وليمة على التطريز

وليمة على التطريز

اسمعوا... اسمعوا... يحكى أنه في أرض فلسطين، منذ زمن بعيد كان يعرض كل سنة ثوب مزين. 
مرةً يكون في المعرض، ومرةً في الدكان. 
غمغم العثة في سره: ها قد حان الوقت، سيكون في الممر الأنيق منتوجات بديعة. «يا للغبطة... يا للفرح... مرحب... مرحى... 
ولما جاءت الخنفساء، قال لها: هلمّي بنا لتناول الطعام من معرض غزل العروق، سنقضم التطريز الفلاحي: الزهرة والوردة وسنابل القمح وورق العنب كلها عروق مغذيّة ولذيذة.
سمعَت السمكة الذهبية الهمْس بين العثة والخنفساء، وقالت: أعلم أنكما تتغذيان على قضم الخيوط والقماش، لكن أذكّركم أن جدتنا كبيرة الحشرات منعتنا من أكل التطريز، لا يجب أن نلتهم نسيجًا حاكته الأم الفلسطينية منذ مئات السنين، لكننا نستطيع أن نحضر الافتتاح ونستمتع. 
- العثة: ما فائدة المشاركة بلا أكل؟
- أجابت السمكة الذهبية: سنحاول الاستمتاع ونراقب من بعيد التطريز الملوّن على الوسائد وشراشف الطاولات وعلى الشالات والأثواب.
- العثة: آه كم أحب هذا. هيا بنا.. تعالوا. 

من بعيد أخذت الخنفساء والعثة والسمكة الذهبية بمراقبة الناس.
سال لعابهم فهناك الكثير من القماش والحرير والقطن، تمتمت الخنفساء للعثة: هناك في الداخل خيرات كثيرة سألعق الخيوط وأقضم الوسائد. مشهيات لذيذة. 
سمعَت السمكة الذهبية الكلام، وقالت: اسمعوا، لا نستطيع الأكل من الداخل.
الخنفساء: لا بد أن نجد طريقة ما. من الممكن أن نتسلّل من بين شقوق الأغطية ونأكل.
- العثة: لا مستحيل، حاولت ذلك مرارًا لكنهم أغلقوا الفتحات بإحكام! فهم في معرض «غزل العروق» يكرهون اقترابنا نحن معشر العث والخنافس والسمك الذهبي.
- الخنفساء: إذن من الأفضل الذهاب والعودة بعد أن تغادر الجموع فندخل إلى المعرض، ونتغذى براحتنا.
العثة: يا صديقتي، تعالي نترك التطريز الفلاحي فهو عزيز على الناس. 
- السمكة الذهبية: أجل... أجل... فلنأكل من مخلفات الأقمشة التي بجانب مشغل التطريز، ولا داعي للتخريب.
صمت... سكون... هدأت الحركة.
- العثة: تمهّلوا. لقد غادروا كلهم، هل أنت جائعة يا خنفساء؟
- الخنفساء: أوه جائعة جدًا. هلمّوا إلى الوليمة.
بقيت الخنفساء والعثة والسمكة الذهبية بجانب حاويات القماش المقصوصة التي لا لزوم لها، ولا يحتاجها أحد، فهي قطع صغيرة لا يمكن حياكتها. 
بقوا هناك يقتاتون براحتهم، ثم يلهون ويمرحون، وبعد عدة أيام وفي الصباح الباكر جاء المنجد ومعه سيارة نقل كبيرة وبدأ يحمل القصاصات إلى مصنع الفرشات والوسائد.
- صرخت الحشرات: لا نريد الذهاب معك! نريد أن نبقى هنا. 
- قالت السمكة الذهبية: من الأفضل أن نعيش عنده لأننا في الشتاء لن نستطيع تحمّل البرد.
- قالا معًا: كلامك صحيح.
ومنذ ذلك اليوم سكنت حشرات القماش: الخنافس والعث والأسماك الذهبية عند المنجّد.
يعيشون في زاوية من المشغل لا يصل إليها أحد، ما عادوا يتلفون التطريز، أما طعامهم فهو من بقايا القماش...