طائرة فادي الورقية
كان فادي طفلاً طُلعةً متفوّقًا في دراسته وبارعًا في الأشغال اليدوية, وكان محلّ انبهار الجميع كبارًا وصغارًا.
يوم العطلة المدرسية بكّر فادي في النهوض من النوم. فتح النافذة فتسلّل إلى الغرفة نور الشمس دافئًا, وداعب وجهه النسيم العليل.
تأمّل فادي هذا المنظر الصباحي بفرح, فالشوارع هادئة نظيفة, ونور الفوانيس الساهرة ينبعث خجولاً بعد أن بدأ ضوء النهار الساطع يطغى عليه. وبينما هو كذلك إذ قطع هذا الهدوء صوت طائرة تعبر الأجواء. حدق فيها الولد بإعجاب وتابعها بعينيه إلى أن تضاءل حجمها واختفت تمامًا. تناول فادي فطوره وعجّل بالذهاب إلى إحدى غرف المنزل حيث ورشته وقد عزم على أمر. تفحّص الأدوات الموجودة في الورشة, ثم انفرجت أساريره عن ابتسامة عريضة وقال: لديّ ما يكفي لصناعة طائرتي.
أحضر عودين رقيقين من الخشب ووضعهما في شكل متعامد وربطهما بإحكام بواسطة حبل رفيع, ثم قام بربط أطرافهما حتى يثبّت إطار الطائرة جيدًا. بعد ذلك أحضر ورقًا ملوّنًا ورسم عليه بقلم الرصاص والمسطرة شكل معيّنًا, ثم قصّه وألصقه فوق العودين بإحكام وربطه من المنتصف بخيط رفيع, ثم عكف وقتًا طويلاً على صناعة سلسلة طويلة زاهية من الورق الملوّن ألصقها بأسفل الطائرة حتى تساعدها على الحركة, وبعد ساعة كانت الطائرة جاهزةً للتحليق.
أسرع فادي بها إلى ساحة الحيّ حتى يباهي بها أقرانه, ولشدّ ما كانت دهشتهم عظيمةً حين حلّقت الطائرة الورقية فوق رؤوسهم كطائر قزَحي الألوان, فكفّوا عن اللعب وأسرعوا إلى صديقهم وتجمّعوا حولهم مُنبهرين. لعب فادي كثيرًا بطائرته, وكلما كان يطلب منه أحد أصدقائه مشاركته اللعب كان يجيبه بأنانية مفرطة: هذه الطائرة لي, وقد بذلت مجهودًا في صناعتها, ولن أسمح لأحد باللعب بها.
ولما يئس الأطفال منه انفضّوا من حوله وعادوا إلى ألعابهم غاضبين.
واصل فادي اللعب غير مكترث بغضب أصدقائه. أرخى الخيط واستمتع بمنظر طائرته وهي تعلو وتعلو كأنها طائر زاهي الألوان. فجأة, أفلت الخيط من يده, فطارت الطائرة عاليًا. ركض فادي خلفها حتى رآها تعلق بين أغصان شجرة السرو, فحاول تسلّق الشجرة, ولكن دون جدوى.
شاهد الأطفال ذلك فتوقّفوا عن اللعب وتشاوروا حول طريقة لمساعدة فادي على استعادة طائرته. قال أحدهم: كيف تفكّرون في مساعدته? ألم يخبرنا قبل قليل أنها طائرته وحده? عليه أن يجد حلاً لمشكلته بنفسه إذن.
استنكر أكبر الأطفال سنًا كلام صديقه, وردّ: لا يجب أن نقابل الإساءة بالإساءة, ففادي صديقنا قبل كل شيء.
توجّه الأصدقاء إلى الشجرة, وحاولوا تسلّق جذعها السميك فلم يفلحوا.
هبّت الريح وحرّكت الأغصان, فتدلّى خيط الطائرة فوق الجذع. هتف أحد الأطفال قائلاً: أنا أطوَلُكم, سأحاول الإمساك بالخيط, فهو يبدو قريبًا.
قفز الطفل عاليًا حتى أمسك بطرف الخيط, وماهي إلا لحظات حتى كانت الطائرة بين يديه. شعر فادي بالندم على ما بدر منه, وخاطب أصدقاءه قائلاً: لقد علّمتموني اليوم درسًا لا يُنسى يا أصدقائي, وسوف لن أسمح لكم باللعب بطائرتي فحسب, بل سأعلّمكم كيف تصنعون طائرات ورقيةً بأنفسكم. قفز الأطفال وهلّلوا قائلين بصوت واحد: شكرًا لك يا فادي.
ثم تناوبوا على اللعب بالطائرة الورقية في جوّ يسوده التفاهم والحب.
عند الأصيل تجمّعوا حول فادي في ورشته, وجعل يرشدهم إلى خطوات صناعة الطائرة الورقية, مرّةً يساعد هذا على ربط الخيط أو قصّ الورق الملوّن, ومرّةً يوجّه ذاك إلى طريقة تثبيت إطار الطائرة.
ولما حلّ المساء شاهد سكّان الحيّ طائرات ورقيةً من مختلف الألوان والأحجام تتماوج في الفضاء مزهوةً وسط ضحكات الأطفال وأصواتهم المبتهجة. لوّح الأطفال لِآبائهم, وقال أحدهم: لقد صنعناها بأيدينا.
وعقّب آخر: الفضل يعود لِفادي, هو مَن ساعدنا على ذلك.
شعر فادي بالغبطة, وأسرع يجوب بطائرته الساحة الفسيحة, فتبعه الأطفال راكضين ضاحكين.