الأصدقاء وكيس المال

الأصدقاء وكيس المال

ماذا سيحكي الجد هذه المرة؟
الجد خليل على مقربة من أحفاده الثلاثة: آسر وسامر وديمة، يسمع حديثهم عن عدد أصدقائهم على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث قال سامر متفاخرًا وهو يتصفّح لوحه الرقمي: أنا الأكثر أصدقاء... وبتحدٍّ عقَّب آسر: ليس أكثر مني... وبينما تبدي ديمة أسفها على قلة أصدقائها، سألهم الجد: أتدرون مَن هم الأصدقاء الأولى بالتفاخر حقًا؟ باهتمام وجّه الأحفاد النظر إلى الجد، وفي صوت واحد سألوا: مَن يا جدي؟

 

جاب الجد وقد ترك سامر لوحه الرقمي على المنضدة: إنهم أبطال حكاية رَويتها لأبيكم في صغره. 
وبانتباه أكثر نظر الأحفاد إلى الجد وهو يحكي قائلًا: إنها حكاية تاريخية، وقعت في عهد المأمون، أحد خلفاء الدولة العباسية، وقد ذكرها المؤرخ المسعودي في كتابه (مروج الذهب) على لسان الواقدي أحد أبطالها، حيث قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي (أي سليل آل هاشم)، وكنا نحن الثلاثة كنفس واحدة... فنالتني ضائقة، وجاء العيد؛ فقالت امرأتي: أمَّا نحن فنصبر، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم؛ لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزيّنوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثياب الرثة (البالية).
قال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي، أسأله المساعدة كي أشتري كسوةً (ملابس) لأولادي؛ فأعطاني كيسًا مختومًا فيه ألف درهم، وبعدها كتب إليَّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي الهاشمي، فأعطيته الكيس بختمه... ولما قصصت على امرأتي مستحيًا، استحسنت ما كان مني ولم تعاتبني.
فبينما أنا كذلك إذ أتى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كما هو، فقال لي: أصدقني ماذا فعلت بكيس المال؟ ولمَّا أخبرته بأمر صديقنا الثالث، قال لي: إنك سألتني المساعدة، وما أملك إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المساعدة، فأعطاني كيسي بختمه... قال: فتقاسمت وصديقاي الألف درهم... ونما الخبر إلى الخليفة المأمون فكافأ كل واحد منا بألفي درهم.
وكالعادة، أنهى الجد حكايته، ثم جال بنظره بين أحفاده سائلًا: مَن في رأيكم أحق هنا بالإعجاب والمكافأة؟
أجاب سامر: بالطبع الصديق الهاشمي؛ لأنه صاحب الكيس، والبادئ بإيثار (تفضيل) صديقه على نفسه... فلولاه ما حدث هذا الإيثار بين الأصدقاء، ولا نما خبرهم إلى الخليفة ليكافئهم.
   بينما أجاب آسر: لا بل الواقدي، فهو أحوجهم إلى المال، والدليل عجزه عن اقتناء ملابس جديدة لأولاده بدلًا من ملابسهم البالية رغم قدوم العيد.
 أما ديمة فأجابت: أُعجبت بزوجة الواقدي... لأنها شجعت زوجها على الإيثار دون عتاب أو غضب، رغم حاجتها وأولادها. وكذلك الخليفة المأمون لأن بمكافأته تلك يشجع على شيوع الخير بين الناس.
وهنا ابتسم الجد لأحفاده قائلاً: في الحقيقة الجميع جدير بالمكافأة والتقدير، لأن الإيثار عمل جماعي، لا يقوم به صديق دون آخر، وإلا تحوَّل إلى أنانية.
ثم أضاف ممازحًا: حمدًا لله أن المأمون كافأ الواقدي وصديقيه دون أن يستشير في شأنهم أحدًا من حاشيته*.

____________________________________________________________________________
* في 30 يوليو يتم الاحتفال بيوم الصداقة العالمي، حيث أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011؛ وذلك لإدراك جدوى الصداقة بوصفها إحدى المشاعر النّبِيلة والقيمة في حياة البشر.