الخلية الحمراء لولا وصديقتها نانا

الخلية الحمراء لولا وصديقتها نانا

بعد يوم متعب ظلت فيه الخلية الحمراء «لولا» تؤدي مهمتها بنشاط ودون كلل، وهي تتنقل داخل الشرايين وتنقل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة، قررت، كعادتها كل مساء، أن تلهو قليلاً برفقة صديقتها «نانا». لكن عندما ذهبت لولا للمكان الذي تلتقيان فيه، وجدته خاليًا على غير العادة، فشعرت بالقلق وانطلقت تبحث عن زميلتها. وفجأة، سمعت لولا بكاءً خافتًا يأتي من مكان قريب، فأسرعت إلى هناك لتجد أن صديقتها نانا تجلس وحيدة وعلى وجهها علامات الحزن. سألت لولا نانا: ما بك يا صديقتي العزيزة؟

أجابت نانا بصوت خافت: لا شيء يا عزيزتي، فقط أريد أن أرحل من هذا الجسم؟
تساءلت لولا بجزع: لماذا؟ نحن نقضي أوقاتًا ممتعة معًا.
ردت نانا: هذا صحيح... لكنني سمعت أمس أشياء رائعة عن خلايا أخرى انتقلت بين الكثير من الأجسام، واكتشفت خلال تنقّلها أشياء رائعة وروت حكايات مذهلة.
وافقتها لولا الرأي قائلة:- أنا أيضًا سمعت ذلك، وأتمنى أن نحظى بتلك الفرصة يومًا.
تساءلت نانا بلهفة: إذن، أنت مستعدة لمرافقتي؟
ردت لولا بسرعة: طبعًا... هذا حلم كل خلية... يكفي أن رحلتنا تلك تهبُ الحياة لجسم آخر. لكننا جميعًا نعلم أن الأمل ضئيل في ذلك، لأن صاحب هذا الجسم لم يسبق له أن تبرع بدمه الذي نحن جزءٌ منه.
قالت نانا وقد بدأ صوتها يمتلئ بالعزم:  هناك دائمًا مرة أولى.
ثم سحبت صديقتها من يدها وانطلقتا تسبحان وسط الشرايين حتى وصلتا إلى المخ الحكيم ووقفتا أمامه باحترام ثم سألتاه: أيها المخ الحكيم... أما آن الوقت لترسل بعثة منا لإنقاذ حياة إنسان آخر؟
داعب المخ الحكيم لحيته الطويلة وأجاب:- تقصدين التبرع بالدم؟ لقد فكرت في ذلك كثيرًا لكن يعز علي كثيرًا فراقكما، كما أنني أخشى أن تضعف صحة هذا الجسم الذي نسكن فيه.
قالت الخلية نانا بحماس: لكن التبرّع بالدم لا يضعف الصحة بل يقويها ويجددها، فهو ينشط الدورة الدموية، ويخفف ضغط الدم، إضافة إلى فوائد أخرى.
تساءل المخ الحكيم بحيرة: مَن أخبرك بذلك؟
أجابت نانا بنفس الحماس: الخلايا التي جاءتنا يومًا في إحدى بعثات الإنقاذ، بعد أن أصيب جسمنا هذا بجرح غائر في حادثة خطيرة.
حرك المخ الحكيم رأسه ببطء وهو يقول: نعم... نعم... أذكر تلك الحادثة... ولولا وجود تلك البعثة لكان انتهى أمرنا!
قالت نانا: أرأيت؟ فلم لا نكون نحن أيضًا مثلهم ونرحل لإنقاذ الآخرين.
أعلن المخ الحكيم نهاية اللقاء، وهو يقول: حسنًا، سأفكر في الأمر. اذهبا الآن للنوم لتعملا غدًا بنشاط.
في الصباح الباكر، علمتا أن التجهيز قد بدأ لرحلة جديدة، فانطلقتا تسابقان الريح ولاحظتا أن الطابور طويل والزحام شديد على باب الشريان، حاولتا الاقتراب لكن الخلية المسؤولة عن البعثة استوقفتهما قائلة: لقد وصلنا إلى العدد المطلوب، لا يمكنكما الالتحاق.
كانت صدمة كبيرة لنانا ولولا، وبدأتا بالبكاء. وفجأة سمعتا صوتًا آتيًا من الطابور يقول: مَن؟ لانا؟ لولا؟ لماذا تبكيان؟
كانت هذه إحدى الخلايا الواقفة في الطابور، فأجابت نانا بصوت مختنق من كثرة البكاء: لقد كنا نأمل المشاركة في هذه البعثة لكننا تأخرنا للأسف.
قالت الخلية: سأمنحكما مكاني أنا وأختي، فلقد علمت أنكما مَن أقنع المخ الحكيم بهذه الرحلة، فلن يضيع مجهودكما سدىً.
مسحت الصديقتان دموعهما غير مصدقتين وهما تتساءلان في صوت واحد: حقًا؟
ردّت الخلية وأختها: نعم أكيد... ونحن سننتظر فرصة أخرى عمّا قريب، فقد اقتنع المخ أن هذه الرحلات ينبغي أن تصبح عادة.
كانت لحظة الانتقال مسلية وطريفة، عبر الأنبوب البلاستيكي، وعاشت لولا ونانا لحظات رائعة من المرح وهما تتدحرجان وتضحكان، قبل أن تستقرا أخيرًا برفقة الجميع في الكيس استعدادًا للرحيل نحو جسم آخر وحياة أخرى.