حيلة يوسف

حيلة يوسف

ماذا سيحكي الجد هذه المرة؟
لأول مرة يشارك الإخوة الثلاثة، آسر وسامر وديمة جدهم استكشاف الصيدلية المنزلية الخاصة به لتزويدها بما ينقصها من أدوية مع استبعاد غير الصالح منها في صندوق من الورق المقوى. وبعد الانتهاء قال الجد: بمناسبة ما كنا نفعله، سأحكي لكم حكاية: الدواء ذو الاسم الغريب، أو كما أسميتها "حيلة يوسف".
سألت ديمة: وما اسم هذا الدواء الغريب يا جدي؟
أجاب الجد وهو يمط حروف الاسم: السقطيثا!!
باستغراب كرر الأحفاد الاسم. قال الجد مبتسمًا: غرابة هذا الاسم، تخفي وراءها حكاية تاريخية، ذكرها "القفطي" أحد المهتمين بتاريخ الحكماء (الأطباء والصيادلة) في كتابه "تاريخ الحكماء".  
وإزاء انتباه الأحفاد بدأ الجد الحكاية: في عهد الخليفة العباسي المأمون، ومع ازدهار صناعة الأدوية، وازدياد عدد الصيادلة؛ كثر عدد المتطفلين على هذه المهنة الشريفة؛ ولتحقيق مزيد من الثراء، قاموا بغش العقاقير، وبيعها للناس، فلاحظ ذلك أحد الصيادلة آنذاك، ويدعى "يُوسُف لقُوَّة"، فذهب إلى الخليفة المأمون قائلاً له: مولاي إِن الصيدلاني لَا يطْلب مِنْهُ إِنْسَان شَيْئا من الْأَشْيَاء كَانَ عِنْده أَو لم يكن إِلَّا أخبرهُ بِأَنَّهُ عِنْده، وأعطاه شَيْئا من الْأَشْيَاء الَّتِي عِنْده.
وطلب منه الخليفة المأمون المشورة. وبعد تفكير اقترح عليه يوسف حيلة مفادها أن يضع المأمون اسْما من وحي خياله، وَيبعث به مَنْ يشتريه من الصيادلة، ومن يدعي امتلاكه إياه، يدون رسول الخليفة اسمه للنظر في أمره. فوضع الْمَأْمُون اسم(الشَّمَقْمَق)، وبعث به الرسل لشرائه من الصيادلة. والغريب أن هناك من ذكَر أنه عنده، وأخذ الثمن من الرسول، ودفع إليه شيئًا من حانوته(دكانه)؛ فأتوا إلى المأمون بأشياء مختلفة، مثل قطعة حجر وبذور ووبر أرنب وما شابه؛ وإثر ذلك أقام الخليفة المأمون أول رقابة صارمة للتفتيش على العاملين بمهنة الصيدلة، وأجرى امتحانات لهم لإعطاء الجدير منهم شهادة يمارس بها الصيدلة.. ومعاقبة الغشاشين ومدعي الصيدلة. 
وقبل أن يختم الجد الحكاية أضاف: وبذلك يعد المأمون بفضل ذكاء أحد الصيادلة صاحب أول امتحان للصيادلة في التاريخ، ولكن دون أن يشعر به الممتحنون. 
وما أن انتهى الجد حتى سأل أحفاده عما أعجبهم في الحكاية. قال آسر: أعجبني إخلاص الصيدلي يوسف لعمله وغيرته عليه، ومكافحة كل ما يضره.
أما ديمة فأجابت: في أغلب الحكايات تأتي الحيلة لخداع الآخرين، وإيقاع الضرر بهم، ولكن هنا استخدم الصيدلي يوسف الحيلة لنفع الآخرين، والإيقاع بالمحتالين.. لذا أعجبني يا جدي تسميتك الحكاية بحيلة يوسف بوصفهما بطلي الحكاية الأساسيين.
بينما أجاب سامر: أعجبني هنا يا جدي دور الخليفة المأمون؛ لأنه لم يكتفِ فقط بمعاقبة الغشاشين والمتطفلين، بل فرض رقابة صارمة ليضمن عدم تكرار ذلك مرة ثانية.
ثم أشار سامر إلى صندوق الدواء غير الصالح سائلاً الجد: والآن ماذا سنفعل بهذا الصندوق يا جدي؟
أجاب الجد مبتسمًا: كما خلّصت حيلة يوسف مهنة الصيدلة قديمًا من الغشاشين والمتطفلين عليها حتى لا يضروا أحدًا، يجب علينا وللسبب ذاته التخلص من هذا الدواء الفاسد، وبطريقة آمنة.*.