عيون غريبة... عيون مُدهشة!

عيون غريبة...  عيون مُدهشة!

تتصدّر الوجه البشري عينان تؤدّيان وظيفة الرؤية على نحو يناسبنا تمامًا، ولكن لا يمكن مقارنتهما بما لِكائنات حيوانية أخرى من عيون تبدو لنا غريبة، إذ تُتيح لهذه الكائنات رؤية العالم على نحوٍ مُغايرٍ جدًا لأسلوب رؤيتنا. انظر، مثلًا، إلى العنكبوت الذي يُسمّى في موطنه البرازيل، بالعنكبوت المزخرف الطوَّاف، ويمكن وصفه بالأرقام، فله جسم من عقلتين، وثماني أرجل، ومن واحد إلى أربعة أزواج من المغازل التي يستخدمها في نسج شباكه، وثماني عيون تخدم الطريقة التي يمسك بها أجزاءَ طعامه. فإن كان يستخدم النسيج الشبكي في الإيقاع بفرائسه التي يتغذّى عليها، فإن عيونه تكون أصغر، وموزّعة ، وتفصل بينها مسافات متساوية. وإن كان العنكبوت مفترسًا يعتمد على حاسة الإبصار، فإن عيونه تتّخذ موقعًا مركزيًا، وتكون كبيرة الحجم. وتنقسم عيون هذا النوع إلى قسمين: زوج من العيون الرئيسية في الناحية السفلية، وبقية العيون ثانوية؛ ويختلف القسمان في التركيب الهيكلي والوظيفة، فبينما تتمتّع العينان الرئيسيتان برؤية حادّة، وبشبكية يمكنها أن تتحرّك خلف عدسة ثابتة-ممّا يساعد العنكبوت على تتبّع حركات فريسته- فإن العيون الثانوية تعمل على توفير مجال رؤية أوسع، ورصد كل مكوّنات المكان. 
أما ضفدع الأشجار أحمر العينين، الشائع في كوستاريكا، فإنه يحب أن يقضي غفوة نهارية ملتصقًا بالجانب السفلي من ورقة شجرة استوائية، مع الحرص على ألا يكتشف أعداؤه وجوده، فيطوي أطرافه لتغطي ما يميّزه من الخطوط الجانبية الزرقاء والصفراء، كما يخفي أقدامه البرتقالية الزاهية تحت بطنه. ولعينه جفن سفلي شفّاف يُعرف بالغشاء الرامش، يتحرّك حسب إرادة الضفدع لإخفاء العين والاحتفاظ بها رطبةً. فإن اقتربت أفعى تبحث عن فريسة، فإن الغشاء يساعد في عملية التمويه بإخفاء ملامح العين، لكنه يسمح بنفاذ قدر من الضوء، ليراقب الضفدع ما يجري. فإن رأى ما يُقلق، فتح عينيه وقد أحالهما إلى بقعتين من خطوط ملوّنة، هذه العملية يلجأ إليها هذا الضفدع الذي يفتقر للأسلحة السامّة والقدرات القتالية، فلا يجد لديه إلا عينيه لتخويف الحيوانات المفترسة، ولو لثوانٍ، ليستجمع قوته، ويقفز مبتعدًا عن مصدر الخطر. 
وتتمتّع عين الروبيان الطاووسي، وموطنه إندونيسيا، بنحو عشرة أنواع من مستقبلات الالوان. وهذه واحدة من ميزات عديدة تتمتّع بها المنظومة البصرية لهذا الكائن القشري الذي تتوزّع عيونه المركَّبَة على سيقان توفّر لها حرية الحركة، وتيسّر لها أن تتابع ألوان الوسط المحيط به، كما أنها قادرة على الإحساس بالأشعة تحت الحمراء، وتتمتّع كل عين بقدرة مستقلة على الإحساس بالعمق. ولكل عين ثلاث فتحات سوداء، أو حدقات، وتتحرك كل هذه المنظومة من الحدقات طول الوقت لأعلى ولأسفل، في عملية مسح ضوئي للوسط المحيط بالروبيان ليتعرّف على كل ما فيه، كأعظم وأدقّ أجهزة المسح الضوئي. 
ويعيش في المياه الاستوائية الضحلة، غرب المحيطين الهندي والهادي، نوع من المحارات يُقال له (القوقعة الأنيقة). وقد اختارت المياه الضحلة لأنها مُضاءة جيداً على الدوام، وهذا يناسب ما تمتلكه هذه القوقعة من عيون كبيرة، فتتحقّق لها رؤية ممتازة. يعززُ ويوسِّعُ مجال تواجدُها على ما يشبه السيقان، واحتواءُ شبكيةُ العين على ستة أنواع مختلفة من الخلايا تعين القوقعة الأنيقة على اتّخاذ قرار سريع عند اقتراب كائن مفترس، فتقوم بحركات انقباضية تستهلك كثيرًا من طاقتها، لتتجنّب الخطر الذي رصدته عيونُها قد قبل أن يقترب أكثر.
وثمّة سمكة فَرض شكلُها تسميتها بـ (الجيتار المخطط)، وهي (قوبع) غضروفي يتّخذ هيئة جيتار - والقوابع هي أسماك تقضي معظم وقتها قابعة في قاع البحر - واكتشف العلماء قدرتها على رؤية الألوان عندما وجدوها تميّز- مقابل مكافأة من الجمبري المهروس- بطاقات ملوّنة أُلقيت في قاع حوض التجريب. إنها ترى العالم ملوّناً على نحو ما نراه نحن البشر، على العكس من أسماك القرش المُصابة بعمى الألوان. وتتميّز القزحيةُ بلونها الفضّي، ويغطّي البؤبؤ أو الحدقة ذات اللون الأسود الفاحم، سديلةٌ ثلاثية الفصوص تتمتّع بمجال للحركة، وتتحكم في كمية الضوء التي تدخل العين. 
أما أكثر العيون إثارةً للدهشة فهي عيون الحرباء المسمّاة بالنمر، التي تستوطن مدغشقر. إنها عيون ملوَّنة تستقرّ في برجين مخروطيين على جانبَي رأس هذه الحرباء. ولِلعين جفنان: علوي وسفلي، يبقيان ملتصقَين طول الوقت، تاركين ثقبًا صغيرًا، فقط، لدخول الضوء. ويمكن للعين أن تدور بحريّة تامة تحت هذا الجفن شبه المغلق، فتحصّل على مجال للرؤية باتّساع 360 درجة تقريبًا، ويتيسّر لها رصد مختلف الكائنات على جوانب متقابلة من رأسها. ويمكن لهذه الحرباء اكتشاف الحشرات الصغيرة من مسافة تصل إلى 10 أمتار، فإن رصدت الحرباء حشرةً غيّرت وضع رأسها لتتمكّن العينان من تفحّص الصيد المنتظَر كأنه أصبح تحت مجهر، ولا يلبث اللسان اللزج أن ينطلق في جزء صغير جدًا من الثانية ليمسك بالفريسة ويلتهمها.