عرائس ندى

عرائس ندى

خرجت ندى لتلعب مع أصدقائها، فوجدت الأولاد يلعبون بالكرة، أما البنات فجلسن فوق مقاعد الحديقة، مع كل واحدة منهن لعبتها. منى معها علبة ألوان وورقة رسمت فوقها شجرة، زينب أحضرت مكعّباتها الملوّنة، وصنعت منها هرمًا صغيرًا، وريم تجلس إلى جوار عروستها التي اشتراها أبوها لها، وتلعب معها. تأمّلت ندى اللوحة التي رسمتها منى، وهرم زينب الذي أصبح كبيرًا وجميلًا بمكعّباته الملوّنة. لكن حين وقع نظرها على عروسة ريم الجميلة، تمنّت لو كانت تمتلك عروسة بجمالها!
لكنها تعرف أن أباها فقير، وليس في إمكانه أن يشتري لها عروسة جميلة كعروسة ريم.
 قالت ندى لنفسها تواسيها: لا بأس.. يكفي أن أشارك صديقتي اللعب معها.
وتقدّمت ناحية ريم وقالت: هل يمكن أن ألعب معك؟
ريم احتضنت عروستها، ونظرت إلى يدَي ندى الفارغتَين من الألعاب، وقالت: وأين لعبتك لِنلعب معًا؟
تطلّعت ندى إلى صديقتها وقالت: نلعب معًا بعروستك.
أبعدت ريم بكفّها الصغير ندى عن عروستها، وقالت غاضبة: لا... لا... اجعلي والدك يشتري لك عروسة مثلها، ساعتها يمكننا أن نلعب معًا.
نكّست ندى رأسها وعادت إلى بيتها تشعر بالحزن والوحدة، فصديقاتها كل منهنّ معها لعبتها، أما هي فلا تمتلك لعبة! فاضت عيناها بالدموع، وسقطت فوق خدّها الوردي وبلّلته. لمحت الأم دموع ابنتها، فهرعت إليها وضمّتها إلى حضنها وسألتها: ما الذي حدث؟
حكت ندى لِأمّها عن شجرة منى، وعن هرم زينب، وحين جاءت سيرة عروسة ريم الجميلة سالت دموعها من جديد، وقالت: كنت أتمنّى أن يكون عندي عروسة مثلها!
ضمّت الأم ابنتها إلى حضنها، وتمنّت لو كان بإمكانها تحقيق أحلام ابنتها. لكنها لم تستسلم لِفقرها، وعادت لتبحث عن طريقة تدخل بها السعادة إلى قلب ابنتها، وقالت: عندي فكرة!
أخذت ندى معها إلى دولاب أبيها، وبحثت فيه عن جواربه القديمة، حتى وجدت جوربًا أبيض، صاحت سعيدةً: سأصنع لك أجمل عروسة.
تعجّبت ندى وقالت: وكيف سنصنعها؟!
قالت الأم: تعالَي معي... لنصنعها معًا.
أحضرت الأم بعض القطن وبقايا الأقمشة، وملأت الجورب بهما، ثم خاطت فتحة الجورب الأبيض، وربطت ثلث الجورب بالخيط، فأصبح مثل كرة صغيرة. وبالألوان رسمت على الكرة عينَين واسعتَين، وأنفًا صغيرًا، وثغرًا مبتسمًا، وضفائر مجدولةً على جانبَي الرأس، فتشكّل وجهًا جميلًا، وربطت باقي الجورب يمينًا ويسارًا بالخيط فأصبح للعروسة ذراعان. تأمّلتهما ندى باندهاش وفرحة، وقالت: لقد أصبح الجورب عروسة جميلة يا أمي!
لكن الأم قالت: ليس قبل أن نصنع لها فستانًا جميلًا لترتديه.
وأحضرتا معًا بعض ملابس ندى القديمة، وخاطتا للعروسة فستانًا ملوّنًا بالأزهار والورود. اصطحبت ندى عروستها وخرجت لتلعب مع صديقاتها.
كانت منى ترسم نهرًا، وتمسك بصنّارتها في انتظار أن تصطاد أسماك النهر، وكانت زينب تبني بمكعّباتها مدرسة لتتعلّم فيها، أما ريم فلم تكن هناك!
 تعاركت مع أخيها حازم لأنه أراد أن يشاركها اللعب بعروستها، وظلّا يتجاذبان العروسة بينهما حتى تمزّقت.
اصطحبت ندى عروستها وذهبتا معًا إلى منى لِتعلّمها كيف تمسك بصنّارتها وتصطاد السمك من النهر، ثم صحبتها إلى مدرسة زينب لِتتعلّم وتستذكر دروسها. ريم رأت ندى وعروستها الجديدة في طريق عودتها إلى بيتها، فأوقفتها وسألتها أن تلعب معها بعروستها الجميلة بعد أن مزّق أخوها حازم عروستها!  ندى رحّبت سعيدة وقالت: بالطبع... ما أجمل اللعب مع الأصحاب!
شعرت ريم بالخجل من صديقتها التي كانت أكرم منها، ووافقت أن تلعب بعروستها معها. قالت بخجل: لكنني لم أسمح لك بالأمس أن نلعب معًا! 
قالت ندى: إننا أصدقاء يا ريم، وسنلعب معًا بعروستي الجميلة. كما أنني أستطيع أن أصنع لك عروسة جديدة بدلًا من التي تمزّقت.
قالت ريم سعيدةً: حقًا! 
مرّت أيام وشهور وسنوات، كبرت ندى وأصبحت أشهر من تصنع العرائس والألعاب في بلدتنا، وامتلكت متجرًا كبيرًا لبيع العرائس التي لم نرَ مثلها من قبل. والغريب أن بعض الأطفال الذين لم يكن بمقدور آبائهم شراء العرائس والألعاب لهم، كانوا يستيقظون في البكور، فيجدون عرائس جميلةً في انتظارهم بنوافذ حجراتهم وعلى الأبواب!.