتي‭.‬

 

رسم‭: ‬نبيل‭ ‬تاج