الجوائز الأدبية حقل ألغام ثقافية

يبدو الحديث عن الجوائز الأدبية في الوطن العربي شائكًا ومتشعبًا، وقد يكون متعبًا، لأن إرضاء جميع الأطراف أمر صعب المنال، ولا يمكن تحقيقه لاسيما أثناء التطرق إلى الإبداع الذهني والفكري المتعدد المستويات، فربما تشعر بالدهشة والمفاجأة مما قد تقرأه أو تسمعه، وفي أسوء الأحوال التي قد تواجهها أثناء تسليط الضوء على إيجابيات الجوائز وسلبياتها، أن ما كتبته سيكون له عواقب غير متوقعة، فربما تتلقى ردود فعل لم تخطر على بالك، فمغامرة الكتابة عن الجوائز الأدبية شبيهة بمغامرة الولوج إلى حقل ألغام، لكن المتفجرات فيها ستكون ثقافية. 

 

الجوائز الأدبية من حيث المبدأ لا تشوبها شائبة، وربما هي من أبرز الأمور التي تحفز الكتاب ودور النشر وتضفي على المشهد رونقًا مختلفًا وألقًا يقل نظيره، كما أن لهذه الجوائز إيجابيات كثيرة، سواء في عالم النشر أو الكتابة الإبداعية، وتساهم بشكل كبير في رعاية الأدب والثقافة، وترفع هذه الجوائز شعار الشفافية وعدم التحيّز لطرف على حساب آخر، أو بقعة جغرافية معيّنة على بقع جغرافية أخرى، هكذا هي الأهداف، كما أن المعايير في التسابق تأتي ضمن بنود تتيح لكل الأدباء المشاركة بشرط أن تتضمن الإصدارات نوعية خاصة من الإبداع ترتقي بالأدب الإنساني وتعمل على تطويره ضمن تقنيات فنية تسمو بالقراء.
وللإلمام أكثر بأركان المسابقة يجب أن نتعرف على أن الجائزة لها رعاة يغدقون عليها المال ولا يدخرون أي وسيلة للدعم، ويقدمون خدمة جليلة للأدب والإنسانية وكذلك لجان الجائزة، إضافة إلى الضلع الأكثر الأهمية هو المبدع العربي أينما حل، ثم القيمة الأدبية لهذه الجائزة عن سواها. 
وتأتي هذه المكانة وفقًا لاسم الجائزة والجهة التي ترعاها وكذلك الأسماء التي تضمها اللجان العاملة في الجائزة. 
ومن المعروف، اتفاق معظم الجوائز الأدبية على مجموعة أهداف، في طليعتها خدمة الأدب الإنساني والعمل على نشره عربيًا أو عالميًا، حيث يعمد مؤسسو الجائزة ورعاتها إلى مكافأة الأعمال الأدبية المتميزة تقديرًا لجهدهم المبذول في تقديم نتاج أدبي مختلف، إضافة إلى تحمل مؤسسة عبء التسويق لهذه الأعمال في الوطن العربي وخارجه، كما أن ثمة أهداف أخرى للجائزة تسير ضمن دعم الكُتاب المتميزين وتشجيعهم على الكتابة، وفي الوقت ذاته تدعو هذه الجوائز إلى قراءة الأدب العربي الرصين، سواء بلغة عربية أو بلغات أخرى، حيث تقوم هذه الجوائز الأدبية بترجمتها ونشرها في دول غير ناطقة باللغة العربية. 

مياه راكدة
وهنا تبدو لنا أبرز إيجابيات الجوائز الأدبية حيث تؤدي دورًا كبيرًا ومهمًا لكافة أضلاع المشهد الأدبي (الكاتب والقارئ ودور النشر)، وإذا أردنا الحديث بتفصيل أكثر دقة سنجد أن الجائزة ستحرّك المياه الراكدة في مجال الكتابة الإبداعية وستعمل على تشجيع الكاتب الموهوب على إتقان حرفته وعمله، إضافة إلى تطوير أدواته رغبة في تقديم أفضل ما لديه خلال نتاجه الأدبي وسيسعى جاهدًا لنيل الجائزة عن جدارة واستحقاق لاسيما إذا عرفنا أن المتوّج بالجائزة سيحصل على مجموعة مميزات أولها تحقيق هدف شخصي في بلوغ الجائزة، ثم الحصول على المكافأة المالية وكذلك سيحقق الكاتب الانتشار والشهرة، وفي الاتجاه ذاته، ستعمل الجائزة على تحفيز الكاتب الطموح إلى تطوير ذاته أدبيًا وإبداعيًا رغبة في التتويج، وهنا استطاعت الجائزة إشعال فتيل المنافسة بين الكُتاب لتقديم أدب مغاير ونتاج مختلف عن السائد يحظى بالتفرّد والرواج، كما أن هذه الأجواء التنافسية ستدفع معظم دور النشر إلى البحث عن كُتاب بمواصفات رفيعة يدققون كثيرًا في القيمة الأدبية لإصداراتهم المطبوعة، وبهذه الطريقة، ستواكب دور النشر هذه الطفرة الثقافية وستشتعل المنافسة بين دور النشر ما ينعكس إيجابًا على انتعاش المشهد الثقافي.
ومن الأمور الأكثر إيجابية، ارتفاع الوعي لدى القراء والإقبال على الإصدارات الأدبية، فالقراءة تغذي الجانب المعرفي لدى الفرد وترتقي بوعيه، لأنها أداة حقيقية لتنمية الفرد، وبالتالي تنمية المجتمع من خلال فتح آفاق العلم والمعرفة والابتكار ومواكبة التطور، وهنا نستطيع التعرف أكثر على أهمية الجوائز الأدبية في رفد المجتمع بمعطيات قادرة على نهضته وتطويره وتقدمه سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. وهنا يظهر مدى تأثير القوى الناعمة في النسيج الاجتماعي والقدرة على إحداث التغيير ولو بطريقة تدريجية.
وقد شهدت الأوساط الثقافية العربية، خلال العقد المنصرم، ظهور مجموعة جوائز حققت طفرة نوعية في المكافآت الأدبية العربية وأصبحت قبلة الأدباء العرب في المشرق والمغرب، وهنا لا أعني جائزة بحد ذاتها، بل هناك أكثر من جائزة استطاعت ترسيخ اسمها ضمن هذا المضمار الثقافي صعب المراس، واستطاعت أن تنافس جوائز قيمة استمرت لدعم الأدب لعقود من الزمن، حتى أصبح الفوز فيها هدفًا لكل الأدباء، بغض النظر عن المكافأة المالية.

