عَاطرٌ... بَائعُ العُطورِ

عَاطرٌ... بَائعُ العُطورِ

‭ ‬وَسَطَ‭ ‬حَديقَةٍ‭ ‬مَليئَةٍ‭ ‬بِشتَّى‭ ‬أنْواعِ‭ ‬الوردِ،‭ ‬يَقَعُ‭ ‬مَصنَعٌ‭ ‬صَغِيرٌ‭ ‬لصِناعَةِ‭ ‬العُطورِ‭ ‬يَمتلكُهُ‭ ‬شَابٌّ‭ ‬يُدعَى‭ ‬عَاطِرٌ‭  ‬وَرثَهُ‭ ‬عَن‭ ‬أجْدادِهِ‭.‬

خِلالَ‭ ‬فَصلِ‭ ‬الشِّتاءِ‭ ‬يُشَذب‭ ‬عَاطِرٌ‭ ‬الورد‭ ‬وَيَرُشُّهَ‭ ‬بِالأَدْويةِ‭ ‬ليَقْتلَ‭ ‬الطُّفَيْليَاتِ‭ ‬المُؤْذِية،‭ ‬وَمَا‭ ‬إنْ‭ ‬يَحُلَّ‭ ‬فَصلُ‭ ‬الرَّبيعِ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يَغدُو‭ ‬الوردُ‭ ‬رَائحته‭ ‬فَوَّاحةٌ،‭ ‬فَيقُومُ‭ ‬بِقََصِّ‭ ‬أوْراقِهَ‭ ‬ليُحَضِّرَ‭ ‬منْهَ‭ ‬أجْودَ‭ ‬العُطورِ‭ ‬بِمصْنعِهِ‭ ‬وَيبيعَهَا‭ ‬أمَّا‭ ‬صَيْفاً‭ ‬فَيَسْقِيهَ‭ ‬لكَيْ‭ ‬لاَ‭ ‬يَظْمأَ‭.‬

إِلَى‭ ‬جَانِبِ‭ ‬ذَلكَ‭ ‬كَانَ‭ ‬لِعَاطِرٍ‭ ‬كَلبٌ‭ ‬يَمتَازُ‭ ‬بِحاسَّةِ‭ ‬شَمٍّ‭ ‬قَوِيَّةٍ،‭ ‬فَكُلَّمَّا‭ ‬صَنَعَ‭ ‬عِطراً‭ ‬يَرُشُّ‭ ‬قَليلاً‭ ‬مِنهُ‭ ‬فِي‭ ‬رَاحَةِ‭ ‬يَدِهِ‭ ‬وَيُقولُ‭ ‬لَهُ‭: ‬مَا‭ ‬رَأيكَ‭ ‬يَا‭ ‬كَلبِي‭ ‬العَزِيز‭ ‬فِي‭ ‬رَائِحَةِ‭ ‬هَذَا‭ ‬العِطْرِ؟

يَضَعُ‭ ‬الكَلبُ‭ ‬أنفَهُ‭ ‬بِالقُربِ‭ ‬مِنْ‭ ‬يَدِ‭ ‬عَاطِرٍ،‭ ‬فَإذَا‭ ‬نَبَحَ‭ ‬مَرَّاتٍ‭ ‬مُتَعَدِّدَةٍ‭ ‬يَعرفُ‭ ‬أنَّ‭ ‬العِطْرَ‭ ‬جَيِّدٌ،‭ ‬حَتَّى‭ ‬أصْبَحَ‭ ‬الكَلبُ‭ ‬مُختَصَّا‭ ‬فِي‭ ‬رَوائِحِ‭ ‬جَميعِ‭ ‬العُطورِ‭.‬

