«تناول الطعام الحدسي» يفتح أبواب الأمل والإلهام
بعد الكثير من المعاناة والإحباطات المتكررة التي يعيشها الملايين من متّبعي الحميات حول العالم من أجل خسارة الوزن الزائد للوصول إلى مظهر مثالي جذاب أو الحفاظ على الصحة - أو كليهما - فتح كتاب تناول الطعام الحدسي لكل من إيفيلين تريبول وإليس ريستش أبواب الأمل والإلهام للعديدين، فمنذ صدور طبعته الأولى عام 1995 حتى الآن يتزايد مناصرو هذه الممارسة الغذائية الطبيعية. وقد تكررت طباعة الكتاب وتحديثه وإرفاق كتاب آخر للتطبيق والمتابعة للمرة الرابعة. وظهرت عشرات الدراسات ذات العلاقة بالموضوع. وما تؤكده المؤلفتان، ويؤكده المجربون على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه عندما نترك «الرجيم» ونستبدله بالالتزام بتناول الطعام الحدسي، نرتاح من سجن الوزن، ونبني علاقة صحية مع الطعام والجسد.
يتضمن تناول الطعام الحدسي التواصل مع أجسادنا والاستماع إلى رسائلها لمعرفة حاجاتها، والاستجابة لها. ويقوم على فكرة عقد علاقة سلام مع جميع الأطعمة، دون أن يعني ذلك تناول كل ما نريد في أي وقت، بل وفقًا لحدسنا الذي يخبرنا بمدى الجوع أو الشبع - بعيدًا عن التفكير في الحاجة لفقدان الوزن أو اكتسابه - ويساعدنا على التركيز على الطعام المناسب. وما يستدعي إحداث التغيير، ظهور مؤشرات فقداننا التواصل مع حكمتنا الباطنية التي من بينها تجنب الأطعمة عالية الدهون، أو النشويات، أو السكريات؛ والشعور بالندم بعد تناول أي طعام غير صحي؛ والتهام الطعام لأسباب عاطفية كالقلق، أو الملل، أو الوحدة، وعدم القدرة على التوقف عن تناول الطعام بعد الشبع، والفشل في تحديد مستوى الجوع أو الشبع.
10مبادئ
يدرج الكتاب المذكور عشرة مبادئ يمكن أن تقودنا إلى التواصل مع حكمتنا الباطنية:
1 -رفض التفكير في نظم الريجيم وآمال خسارة الوزن السريعة والسهلة؛ التي عادة ما تفضي إلى الفشل بمجرد التوقف عنها، بل وتقصينا عن فرص استعادة استكشاف تناولنا الطعام بصورة حدسية.
2 -تقدير الجوع، وتغذية الجسد بما يحتاج: علينا تقدير أولى إشارات الجوع وتجنب تجاهلها، وإعادة بناء الثقة بيننا وبين ما نتناول من طعام؛ فلا ننسى أنفسنا وسط الانشغالات حتى تستنفد طاقتنا ويتراجع تركيزنا.
3 -بناء علاقة سلام مع الطعام: وقف الصراع الذي نعيشه، ومنح أنفسنا إذنًا غير مشروط بتناول ما نحب، لأن قولنا: «ينبغي عدم تناول هذا الطعام أو ذاك»، يقودنا إلى حرمان يضاعف رغبتنا في تناول الممنوع. وإذا ضعفنا واستسلمنا أخيرًا نفرط في الأكل، ويغمرنا الشعور بالذنب. وقد أوضح مسح عن السمنة والصحة أجري على ألفي شخص بفلوريدا شعور 45 في المئة من البالغين بالذنب لتناول أطعمة يحبونها.
4 -تحدي شرطة الأكل: أن نقول «لا» لأفكارنا التي تمنعنا من تناول الشوكولا- مثلًا - على اعتبار وجود مركز الشرطة في أعماقنا، أما الأصوات الخارجية فطردها ضروري.
5 -الشعور بالشبع: علينا الإنصات إلى إشارات أجسادنا عندما تخبر الواحد منا أنه لم يعد جائعًا. ونلاحظ شعور الراحة الملازم للشبع. ولا بأس من التوقف في منتصف الوجبة لنسأل أنفسنا عن طعم ما نتناول، ومستوى الشبع الذي وصلنا له.