سحب ملبدة
وتمكنت هذه الجوائز الأدبية من تقديم أدباء شبان سواء من المشرق أو المغرب للمشهد الثقافي العربي، حيث حصل على الجوائز أسماء باتت لامعة في الأدب، وكذلك في عالم النشر، وقد أصبحت تحقق أرقامًا كبيرة في التوزيع، وأصبح الإعلام العربي يجتذب هذه الأسماء للمشاركة في موضوعات مهمة سواء عبر كتابة المقال أو الاستضافة ضمن البرامج الثقافية.
وفي خضم هذا الاحتفاء، تلوح بالأفق بعض السحب الملبدة بالغيوم وغير المرغوب فيها، وعقب إعلان أسماء الفائزين في أي جائزة تبدأ حملة تشكيك واسعة بأحقية فوز الأديب الفلاني لأنه يقدم أدبًا مغايرًا يفوق زملاءه وفي الاتجاه ذاته، وعلى طرف آخر تنادي بعض الأصوات بأحقية عمل أدبي آخر بالتتويج، وتظهر مجموعة أخرى بالمناداة بالعدل والإنصاف ومنح الجائزة إلى الأديب الأكثر حضورًا وأحقية في الجائزة، وفي غضون الأجواء المشحونة، تتوزع الاتهامات وتنتشر الأقاويل وتحدث ضجة كبيرة وتتطور الأمور إلى الدخول في نزاعات وصراعات ومهاترات، وهنا تظهر صفحات معتمة تغرد خارج السرب، فتجد من يشكك في العمل الفائز مدعيًا أن فكرته مسروقة من عمل آخر، وتارة يروج البعض إلى أن لجنة التحكيم تفتقر إلى المهنية والمنهجية ولا تستطيع التفريق بين الأعمال القيمة والأخرى الأقل منها، والأنكى أنه حينما تضم لجنة التحكيم أعضاء من الأدباء المعروفين في دول عربية معينة ستكون النتائج مقبولة، لكن في حال وجود أعضاء من بلدان عربية أخرى (تعتبر هامشية في نظر المجموعة المركزية) وقد منحت الجائزة لأحد الكتاب الهامشيين، سيقع المحذور، وربما قبل إعلان النتائج سيبلغ الجدل عنان السماء ويكثر التشكيك ويتضاعف النقد اللاذع في المشهد الثقافي العربي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر أصوات تعتبر الإبداع الفكري مرتبطًا ببقعة جغرافية معينة، بينما مَن يكون خارج هذه البقعة لا تتوافر فيه شروط الأديب الذي يستحق التتويج، ويلاحظ المتابع لهذه المكافآت الأدبية حضور التراشق بين الفرق المتنافسة على الجوائز، لاسيما إن كانت الجائزة في دولة خليجية - مثلاً - ولم ترق النتائج لأحد الأوساط الثقافية العربية الأخرى ولم يحصل ممثلها في هذا الاستحقاق على الجائزة، حتمًا ستشن حملات شعواء تستعر حدتها وتخفت وفقًا للأسماء المشاركة في لجنة التحكيم، ومع الأسف فإن هذه الأمور هي السائدة في المشهد الثقافي العربي.
ومن أبرز الانتقادات التي تواجهها الجوائز الأدبية العربية، هي أن العائد المادي الكبير الذي تمنحه الجوائز، تشرئب له الأعناق ضمن هذه الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الوطن العربي، لذلك هذه الجائزة أو تلك تحولت إلى حمى وهوس، إذ باتت تشغل بال الكتاب والمؤلفين والشعراء طمعًا في الظفر بالمكافأة المالية، ثم الحصول على الشهرة والانتشاء. من الانتقادات الأخرى أن بعض لجان التحكيم تقع أحيانًا في شرك الانحياز إلى بقعة جغرافية معينة دون سواها وتشهد بعض الدورات من الجوائز تشكيكًا في مصداقية الجائزة والقائمين عليها من لجان الفرز ولجان التحكيم وإلى ما هنالك من أمور تخص الجائزة.
ومن الاتهامات الأخرى التي تلتصق بالجوائز، اتهام الإقليمية والانحياز لها أو بمعنى آخر، وجود أصوات تدعم الجائزة بكل الحالات ويكون الدفاع مستميتًا، وهذا الاتجاه يدفع إلى ظهور أصوات مضادة تهاجم وتنتقد وتقلل من أهمية الجائزة، لكن في واقع الحال أن ما سيحدث سيكرّس التنافر والتناحر.
ومن أصعب المشكلات التي تعانيها هذه  المؤسسات التي تمنح هذا التكريم، انفلات عقال النقد الموجّه من كل حدب وصوب في حال لم تكن النتائج تسير في اتجاه رغبات بعض المثقفين والأدباء في بقعة جغرافية معينة ■