وَفيِ‭ ‬أحَدِ‭ ‬أيَّامِ‭ ‬الرَّبيعِ،‭ ‬أعْلنَ‭ ‬حَاكمُ‭ ‬البَلدَةِ‭ ‬أنَّهُ‭ ‬سَيُزَوِّجُ‭ ‬ابْنتَهُ‭ ‬لِمَنْ‭ ‬يَستَطيعُ‭ ‬أنْ‭ ‬يَهدِيهَا‭ ‬هَدِيَّةً‭ ‬نَادِرَةً‭ ‬فِي‭ ‬ظَرفِ‭ ‬ثَلاثَةِ‭ ‬أيَّامٍ‭ ‬وَسَيدْعُو‭ ‬جَميعَ‭ ‬أهْلِ‭ ‬البَلدَةِ‭ ‬لحُضُورِ‭ ‬حَفْلِ‭ ‬الزِّفَافِ‭.‬

وَصَلَ‭ ‬الخَبرُ‭ ‬لعَاطِرٍ،‭ ‬فَقَالَ‭ ‬مُحَدِّثاً‭ ‬نَفسَهُ‭: ‬سَأهْدِي‭ ‬للأَمِيرَةِ‭ ‬عِطرًا‭ ‬يَكونُ‭ ‬مَزيجاً‭ ‬بَيْنَ‭ ‬جَميعِ‭ ‬هذا‭ ‬الورد،‭ ‬وَستَكُونُ‭ ‬هَديَّةً‭ ‬نَادِرَةً‭ ‬أَكِيدٌ‭.‬

وَبَعدَ‭ ‬ُمرُورِ‭ ‬يَومَينِ‭ ‬كَانَ‭ ‬العِطرُ‭ ‬جَاهِزاً‭ ‬فَوضَعَ‭ ‬كَعادَتِهِ‭ ‬قَليلاً‭ ‬مِنهُ‭ ‬

فِي‭ ‬رَاحَةِ‭ ‬يَدِهِ‭ ‬وَقالَ‭ ‬لِكلبِهِ‭: ‬مَا‭ ‬رَأيُكَ‭ ‬فِي‭ ‬رَائِحَةِ‭ ‬هَذَا‭ ‬العِطْرِ؟

نَبَحَ‭ ‬الكَلبُ‭ ‬وَلمْ‭ ‬يَتوقَّفِ‭ ‬عَنِ‭ ‬النُّبَاحِ‭ ‬فَقالَ‭ ‬لَهُ‭:  ‬كَفَى‭..! ‬كَفَى‭..! ‬عَرفْتُ‭ ‬أنَّ‭ ‬العِطرَ‭ ‬أعْجَبكَ‭.‬

صَبَّ‭ ‬عَاطِرٌ‭ ‬العِطرَ‭ ‬فِي‭ ‬قُمْقُمٍ‭ ‬‭(‬1‭)‬‭ ‬أنيقٍ‭ ‬ثُمَّ‭ ‬غاَدَرَ‭ ‬مَصنَعَهُ‭ ‬مُتَّجِهاً‭ ‬إلىَ‭ ‬بَلاطِ‭ ‬الحَاكِمِ‭. ‬وفِي‭ ‬طَريقِهِ‭ ‬لمَحَهُ‭ ‬ابنُ‭ ‬أحَدِ‭ ‬تُجَّارِ‭ ‬البَلدَةِ‭ ‬فَقالَ‭ ‬لَهُ‭: ‬مَاذَا‭ ‬تَحمِلُ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬يَديْكَ‭ ‬يَا‭ ‬عَاطِرْ؟

أَجَابَهُ‭ ‬عَاطِرٌ‭: ‬إنِّي‭ ‬أحْملُ‭ ‬قِنِّينَةَ‭ ‬عِطرٍ‭ ‬سَأهْدِيهَا‭ ‬للأَمِيرَةِ‭.‬