6 -اكتشاف عنصر الرضا: تبقى السعادة دائمًا هدفًا من أهداف الحياة الصحية. ويرتبط التأمل في نعمة الوجود بخبرة تناول الطعام، فعندما نأكل في بيئة إيجابية، سيبعث ذلك على الرضا والسرور، فلا نحتاج إلى الكثير من الطعام، ولهذا ليس علينا أن نأكل ما لا نحب، وإذا أكلنا من الأفضل أن نستمتع بما نحب.
7 -التوافق مع المشاعر السلبية بدون طعام: أي البحث عن طريقة تريحنا بعيدًا عن الانكباب على الطعام لأنه لن يحل مشكلة، ولن يكون له معنى ولا طعم بدون جوع.
8 -احترام الجسد: ينبغي ألا نرتدي مقاسًا أقل من مقاسنا لنبدو أنحف، لأن هذا يعني أننا لن نقاوم التفكير في الريجيم، ولا نتخلص من تصورنا غير الواقعي لحجمنا وشكلنا المفترض.
9 -الشعور بالفرق: بعد وقف الريجيم والانطلاق في تناول ما نحب سنشعر بالطاقة والحيوية، وإذا مارسنا رياضة ما فسيكون ذلك من أجل الاستمتاع وتحسين الصحة وليس لخسارة الوزن الزائد.
10 -تقدير الصحة باختيار الطعام الصحي المثير للرضا.
إيقاظ القدرة على تناول الطعام الحدسي
في موضع آخر، يشرح الكتاب رحلة إيقاظ القدرة على تناول الطعام الحدسي، التي يعتمد مداها على مقدار الثقة بالذات والاستعداد لنسيان التفكير في الوزن، وتقبل التفكير والتصرف بصورة جديدة، كالآتي:
في البداية، يكون الاستعداد لوقف الريجيم، والاعتراف بفشل المحاولات السابقة لإنقاص الوزن، والمعاناة من القلق المزمن المصاحب لتناول الطعام، والانشغال بالتفكير في الأطعمة الممنوعة، وفقدان التواصل مع الإشارات البيولوجية المتعلقة بالجوع والشبع، ونسيان الأطعمة المحببة، إلى جانب مواجهة المخاوف والعلاقة السلبية مع الطعام، كالخوف من صعوبة التوقف عن الأكل بعد الاستسلام لإغراءاته، والاستمرار في وضع عالق ومحبط يفرض تناول الطعام لتخدير مشاعرنا أو تشتيت انتباهنا عن أمر ما. وقد تستمر هذه المرحلة حتى نقر بأننا غير سعداء بطريقة تناولنا الطعام، ونقرر البحث عن طريقة أخرى لحل مشكلاتنا. وسرعان ما نعرف أننا مستعدون لتجربة عملية ستعود بنا إلى استخدام حدسنا في تناول الطعام.
في مرحلة تالية، يكون الاستكشاف من خلال تعلم واعٍ، والبحث عن المتعة في الطعام: وقد نمر هنا بالإفراط في الأكل لاستعادة شعورنا الحدسي بالجوع والشبع وتحديد ما نفضل تذوقه- مثل تعلم قيادة السيارة، حيث يتطلب الأمر في البداية الكثير من الوعي والتفكير في التفاصيل بصورة غير مريحة - فننشغل بالتركيز الشديد على الطعام الذي يتوقف عند الانتهاء منه. ونبدأ علاقة السلام مع ما نأكل، ونمنح أنفسنا تصريحًا غير مشروط بتناول ما نشاء. وقد يبدو لنا الأمر مخيفًا، ونختار التقدم بحذر، لكننا سنتعلم التخلص من الشعور بالذنب، ونكتشف أهمية عنصر الرضا مع الطعام، وكلما شعرنا بالرضا قل استهلاكنا لما نأكل وتراجع تفكيرنا في الطعام، وقد نكتشف أننا لا نحب طعم طبق حلمنا به. ونتأكد من كون الريجيم هو ما أقصانا عن تفضيلاتنا الفعلية. وسنتعلم تقدير جوعنا، ونتعرف على إشارات درجة هذا الجوع، ونميز بين الإشارات البيولوجية والانفعالية التي قد تثير لدينا الرغبة في تناول الطعام، وسنجد أنفسنا نتناول كميات أكبر مما نحتاج، وسيكون من الصعب احترام الشبع في هذه المرحلة لأننا نحتاج إلى وقت لتجربة الطعم والكمية المناسبة لسد الجوع من بعد الحرمان، كما سنحتاج إلى وقت لتعزيز ثقتنا مع الطعام ونعرف أنه لا بأس في أن نأكل. وإذا كسبنا وزنًا - بعد تناول دهون وسكر- فسيكون محدودًا، وسرعان ما سنلاحظ عدم التوازن ونتوقف.
