الأصابع السحرية

الأصابع السحرية

أمي... أمي... أين كتاب المدرسة؟ أنا لا أجده! هذا ما قاله يوسف وهو يجهّز حقيبته المدرسية قبل الذهاب إلى المدرسة. دخلت الأم حجرة يوسف لتجدها في حالة فوضى شديدة، وهاتفه المحمول ملقى على الفراش لأنه لا يتركه إلا عند النوم، فعاتبته أمه على إهماله، وأخذ يوسف يبحث في كل مكان عن الكتب ولكنه لم يجدها، فجلس على الأرض ليستريح، وهنا رأى الكتاب موجودًا خلف حصانه الخشبي، فأسرع وجذبه بعنف فانقطع جزء من غلاف الكتاب! وما الجديد؟ فمعظم كتبه ولعبه ممزّقة وبالية لعدم اهتمامه بها، وبعد عودته وجد والدته تستعد للذهاب إلى الجيران الجدد الذين سكنوا في البيت المجاور لهم، أصرّ يوسف على الذهاب معها فوافقت، رحّب الجيران بهم وكان لهم ابن اسمه عمر، اكتشف يوسف أنه كفيف عندما دعاه إلى حجرته وأخذ يتلمّس الجدران حتى وصل إليها، نظر يوسف إلى حجرة عمر المرتّبة بشكل مبهر، ووجده يهتم اهتمامًا كبيرًا بالكتب ويضعها على أرفف عالية، وأمسك هاتفه وأخذ يبحث عن أحد الألعاب عليه، ثم تنبّه يوسف إلى أن عمر لا يستطيع اللعب على الهاتف، فتحدّث معه في ودّ قائلًا: ماذا تفعل في يومك يا عمر بعد عودتك من المدرسة؟ أجابه عمر: أنهي ما علي من واجبات مدرسية، ثم أدخل إلى عالمي السحري. قال يوسف في تعجّب: عالمك السحري! أين هو؟ أخذ عمر كتابًا موجودًا على مكتبه، وأخذ بأصابعه الكتاب برقة، وتسكن تعابير وجهه شيء من البشاشة والسعادة، نظر يوسف إلى الكتاب وقال: إن أصابعك تلامس ثقوبًا فارغة، أين الحروف والكلمات؟ قال عمر: إن هذا الكتاب مكتوب بطريقة بريل، وهي طريقة خاصة للمكفوفين. قال يوسف في تعجب: هل تقرأ بأصابعك؟! قال عمر: نعم، فهي الأوتار السحرية التي تفتح أمامي بوابة عالمي الرائع، فكل كتاب أقرؤه أعيش بين طيّات صفحاته، أشعر بأحداثه وأصادق أفكاره وأحصد معلوماته فيثمر عقلي وعيًا وإدراكًا.
جذبت كلمات عمرُ يوسفَ فجلس يستمع إليه، وبدأ عمر يقرأ وأصابعه تترجم لذهنه ما يحتويه الكتاب، وسبح يوسف مع عمر في عالمه العجيب. 
تكرّرت زيارات يوسف لجاره وصديقه عمر، وفي كل مرّة كان عمر يأخذه إلى رحلة جديدة في كتاب جديد، فيأخذه مرّة إلى عالم الحكايات والمغامرات، فيصادق أبطالها ويشاركهم الأحداث، وينفعل بتقلّبات الحكاية الشائقة المثيرة، ويرسم عقله شكل المكان وملامح الأبطال ويلوّن خياله الأشياء، يجري... يفرح...ينتبه... يحزن... ويصبح جزءًا من الحكاية. ومرّة أخرى يأخذه إلى عالم التجارب والاختراعات العظيمة التي أفادت البشرية، فيبحر في أذهان العلماء، ويتعجّب من فكرهم العميق وشدّة فهمهم للأشياء، يحاول معهم ويشاركهم تجاربهم المفيدة، ويتفاعل مع أفكارهم المذهلة. ومرّات أخرى يأخذه كتاب إلى مواضيع وأشياء لم يكن يعلم عنها شيئًا، فيشعر باتّساع عقلة ونموّ فكره. بدأ يوسف تدريجيًا ترك ألعاب هاتفه التي كان يظن أنها مصدر المرح والمتعة، لقد جذبه عمر إلى عالمه الشائق الذي تعرف أصابع عمر شفرة الدخول إليه، ومع مرور الوقت توثّقت روابط الصداقة والمحبة بين عمر ويوسف، وتغيّر يوسف كثيرًا، وبدأ في الاهتمام بحجرته وترتيبها ونظافتها، لأنه عرف من خلال قراءته مع عمر أن النظام يبعث للذهن إشارات بالراحة والسعادة، ويوفّر مجهود البحث والعناء. وأخذ مجموعة من الكتب التي أهداها له والد عمر، اشتراها حينما كان في معرض الكتاب، وخصّص لها مكانًا عاليًا، ووضعها بشكل مرتّب وجميل، ونظر إليها في إعجاب وهو يقول: لقد عرفت الآن لماذا تستحق! وأصبحت أهم عاداته اليومية هي القراءة، وبعد أيام عرف يوسف أن صديقه عمر سيسافر مع أسرته إلى بلد آخر من أجل عمل والده، فشعر يوسف بالحزن لفراق صديقه، ولكنه ودّعه بابتسامة وهو يقول له: شكرًا لك ياصديقي.