أُم أضاءت العالم
لدى جدّي ألبوم صور غريب حقًّا، ليس كباقي الألبومات التي تحوي صورًا لأصحابها مع عائلاتهم وأحبّائهم، أو ذكرياتهم الدراسية أو أثناء ترحالهم، إنما يحوي صورًا أغلبها قديمة ولِأُناس لا نعرفهم، عرفت ذلك لِخلوّ الصور من الألوان، عدا اللونين الأبيض والأسود، وعلى غلاف الألبوم من الخارج عبارة: هؤلاء غيّروا العالم.
في المرّة الأولى التي رأيت فيها الألبوم، وقرأت هذه العبارة، سألت جدّي مخمّنًا: من المؤكّد أن أصحاب هذه الصور لديهم قدرات خارقة، أو يمتلكون المصباح السحري كي يغيّروا العالم.
ابتسم جدّي وهو يقلّب في الألبوم قائلاً: بل يمتلكون عقلاً مُبتكِرًا وإرادة صلبة يحقّقان بهما أكثر ممّا يحقّقه أبطالك في عالم الخيال والحكايات. وهؤلاء هم مَن يحوّلون الخيال إلى حقيقة، ألم تعرفهم بعد؟
أجبته بالنفي وعيناي منصرفتان إلى صفحة الألبوم، وتحديدًا إلى إحدى صوَره، إنها لِسيّدة قد تكون أمًّا، هكذا يبدو من ملامح وجهها، جدّي لاحظ ذلك وهو يجيب عن سؤاله قائلاً: إنهم المخترعون.
سألته بفضول وأنا أشير إلى صورة السيّدة: وهل صاحبة تلك الصورة من المخترعين يا جدّي؟
أجابني ناظرًا إليها بامتنان: لا، لكنها كانت سببًا في تغيّر هذا العالم، وإذا عرفت الإجابة بنفسك، فسأعطيك مكافأة، وستكون إحدى الأشياء التي تسبّبت هذه السيدة في إيجادها.
رغبتي في معرفة من هذه السيدة والمكافأة التي قد أحصل عليها في حال توصلت إلى ذلك، دفعتني لأقضي باقي يومي متصفّحًا الإنترنت وفق ما يمليه عليَّ تخميني، فقد تكون قرينة أحد المخترعين، أو ربما رئيسة هيئة علمية، وفي آخر المطاف قادني تخميني إلى الفشل، وذهبت في اليوم التالي إلى جدّي وأقررت بعجزي عن معرفتها. فقال لي: هذه السيدة كانت السبب في إضاءة العالم؛ لأنها والدة مَن اخترع المصباح الكهربائي، واخترع أشياء أخرى كثيرة، بلغ عددها قرابة 1093 اختراعًا، منها: جهاز التصوير السينمائي وجهاز الفونوغراف والمولد الكهربائي والبطارية القلوية.
قلت له ضاربًا جبهتي براحة اليد اليسرى، كمَن تذكّر ما فاته: والدة أديسون..
واصل جدي حديثه مؤكّدًا: نعم والدة أديسون، واسمها نانسي ماثيوز إليوت، تلك السيّدة التي أيقنت أن ابنها عبقري ذو قدرات عقلية تفوق حدود إدراك الآخرين، على الرغم مما قاله معلّموه لها، وهم يستبعدونه من المدرسة التي قضى فيها فترة وجيزة: ابنك شارد الذهن، يطرح الكثير من الأسئلة غير المعقولة، ويميل إلى عدم الإجابة عن الأسئلة الدراسية، وتصرّفاته غريبة وجنونية أحيانًا؛ لذا تولّت بنفسها مهمّة توجيه عبقريته إلى ما ينمّيها حتى تؤتي ثمارها، فعملت على تعليمه في المنزل، وتثقيفه، فدفعته إلى القراءة في الأدب والتاريخ والعلوم، وعرفانًا بجميلها قال عنها أديسون: «أمّي هي التي صنعتني، ولولا إيمانها بي لما أصبحت مخترعًا قطّ؛ لأنها كانت تحترمني وتثق بي، أشعرتني بأنني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريًا من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط».
وعقب انتهاء جدّي من حديثه، قلت له مؤكّدًا، وأنا أنظر صوب صورتها: بالفعل يا جدّي هذه الأم تستحق ما لقّبتها به؛ لأنها أضاءت الطريق أمام ابنها، فأضاء هو بدوره العالم.