في المرحلة الثالثة سنخبر ونعي أسلوب تناول الطعام الحدسي الذي كان جزءًا منا، لكنه دفن بنظم الريجيم التي مارسناها. ويتبلور المزيد من الاستكشاف ونشعر بتغير سلوكياتنا. وتتوقف وساوسنا المزعجة. ولن نحتاج إلى الوعي المفرط أثناء الأكل، وعند اتخاذ القرارات المتعلقة بماذا سنأكل، وستكون استجاباتنا الحدسية للإشارات البيولوجية بلا جهد. وسنتمتع بثقة أكبر فيما يتعلق بالحق في اختيار ما نُحب، والاعتماد على الإشارات البيولوجية، وسنرتاح لاختياراتنا، وسنلاحظ الرضا ونحن نتناول وجباتنا، وسنقدر جوعنا في معظم الوقت، وسيستمر السلام الذي نستشعر مع الطعام، وسيكون من السهل علينا التوقف أثناء الطعام ونسأل أنفسنا عن مدى رضانا، ومدى شعورنا بالامتلاء، ونحصل على إجابات، كما سنكون قادرين على اختيار ما كان ممنوعًا، ورفض ما لا يرضينا، والتمييز بين تناول الطعام الانفعالي وتناوله بدافع الجوع البيولوجي، وسنشعر بالراحة والمقدرة على تهدئة أنفسنا دون التهام الطعام. ولابد أن نتذكر أهمية نسيان أمر خسارة الوزن واستبدال الشعور بقلة الحيلة بالشعور بالتمكن واحترام الجسد.
في المرحلة الرابعة يكون استيقاظ تناول الطعام الحدسي: حيث يصبح كل ما تقوم به مريحًا ومتدفقًا، وسنختار ما نحب عندما نشعر بالجوع، ولأننا نعرف أن بإمكاننا تناول ما نشاء فيما بعد، سيسهل علينا التوقف عند الشبع. وربما نختار طعامًا صحيًا ليس لأنه ما ينبغي تناوله، بل بناءً على قرار اتخذناه، ونتيجة لمعرفتنا أن الطعام الذي نحب متاح، لن نشعر بالحرمان منه، بل سنخبر المتعة والرضا بكميات أقل ومن دون شعور بالذنب يفسد متعتنا. حتى إذا صعب أمر تهدئة مشاعرنا فسيكون خوفنا من التهام الطعام أقل، وسنعرف كيف نبحث عن بدائل صحية لتهدئة أنفسنا بصورة طبيعية، وسيكون التفكير في الطعام والحديث عنه أمرًا إيجابيًا، ويحل السلام ويموت الغضب والرفض ونتقبل أشكال اجسادنا وأوزاننا ومقاساتنا كأمر طبيعي.
في المرحلة الأخيرة: ننعم بكنز المتعة، حيث نثق بقدرات أجسادنا الحدسية، ويسهل علينا تقدير جوعنا واحترام شبعنا. ولن نشعر بالذنب بسبب اختيارات نوع الطعام أو كميته. وسيكون شعورنا طيبًا بشأن علاقتنا بالطعام والسرور الذي نلمسه أثناء تناوله، وسنتجاهل المواقف غير المثيرة للرضا والطعام غير اللذيذ، وسننال القناعة الباطنية بالكف عن استخدام الطعام لتهدئة انفعالاتنا. ونظرًا لكون تناول الطعام مصدرًا للسرور في هذه المرحلة، سنخبر التغذية والحركة بطريقة مختلفة، لن تكون الرياضة لحرق السعرات الحرارية، بل للشعور على نحو أفضل جسديًا وذهنيًا، ولن تكون التغذية أمرًا آليًا، بل ستكون أسلوبًا للشعور الصحي الطيب، وعندما نصل إلى هذه المرحلة النهائية ستستقر أوزاننا عند الحد الطبيعي المريح الذي غالبًا ما سنحافظ عليه وسنتخلص من التقلبات المزاجية المصاحبة لدورات الحرمان والإفراط، وأخيرًا سنشعر بالتمكن والحماية من القوى الخارجية التي تفرض علينا ما ينبغي أن نأكل، وكيف يجب أن تكون أجسادنا، وسنتحرر من الريجيم ونعود إلى استخدام حدسنا.
