في مدينة سلا المغربية.. تحفة بيئية رائعة

في مدينة سلا المغربية..   تحفة بيئية رائعة

 توجد الحدائق العجيبة بمنطقة بوقنادل في مدينة سلا المغربية، وهي متميّزة في تأسيسها وفكرة إنشائها، وفيما تحويه من نباتات. يمكن القول إنها حدائق تحولت من كونها ملكية خاصة إلى عمومية، بل ومعلمة بيئية بالمغرب اخترقت شهرتها الآفاق. فما حكايتها؟
 أسسها المهندس الفرنسي فرنسوا مارسيل سنة1950، اعتمد في تصميمها على سيادة المتاهات والأحواض المائية ووجود مستويات مختلفة بالحديقة، وبعض الأفكار الخداعية تعطي إحساسًا بالاتساع الظاهري، أنشئت دون سور للاستفادة من المناظر الطبيعية الموجودة بها وحولها، كما تتميز بتضييق عرض الطرق مع التدرج أو الزيادة في البعد.  
كان فرنسوا مارسيل يزرع يوميا 500 شتلة بالحديقة بمساعدة فريق من مساعديه المغاربة، فكل نبات من نباتات حدائقه العجيبة يحمل معه رحلة وحكاية وثقها مارسيل في صوره، فقد كان يأتي من أسفاره ومع حقائبه نباتات من المناطق التي زارها مما مكنه من جمع ما يقارب الألف نوع من النباتات المختلفة. 
وتتكون الحدائق العجيبة من 11 حديقة وهي: حديقة الكونغو والسافانا والبرازيل والبيرو وحدائق جزر الأنتيل والمكسيك والحديقة الأندلسية وحدائق اليابان والصين والهند وآسيا الوسطى. فكل حديقة، لها مميزاتها وخصوصياتها، كما جلب لها طيورًا من مناطق مختلفة من العالم، منها: النحام الوردي الأوربي، والتدرج المذهب الأسيوي وأسماك وضفادع. وتوجد بالحدائق العجيبة أحواض مائية وبرك، تربط بينها قناطر طبيعية مصنوعة من الأخشاب، في هيئة بديعة ورائعة تضفي على المكان رونقًا وجمالاً.
وفتحت الحدائق العجيبة للعموم سنة 1961. وقد وفر فيها فرنسوا مارسيل، معلومات حول نباتاته العجيبة (مصدرها، مناطق انتشارها، أوراقها، مواعيد إزهارها..)، وأخرى حول حماية البيئة والحفاظ عليها لملاءمتها مع التربية البيئية، ولأهداف تعليمية أصبحت تتوفر على معينات بيداغوجية*، فالحديقة هي فضاء للتعلم البيئي كذلك.
وتمت مغربة الحدائق العجيبة سنة 1973  إذ أصبحت تحت وصاية وزارة الفلاحة، وعهدت بإدارتها وتسييرها لفرانسوا مارسيل حتى سنة 1981، حيث حالت ظروفه الصحية دون قدرته على مراقبتها، ليتحول الإشراف عليها لوزارة الداخلية. 
وقد شكّلت وفاة فرنسوا مارسيل سنة 1990 لحظة فارقة في تاريخ الحدائق العجيبة، حيث دخلت مرحلة من الفراغ والإهمال، نتج عنه تدهور نباتاتها ومرافقها، إلى أن قامت مؤسسة محمد السادس للبيئة بإعادة تأهيلها، لتعود إلى ألَقها تحتفي بالنباتات والبيئة، وتحمل مشعل التربية البيئية ما جعلها تصنف في يوليو 2003 تراثًا طبيعيًا وطنيًا بالمغرب، وأصبحت سنة 2005 تراثًا إنسانيًا عالميًا، لما تحتويه من نباتات وطيور وسلاحف وأشجار نادرة.
وإحياء لذكرى مؤسسها، تم تحويل منزله إلى متحف يحتوي على صوره مع نباتاته والأماكن التي جلبها منها، وعلى أغراضه الشخصية وحتى أدويته، كما يتضمن تعريف بتاريخ الحديقة وتطورها.
تعد الحدائق العجيبة اليوم، معلمة بيئية رائدة ومتميزة تحتفي بالبيئة والنباتات والطبيعة وتلخص حكاية عشق وحب مهندس للنباتات فخلد اسمه بحدائقه، كما تعد اليوم مزارًا لمن يرغب في فسحة بين جمال وسكينة الطبيعة، وملاذًا لأصدقاء البيئة والمدافعين عنها، كلؤلؤة في زمن الاحتباس الحراري وتدمير البيئة، وعنوانا للتربية البيئية لناشئة المستقبل. فهي رسالة للحفاظ على البيئة والاهتمام بها ودعم كل المبادرات الرامية لتحقيق هذا الهدف، كمركز الحسن الثاني للتكوين في البيئة الذي أسس بجانب الحدائق العجيبة في 18 يوليو 2019، بهدف نشر قيم المحافظة على البيئة والتوعية بأهميتها.


٭ بيداغوجية: فن تدريس الأطفال، وهي نظرية عملية موضوعها التفكير في نظم التربية وطرائقها من أجل تحسين نتائجها وتوجيه نشاط المربين وتقييمه.