كم عدد النمل؟!

كم  عدد النمل؟!

لِنبدأ بحقيقة مدهشة، هي أن وزن نمل الأرض يفوق وزن كلٍّ من الطيور البرّية واللبونيات (الثدييات)، مُجتمعةً!، فعددُ النمل يبلغ آلاف المليارات. إنها كائنات متواضعة، وإن كانت تثير سخط الملايين من البشر حين تغزو أماكن معيشتهم، ومطابخ بيوتهم، على نحو خاص. ويرى بعضُ العلماء أنها واحدة من أكثر الحيوانات نجاحًا وهيمنة في هذا الكوكب. إنها منظّمة للغاية، وقادرة على إدارة تفاعلات وثيقة مع غيرها من سكّان الكوكب، من النباتات إلى الفطريات إلى الحشرات الأخرى والفقاريات الكبيرة.
وفي كتاب عنوانه (النمل)، صدر عام 1990، لِعالِم أحياء أمريكي اسمه إدوارد ويلسون، أُطلق على هذه الحشرات اسم «الأشياء الصغيرة التي تدير العالَم، وتشكّل ثلثَي الكتلة الحيوية لجميع الحشرات الأرضية». ولقد اهتم العلماء منذ سنوات طويلة بتقدير وزن وعدد هذه الحشرات ذات الأرجل الستّة، التي لا يكاد يخلو منها مكان على سطح الأرض. 
وفي دراسة أجراها حديثًا فريقٌ دوليٌّ من الباحثين في جامعة هونج كونج، ونُشِرتْ نتائجُها، أعلنوا فيها أنهم توصلوا إلى تقدير عدد النمل في الأرض، ويبلغ 20 كوادريليون نملة (أي الرقم 20 وأمامه 15 صفرًا) !، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض مواطن النمل المهمّة في العالم، مثل وسط القارّة الأفريقية، وأجزاء متفرّقة من آسيا، لم يتيسّر الحصول على بيانات عن أعداد النمل فيها.
وجدت الدراسة أيضًا أن النمل موزّع بشكل غير متساوٍ على سطح الأرض العالمي. وعادةً ما تُؤوي المناطق الاستوائية عددًا أكبر من النمل، مقارنة بالمناطق غير الاستوائية، ولكن هذا يعتمد أيضًا على النظام البيئي المحلّي. وقد تضمّنت الدراسة بيانات عن النمل الذي يحفر أعشاشه في التربة، والأنواع التي تتّخذ مساكنها في الأشجار، في 465 موقعًا تغطّي كل القارّات وكافّة الموائل، واستغرق إجراؤها ستّ سنوات. 
والجدير بالذكر أن النمل، مع أنواع أخرى من الحشرات، لها أهميتها الكبيرة التي تجعل العلماء يرون أنها مهندسة العديد من النظُم البيئية، مثل الغابات المطيرة والأراضي العشبية والصحاري، فهي تقوم بتدوير المخلّفات في التربة، وتهويتها، مما يسمح للماء والأكسجين بالوصول إلى جذور النباتات. كما أنها من أهم آليّات نشر البذور لزراعة أجيال جديدة من النباتات، وتتغذّى على مجموعة متنوّعة من المواد العضوية في الوسط الذي تعيش فيه، بالإضافة إلى أنها، هي ذاتها، تمثّل الطعام المُتاح لحيوانات مفترِسة. 
وقد تشكّل الآن فريق عالمي لمواصلة دراسة أحوال وأعداد النمل في سائر أنحاء العالم، ويعتزم التحقّق من أسباب وجود عدد من النمل في بعض أجزاء العالم أكثر من غيرها، والمُعتقَدُ أن ذلك يرجع إلى الاضطرابات المناخية، واختلاف أساليب استخدام الإنسان للأرض، وتباين مميّزات البيئات في العالم.