سَمِع‭ ‬الخَبَر‭ ‬ابْنُ‭ ‬التَّاجِرِ‭ ‬فَأبْلغَ‭ ‬أبَاهُ،‭ ‬الذِّي‭ ‬أرْسَلَ‭ ‬مَجْموعَةً‭ ‬مِنَ‭ ‬اللُّصُوصِ‭ ‬اعْتَرضُوا‭ ‬طَريقَ‭ ‬عَاطِرٍ‭ ‬فَسلبُوهُ‭ ‬قِنِّينَةَ‭ ‬العِطرِ،‭ ‬فَقَدَّمَهَا‭ ‬التَّاجِرُ‭ ‬كَهديَّةٍ‭ ‬بِاسْمِ‭ ‬ابنهِ‭ ‬للأمِيرَةِ،‭ ‬أمَّا‭ ‬عَاطِرٌ‭ ‬فَقَد‭ ‬عَادَ‭ ‬للحَديقَةِ‭ ‬حَزيناً‭ ‬جِدًّا‭. ‬

وفِي‭ ‬الغَدِ‭ ‬فَتَحَتِ‭ ‬الأَمِيرَةُ‭ ‬الهَدَايَا‭ ‬فلمَّا‭ ‬شَمَّت‭ ‬رَائِحَةَ‭ ‬العِطر‭ ‬قَالَت‭ ‬لأبِيهَا‭: ‬مَا‭ ‬أَجْمَلَ‭ ‬هَذَا‭ ‬العِطرَ‭ ‬إنَّ‭ ‬رَائِحَتَهُ‭ ‬نَادرةٌ‭ ‬جِدًّا‭!‬

‭ ‬فَازَ‭ ‬ابنُ‭ ‬التَّاجِرِ‭ ‬بِيدِ‭ ‬الأمِيرَةِ،‭ ‬وَيَومَ‭ ‬عَقدِ‭ ‬القِرانِ‭ ‬خَرَجتِ‭ ‬الأمِيرَةُ‭ ‬مَاسِكَةً‭ ‬بِيدِ‭ ‬ابنِ‭ ‬التَّاجِرِ‭ ‬وَعَاطِرٌ‭ ‬وَكلبُهُ‭ ‬يُشاهِدُانَ‭ ‬الأمِيرَةَ‭ ‬تَمُرُّ‭ ‬وَسَطَ‭ ‬المَدْعُوِّينَ‭ ‬بِفستَانٍ‭ ‬جَمِيلٍ‭ ‬وَفجْأةً‭ ‬إذَا‭ ‬بِالكلبِ‭ ‬يَنقَضُّ‭ ‬عَلى‭ ‬فُستَانِ‭ ‬الأَميرةِ‭ ‬فَمَزَّقهُ‭.‬

‭ ‬تَقدَّمَ‭ ‬عَاطِرٌ‭ ‬ليَعْتذرَ‭ ‬للحَاكِمِ،‭ ‬فَقَالَ‭ ‬لهُ‭: ‬أَعْتَذرُ‭ ‬سَيِّدي،‭ ‬إنَّ‭ ‬كَلبِي‭ ‬اشتَمَّ‭ ‬فِي‭ ‬فُستَانِ‭ ‬الأَميرةِ‭ ‬رَائِحَةُ‭ ‬عِطْري‭ ‬الذي‭ ‬كُنتُ‭ ‬سَأهْديهِ‭ ‬لهَا‭ ‬فَسُرقَ‭ ‬مِنِّي‭ ‬فِي‭ ‬الطَّريقِ‭.‬

  ‬عَرَفَ‭ ‬الحَاكمُ‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّاجِرَ‭ ‬وابْنُهُ‭ ‬هُمَا‭ ‬مَنْ‭ ‬دَبَّرَا‭ ‬المَكيدَةَ‭ ‬لعَاطِرٍ‭ ‬فَزجَّهُمَا‭ (‬وَضَعَهُمَا‭) ‬فِي‭ ‬السِّجنِ،‭ ‬بَينَمَا‭ ‬تَزَوَّجَ‭ ‬عَاطِرٌ‭ ‬ابنَةَ‭ ‬الحَاكِمِ‭.‬

 

رسم‭ : ‬محسن‭ ‬أبو‭ ‬العزم‭ ‬