استثمار طويل المدى
ترى المؤلفتان أن الأمر قد يبدو مستحيلًا، وقد تبدو فكرة التصريح غير المشروط بتناول ما نحب مرعبة، لكن العودة إلى تناول الطعام الحدسي كالاستثمار طويل الأجل، عملية تنمية مستمرة تتضمن الكثير من التغيير. وكل ما علينا التركيز على الهنا والآن، ومساعدة أنفسنا على استعادة متعة تناول الطعام باتباع بعض الخطوات:
- سؤال أنفسنا عما نود تناوله؟ فما يثير الشعور بالرضا إتاحة الوقت لنعرف ما نريد مع إذن غير مشروط بتناوله في أجواء من الاسترخاء والاستمتاع.
- اكتشاف المتعة في أطباقنا: بالتركيز فيما نأكل، بعيدًا عن التفكير في السعرات الحرارية، أو الماضي أو المستقبل، ويعني تناول الطعام بوعي تذوقه والقدرة على وصف طعمه: حلو، مالح، مر، حامض، وملمسه: مقرمش، ناعم، سائل، ورائحته كرائحة القمح في المخبز، كالقهوة - مظهره وطريقة تقديمه والألوان والمكونات ودرجة الحرارة - تصاعد البخار من الشوربة في الأيام الممطرة، أو البرودة في أيام الصيف - حجمه - قدرته على خلق الشعور بالامتلاء - خفيف، أو ثقيل، أي أن نسأل كيف حال المعدة؟
- زيادة المتعة في خبرة تناول الطعام: بمراعاة أمور مثل الأكل بتأنٍ وملاحظة شكل الطبق ومكوناته، والجلوس على طاولة مريحة، وأخذ نفس عميق للمساعدة على الهدوء، والاستمتاع بتذوق كل قضمة وكل لقمة، واستشعار الامتلاء، وتناول الطعام في أجواء سارة يمكن أن تأتي من سفرة متنوعة ومرتبة وجميلة، وتجنب التوتر والجدل والغضب.
- تذكر أننا لسنا مجبرين على إنهاء طعام، فمن يعتمد الحدس في أكله لا يجبر نفسه على ما لا يحب، لأنه يرفع شعار «إذا لم تحبه لا تأكله، وإذا أحببته فتلذذ به».
- طرح سؤال: هل لا يزال الطعم طيبًا؟ فقد يتغير الطعم بعد دقائق من البداية. وللإجابة حاول أن تمنح درجة لتميز الفرق.
من الجيد أن ننتبه إلى صغارنا أيضًا، فقد بينت دراسة أجريت بجامعة ديوك الأمريكية، أن الوزن الزائد لأطفال ما قبل المدرسة مرتبط بدرجة كبيرة بتحكم أولياء الأمور، فالذين يقدمون الطعام لأطفالهم مع ظهور علامات الجوع ويتوقفون عندما يكتفون يسهمون في تنمية قدرتهم على تناول الطعام بصورة حدسية، بينما يتحين الأطفال الذين يمنعون من بعض الأطعمة الفرصة ليفرطوا في الأكل لخوفهم من عدم حصولهم على هذا الطعام مرة أخرى، ويكبر هؤلاء الصغار ليتابعوا فوضى المعلومات المتضاربة ونظم التغذية المختلفة وغير ذلك مما يقضى على حكمتهم الفطرية وتواصلهم مع الباطن لمعرفة ما يحتاجون.
في النهاية، لابد من جني ثمار الرحلة، فوفقًا لدراسات أجريت فيما بين 2006 و2015 هناك ارتباط بين هذا النوع من تناول الطعام والقدرة على تقدير الجسد والرضا عنه، والأداء العاطفي الإيجابي، والرضا عن الحياة بشكل عام، والصلابة النفسية، ووجود حافز أكبر لممارسة التمارين الرياضية من منطلق الرغبة في الاستمتاع، لا من أجل المظهر أو التغلب على الشعور بالذنب ■